ما حدث في ليبيا والعراق سيحدث حتماً في سورية
ما يجري الآن في ليبيا وما كان يجري، ولا يزال، في العراق، وما قد يجري في سورية، لا سمح الله، إذا بقيت الأمور تسير في هذا الاتجاه الذي تسير فيه، يجب أن يكون درساً لكل الدول العربية التي فيها "ألغامٌ" نائمة، والتي لم تبادر إلى الالتقاء بمطالب شعوبها وتطلعاتها، ولو في منتصف الطريق على الأقل، لا في بدايته كما تم في الأردن الذي اتبعت قيادته سياسة حكيمة جنّبته العواصف التي كان يتوقعها كثيرون، إنْ من الداخل أوْ من الخارج. كان معمر القذافي، الذي ظنَّ أن حكمه لن يزول وأنه سيرسخه في أبنائه وفي أحفاده إلى الأبد، قد بادر مبكراً إلى تفكيك مؤسسات الدولة الليبية، وإلى حلّ الجيش واستبداله بجهاز مخابراتي كان يتفنن في إذلال الشعب الليبي وملاحقة المعارضين، الذين لم يخجل من أن يطلق عليهم صفة "الكلاب الضالة"، كل هذا تحاشياً لانقلاب عسكري كانقلابه هو عام 1969، وكالانقلابات التي ضربت المنطقة العربية وخلَّفت كل هذا الخراب السياسي الذي دمَّر دولاً رئيسية كان من الممكن أن تصبح بمستوى الدول الأوروبية.
لم يترك القذافي في ليبيا حجراً على حجرٍ، وأقام نظاماً "كاريكاتورياً" عجائبياً في دولة أصبحت أضحوكة العالم كله أسماها "الجماهيرية الليبية الاشتراكية العربية العظمى" ورفع فوقها "خِرْقة" خضراء على أنها الدولة الفاطمية التي اعتبر نفسه استمراراً لها... وهكذا فإن الشعب الليبي العظيم عندما اجترح المعجزات وأسقط تلك الدولة "الكرتونية" وصاحبها لم يستطع التقاط أنفاسه، ووجد نفسه في لجة فوضى مسلحة، ولذلك فقد لجأ الناس إلى الاحتماء بقبائلهم وبمناطقهم الجهوية، وهذا هو الذي يجري الآن في بلد كان قبل الظاهرة القذافية يضع أقدامه على بداية طريق واعد كان من الممكن أن يوصله إلى مستوى الدول الديمقراطية على الشاطئ المقابل من البحر الأبيض المتوسط. وكذلك، وكما فعل القذافي ببلد واعدٍ، فأصبح على ما هو عليه الآن من فوضى وعدم استقرار ومن عودة لمراحل بدائية سابقة بعيدة، فإنَّ أكبر جريمة ارتكبها الأميركيون أنهم تقصدوا تدمير الدولة العراقية وأنهم حلوا جيشها وفتحوا أبوابها للسيطرة الإيرانية، ففقدت الاستقرار وباتت تعيش كل هذه المآسي التي تعيشها الآن، والتي ستأخذ هذا البلد العظيم حتماً إلى التمزق والانهيار الكياني إذا لم تقع معجزة حقيقية ويستيقظ العراقيون وينتشلوا بلدهم من كبوة تاريخية قاتلة. وهنا فإنَّ الدَّور، كما يشير واقع الحال، قد وصل إلى سورية بعد ليبيا والعراق، فالأمور، سواء رحل بشار الأسد أم بقي متشبثاً بحكم باتت ركائزه تقوم على جماجم الأطفال وعلى جثث القتلى وعلى ركام المدن والقرى التي بنيت على مدى حقب تاريخية بجهود شعب بقي يتقن البناء ولا يعرف الهدم قبل أن يبتلى بنظام "الممانعة والمقاومة"، يبدو أنها ذاهبة على خطى ما حدث في ليبيا وما حدث في العراق، فالدولة السورية في الحقيقة لم تعد قائمة والجيش العربي السوري تحول إلى ميليشيات طائفية، والقرار في هذا البلد العربي غدا قرار الولي الفقيه في طهران وقرار بوتين ولافروف في موسكو... وأيضاً قرار حسن نصرالله في ضاحية بيروت الجنوبية. إنها تجربة مؤلمة وواقع حال يوجع القلب، والمسؤول بالنسبة إلى هذه الدول الثلاث، التي قد تصبح أربعاً في ضوء ما يجري في السودان، هو الراعي الذي استدرج الذئاب استدراجاً إلى قطيع أغنامه، وهو "المتزعم" الذي ركب رأسه وضحَّى بشعبه وببلده من أجل الحفاظ على حكم كان قد بدأ بالقتل والدماء والمؤامرات ووصل إليه بالقتل والدماء والمؤامرات وهو يحاول إدامته بالقتل والدماء والمؤامرات!