الحوار مع الآخر مبدأ رصين أكده الإسلام والقرآن أرسى مبادئه ووضع له ضوابط
أولى الإسلام قضية الحوار اهتماما واسعا بوصفه سبيلا للتعارف والتواصل بين الأفراد والحضارات المختلفة، لأنه أصل من الأصول الثابتة والراسخة في الثقافة الإسلامية، ومنهج أصيل في الدعوة إلى الإسلام، وفي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، الأدلة المتضافرة على التزام الأنبياء له في ترسيخ الإيمان، والمتدبر في تلاوته للقرآن الكريم لابد أن يستوقفه هذا الكم من النصوص التي تبحث معالجة هذه القضايا والمشكلات بطريقة حوارية.هكذا اكدت أستاذة أصول التربية المساعدة بكلية البنات جامعة عين شمس د. آمال عتيبة، في كتابها الصادر حديثا بعنوان "الحوار مع الآخر في الفكر الإسلامي"، مشيرة إلى أن "الحوار في القرآن الكريم جاء متحررا من قيود الزمان والمكان وكأنه يخص مشكلات اليوم بالتحديد، تلك المشكلات التي نحياها ونتعايش معها ونعايشها".
وتتأكد الحاجة إلى الحوار لاسيما في هذا العصر، الذي يدخل العالم فيه مرحلة من المتغيرات الجذرية، والتطورات والتحولات الكبرى والسريعة على مختلف الصعد، كما يشهد ثورة هائلة في وسائل الاتصال والإعلام وتدفق المعلومات، وما تفرضه هذه الثورة من إمكانات غير مسبوقة للتواصل الثقافي والفكري والقيمي بين الأطراف المختلفة في المجتمع الواحد وبين المجتمعات الكثيرة المتعددة، لذا فقد أصبحت اليوم مفاهيم الحوار والآخر والتعددية كونية، يفسر البعض السبب في ذلك بالعولمة التي تزيل الحدود القومية للدول، ولذلك أصبح الحوار بين الحضارات، موضوعاً مطروحاً على الساحة الدولية في العصر الحاضر. ويحظى هذا الكتاب بأهمية بالغة نظرا للتحديات التي تمر بها أمتنا العربية والإسلامية راهنا، وقد أجادت المؤلفة بحسها التربوي التأصيل للحوار بالرجوع المنهجي إلى أصوله وأولياته، كما استندت في كل ذلك إلى الآراء المرتكزة على آيات القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، ما يضفي على الكتاب عمق الرؤية، ودقة العرض، وسلامة المنهج، ووضوح الفكرة واتساقها، والحق أن مبدأ الحوار مبدأ إسلامي رصين أكد عليه القرآن في كثير من آياته.ومن ثم فهو دين تفاعل واتصال مع الآخرين، والكتاب يبحث في ثناياه عن عدة أهداف، على رأسها التعرف على مفاهيم الحوار ومكانته في الرؤية الإسلامية، مع توضيح أهم المبررات والضرورات والدواعي التي تحتم فرضية الحوار ثقافة ومنهاجا، كما حاولت الكاتبة إبراز أسس المنهج الحواري بقواعده وضوابطه وآدابه وأخلاقياته في القرآن الكريم، ومن ثم الكشف عن مرتكزات العلاقة مع الآخر من المنظور الإسلامي، إلى جانب استنباط الآثار الجليلة المترتبة على تطبيق أسس المنهج الحواري القويم في القرآن الكريم في مجال التربية.ثم ساقت لنا الدكتورة آمال منطلقات حوار الحضارات وحددت هذه المنطلقات في عدة نقاط أبرزها عالمية رسالة الإسلام، ووحدة الأسرة البشرية وتكامل مصالحها، والإيمان بأن أساس الرسالات الإلهية واحد، والاعتراف بالتعددية الحضارية، وبحق الاختلاف الحضاري، وبحقوق الإنسان، والتسامح مع غير المسلمين.وأورد الكتاب الغاية من حوار الحضارات ومقاصده، ورأت المؤلفة أنه "لمعرفة هذه الغاية لابد أن نعرف شروط الحوار بين الحضارات، ومعرفة الذات أولا، وأن يكون لدينا استيعاب نقدي عميق لثقافة الآخرين، مع اعتماد المنهج العلمي في الحوار، وترسيخ مبدأ المساواة التامة بين أطراف الحوار".