قبل أن تعرف الملاعب المصرية ظاهرة اعتزال نجوم البساط الأخضر، كانت السينما على موعد مع اعتزال الراقصات، لكن الفارق بين الحالين أن اللاعب يعتزل في احتفال كبير وصخب أكبر يُشارك فيه الجميع، في ما اصطلح على تسميته «مباراة الاعتزال»، في حين تنأى الراقصة التي تنتوي الاعتزال بنفسها عن وسائل الإعلام، وتنزوي بصمت، بعد أن تهجرها الشهرة والنجومية والأضواء، ولا يكاد يسمع أحد عنها شيئاً!

Ad

يفرض الحديث عن ظاهرة الاعتزال نفسه، في أعقاب الحملة الشرسة التي استهدفت المنتج السينمائي أحمد السبكي، قبل أيام من عيد الأضحى المبارك، وطالبت، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بمقاطعة أفلامه، بحجة أنه «يُفسد الشباب بأفلام البلطجة»، ثم استمرت الحملة بشكل أكثر عنفاً طوال أيام العيد، وبلغت ذروتها باتهامه بأنه تحرش بفتاة أمام شباك تذاكر سينما «مترو»، وتعدى بالسب والضرب على عضو بحركة «شفت تحرش»، ما دعا نيابة قصر النيل إلى التحقيق في البلاغات المقدمة، وأمرت باستدعاء المجني عليهما لسماع أقوالهما، وبسرعة تحريات المباحث حول الواقعة.

بالطبع لم يقف المنتج صامتاً حيال الاتهامات التي طاولته، ودافع عن نفسه فقال: {أتعرض لسلسلة من الإساءات في الفترة الأخيرة لأن أفلامي حققت نجاحات كبيرة}، متهماً {حزب أعداء النجاح} بأنه يقف وراء {تلك الحملات المغرضة}.

أدى ذلك إلى ظهور حملات {إلكترونية} متعاطفة اختارت لنفسها اسم {كلنا السبكي}، أعلنت وقوفها إلى جانبه في مواجهة الهجوم الذي يتعرض له، ونفت اتهامه بإفساد الذوق العام. لكن حال الانكسار التي بدا عليها السبكي، لأول مرة، قادتني إلى سؤال خيالي: {هل نستيقظ يوماً كي نقرأ في الصحف والمواقع الإلكترونية أن السبكي أصدر بياناً أعلن فيه اعتزاله الإنتاج السينمائي، ومغادرة الساحة الإنتاجية من دون رجعة بسبب ما يتعرض له، منذ ظهوره، من حملات دأبت على تشويهه والإساءة إليه، ومن ثم ينتظر من يتحمس لتنظيم {مباراة اعتزاله}؟

أعرف أن السبكي ليس الرجل الذي يفكر بهذه الذهنية، كما أن خروجه من الساحة في هذا التوقيت لن يمنحه التقدير الذي ينتظره، لكنني أرجح أنه سيفكر جدياً، بفعل الضغوط النفسية التي تحاصره، في الاحتجاب، بشكل موقت، رداً على الإهانة التي لحقت به من ناحية، وكي يلقن مناهضيه درساً قاسياً من ناحية أخرى؛ فالأمر المؤكد أن توقفه عن الإنتاج، ولو بشكل موقت، سيكشف حجم الانهيار الذي وصلت إليه صناعة السينما المصرية في الآونة الأخيرة، وسيفضح منتجين كثراً استنزفوا {بقرة السينما الحلوب}، ولما جف الضرع وهزل الجسد ودب الضعف في أوصالها، انفضوا عنها وتهَربوا منها، وهَرّبوا أموالهم التي دخلت جيوبهم في ظل انتعاشها، إلى البنوك الأميركية والسويسرية، ولم يخجلوا من القول إنهم توقفوا عن الإنتاج إلى حين انقشاع الغمة، وزوال الأزمة!

قد نتفق أو نختلف على الدور الذي يؤديه أحمد السبكي في السينما المصرية، ومهما كانت دهشتنا البالغة حيال التباين الهائل في مستوى الأفلام التي يقدمها من «ساعة ونص، كباريه، الفرح»، مروراً بـ «الحرامي والعبيط، بلطية العايمة»، انتهاء بـ «حصل خير، شارع الهرم، ابقى قابلني»، إلا أن أحداً لا يجرؤ على إنكار الحقيقة المهمة التي تقول إنه وشقيقه محمد لم يتوقفا يوماً عن الإنتاج وغامرا بأموالهما في أحلك ظروف الصناعة، وواجها بمفردهما صعوبات اقتصادية وأمنية تعيشها البلاد، في حين جبن الآخرون وارتدوا مسوح «الفلاسفة» و»الحكماء»، وهم يُفرطون في الإدلاء بتصريحات عنترية للصحف والوسائل الإعلامية التي هرولوا إليها، طمعاً بالبقاء وسط المشهد ليس أكثر!  

من حق المنتج أحمد السبكي أن يشعر بالغبن وهو يلقى «جزاء سنمار»، كونه حافظ على أبواب الرزق مفتوحة لعشرات المئات من العاملين في صناعة السينما المصرية، فيما ينعم «المتخاذلون» و»الجبناء» بالهدوء والسكينة، وتملق الصحافة والإعلام لهم بوصفهم «الأباطرة» المُنزهين عن الخطأ.

 لكن استمرار «المعادلة المقلوبة» هو ضرب من الجنون، كونها تتبنى وجهة نظر جماعة من «المتحذلقين» و»المتعالين» نصبوا أنفسهم حماة للأخلاق، ودعاة للفضيلة، ولأن المعادلة، وهي النقطة الأهم، تجاهلت العنصر الفاعل في القضية، وهو الجمهور الذي بيده وحده الحكم على السبكي بالاستمرار، عقب إجهاض الحملات المتطرفة التي تدعو إلى مقاطعة إنتاجه، أو بالإعدام، عبر الإحجام عن ارتياد الشاشات التي تعرض أفلامه، فينتهي إلى إشهار إفلاسه!