تتكون فرقة «زين» من أربع  فرنسيات بعضهن من أصول عربية، لا يتكلمن العربية ولكنهن يتذوقنها من خلال حفظهن كلمات الأغاني وترديدها كأصوات موسيقية، وعازف عود مغربي، وضارب طبلة من سورية، كلهم مقيمون وحاصلون على الجنسية الفرنسية، ولا تعد هذه مهنتهم الرئيسة ولكنهم يمارسونها كهواية، الأمر الذي يعتبره زين السبب في نجاح الفرقة لأنهم يمارسون الموسيقي بحب وشغف وليس كأداء واجب.

Ad

زين محمود مطرب فلكلور مصري يعشق أداء الأغاني الشعبية المرتبطة بالتراث، واشتهر أيضاً بأدائه الأغاني الصوفية وحلقات الذكر الذي يقول عنها إنها تلاقي استحسان وقبول لدى الفرنسيين ليس فقط من هؤلاء ذي الأصول العربية وإنما من المهتمين بهذا النوع من الموسيقى وهم كثر، جاب زين دول العالم ضمن فريق عمل فرقة «الورشة»، ولكنه استقر أخيراً في فرنسا مع زوجته الفرنسية وطفلته.

مبنى قديم في أحد شوارع مدينة مارسيليا في فرنسا، يضم شقة في الطابق الأول تعمل فيه الفرقة، حيث تتسم بطابع فرنسي عريق لكونها في أحد الشوارع القديمة، بينما تهب نسمات مصرية فور الدخول من الباب حيث تغطي الجدران الأقمشة الملونة المصرية الشهيرة التي تستخدم في فرش «صوانات» الأفراح أو العزاء، كذلك تتناثر الوسائد المصرية والسجاجيد، وتجد الآلات الموسيقية المصرية الشهيرة مكانها على الحوائط إلى جوار عصا التحطيب التي تستخدم في الرقص في صعيد مصر.

ترتكن عبوة الشاي المصري إلى جوار مشروبات ساخنة أخرى أبرزها قهوة سريعة التحضير التي يعشقها الفرنسيون، ويضحك زين ويقول: «لو مكانتش كوباية الشاي تقيلة حبر محسش أني شربت شاي، ولما خلص الشاي المصري كنت متعكنن جداً لغاية ما صديقة بعتت لي تاني».

 توحِّد الثقافات

تتميز الفرقة بضمها ثقافات مختلفة. حنان فتاة فرنسية من اليمن وهي الوحيدة التي تتكلم العربية. تحضِّر دكتوراه في فرنسا عن الغناء النسائي في اليمن، ووجدت أن الغناء ضمن فرقة مصرية، خصوصاً الفلكلور الشعبي، سيساعدها كثيراً. أما فروجة فامرأة فرنسية من أصل أمازيغي من بربر الجزائر تعشق العربية والغناء الصوفي وتفهم القليل، لكنها تترجم الكلمات حتى تتذوقها جيداً.

وتجد حياة، وهي من أصول جزائرية أيضاً، ضالتها في تعلم العربية من خلال مشاركتها الغناء ضمن الفرقة بالعربية. وأخيراً كارين الفرنسية التي تعشق صوت أم كلثوم، ورغم عجزها عن فهم الكلمات فإنها تردد عدداً من أغانيها. اختلفت ثقافاتهن وجذورهن إلا أن عشقهن للموسيقى المصرية والغناء الصوفي وحَّدهن، فضلاً عن أنهن يشتركن في أنهن مغنيات على مسارح فرنسية أيضاً.

«مدد يا رسول الله» هي الأغنية الأكثر دفئاً في الأغاني الصوفية، ولها نكهة خاصة في فرقة زين، رغم أن فرنسيات الفرقة يرددنها بلكنة عربية مختلفة فإنها لا تفقد سحرها بل تُثير في السامع شجناً خاصاً حيث يتمايلن ويبتسمن ويغمضن أعينهن كلما رددن كلمة «مدد»، فهن يعرفن معناها ويشعرن برهبة الموسيقى وقوة الكلمات، ويهتم زين بضبط الإيقاع الغنائي عن طريق استخدام الطبلة وغنائه المقاطع الرئيسة بصوته العذب.

تتسم الفرقة بطابع مصري من حيث الملابس التقليدية من الجلباب المطرز الملون، وطرح الرأس المزينة، حيث يهتممن بإضفاء الروح الشرقية على نكهتهن الفرنسية في اللغة، خصوصاً أثناء أداء أغاني مثل «نعناع الجنينة» و»الياسمين» و»على ورق الفل دلعني»، وغيرها من أغان مميزة اهتم زين بإضفاء لمسه خاصة على توزيعها.

 وتحدث زين عن حلقات الذكر التي يشارك فيها الكثير من العرب الفرنسيين والمسلمين، خصوصاً في شهر رمضان، التي تجعل منه مختلفاً وأقرب إلى الأجواء الدافئة في البلاد العربية.

تبدأ أولى عروضه الجديدة في فبراير 2014 وتستمر شهرين تقريباً. يوضح زين أنه يهتم بالفن عموماً، كذلك يهتم بطريقة عرضه بصورة لائقة، لذلك تنطلق الحفلة الأولى لأي من عروضه دائماً من مسرحه الكائن في الشقة ذاتها التي تُجرى فيها التدريبات حيث يحضر أصحاب المسارح وعليها تنطلق جولته في مدن فرنسية عدة، وربما يقوم بجولة خارجها، فقد قدم عروضه في أميركا وأوروبا والدول العربية كافة وحتى إيران.

 

حنين إلى مصر

للنجاح في الخارج لذته وسحره، إلا أن زين يحن إلى مصر طوال الوقت، ولا تمر أشهر طويلة حتى يقرر النزول إما للمشاركة في حفلات غنائية أبرزها مشاركته في احتفالات «الفن ميدان» الذي يُقام كل أول سبت من كل شهر، بتنظيم عدد كبير من الفرق الغنائية والمهتمين بالفن والذين ظهر الكثير منهم عقب ثورة 25 يناير.

يحكي زين عن حياة أبنائه في صعيد مصر، تزوج أربع مرات وأنجب ثمانية أبناء. اهتم على حد قوله بزواجهم حيث يختار بنفسه زوجات أبنائه وأزواج بناته، خصوصاً أنهم يثقون في رأي والدهم ورؤيته للمستقبل.

يحزن زين كثيراً على ما تمر به مصر راهناً، ويتمنى أن تنتهي هذه المرحلة الحرجة التي أثرت سلباً على كثير من المجالات ومن بينها الفن عموماً. كذلك يرى أنها أفرزت عدداً من المطربين المميزين إلا أن موجة جديدة من الغناء الذي يطلق عليه البعض غناء شعبياً أصبح يشوه هذا المسمى ولا علاقة له بالفن الشعبي لا من قريب ولا من بعيد.