لا شك أن جواب باراك أوباما، الذي تألف من 949 كلمة، يوم الاثنين الماضي عن سؤال طُرح عليه بشأن ضعف السياسة الخارجية أظهر هذا الرئيس في أسوأ حالاته: عدائي، وسريع الاستياء، ومتناقض، ومنفصل أحياناً عن الواقع. بدأ جوابه هذا بالتشكي من التغطية السلبية التي قدمتها شبكة Fox News، في حين أن صحيفة "نيويورك تايمز" هي مَن عرضت على صفحتها الأولى إخفاقات سياسة أوباما الخارجية، وعجزه أخيراً عن عقد اتفاق تجاري مع اليابان، وانهيار مفاوضات الشرق الأوسط التي كان وزير الخارجية جون كيري يسعى بدأب إلى إنجاحها.

Ad

أضف إلى ذلك فشل مؤتمرين اثنين، لا واحد، في جنيف بشأن سورية، وعجز الولايات المتحدة أمام الاعتداء الروسي على أوكرانيا، وتجاهل الملك السعودي المذل لأوباما بعد ساعتين من المناقشات (من دون دعوته إلى الطعام)، مع أن أوباما كان قد حاد عن مساره في أوروبا، مجتازاً 3700 كيلومتر تقريباً ليقابله، وهكذا نحصل على سلسلة مذهلة من الإحراج المتكرر.

عمد أوباما في دفاعه الكلامي الأول إلى طرح حجة تبدو محقة في الظاهر فحسب: "لمَ يتوق الجميع إلى استخدام القوة العسكرية؟".

الجميع؟ ألم تقرر أنت بنفسك، سيدي الرئيس، مهاجمة ليبيا مستنداً إلى عقيدة أوباما العظيمة عن "مسؤولية حماية" المدنيين العاجزين، علماً أنك ناقضت كل حرف فيها عندما كان 150 ألف شخص يموتون في سورية؟

أو لم تكن مهاجمة سورية لانتهاكها "خطك الأحمر" بشأن الأسلحة النووية فكرتك أيضاً، قبل أن تتراجع بشكل مذل بالتأكيد، مهمشاً بالتالي نفسك ومعرضاً الولايات المتحدة للسخرية العامة؟

أيتوق الجميع إلى استخدام القوة العسكرية؟ سمِّ قائداً جمهورياً (أو ديمقراطياً) واحداً دعا إلى إرسال الجنود إلى أوكرانيا.

يتركز انتقاد جون ماكين وغيره على واقع أن أوباما خذل الأوكرانيين عندما لجؤوا إلى الولايات المتحدة الشهر الماضي، طالبين منها أسلحة للدفاع عن أنفسهم، فقد قدّمت لهم وزارة الدفاع الأميركية وجبات جاهزة وقطع برغر معدة للأكل للتصدي لنحو 40 ألف روسي مدججين بالسلاح. حتى إن أوباما رفض منح أوكرانيا معدات دفاعية، مثل نظارات الرؤية الليلية والسترات المضادة للرصاص.

واصل أوباما رده باستياء: هل يظن أحد أن الأسلحة الأوكرانية ستكون أكثر فاعلية في ردع روسيا، مقارنة بضغط أوباما الدبلوماسي والاقتصادي؟ أعلن أوباما: "في أوكرانيا، عملنا على تحريك المجتمع الدولي... تُضطر روسيا إلى المشاركة في نشاطات يرفضها العالم بالإجماع".

هل يشكّل هذا رادعاً؟ الخوف من الانتقاد؟ كلمات فارغة؟

من الوهم بالتأكيد الاعتقاد أن هذا سيوقف بوتين، محرّر القرم وبطل "روسيا الجديدة". فقد ارتفعت شعبية بوتين في روسيا نحو 10 نقاط منذ بداية حربه على أوكرانيا، وصارت تعادل اليوم ضعف شعبية أوباما.

أما بالنسبة إلى تحريك المجتمع الدولي المزعوم، فلم يحقق أي نتائج ملموسة لردع بوتين ومنعه من ابتلاع القرم، أي نتائج ملموسة لوقف حملته المنظمة وما تشمله من زعزعة الاستقرار، وعمليات الاستيلاء المجهولة، والعنف الانتقائي في جمهورية دونيتسك الشعبية المعلنة من طرف واحد، حيث حوّلت "ماسكيروفكا" بوتين (الحرب المقنَّعة) شرق أوكرانيا إلى أرض غاب عنها القانون والنظام ومنطقة تخشى كييف دخولها.

وماذا عن العقوبات الاقتصادية التي يفتخر بها أوباما؟ عندما وصل أوباما إلى تطبيق الجولة الثانية أخيراً، كانت الأسواق قد ذُهلت من مدى ضعفها، حتى إن الروبل ارتفع بنسبة 1% وبورصة موسكو 2%.

أوضحت "نيويورك تايمز" في تسريب أخير، هدفه تبديد الانطباع العام عن اتباع الولايات المتحدة سياسة خارجية ارتجالية غير مدروسة، أن وراء كل هذه الخطوات الأميركية نرى فكرة استراتيجية كبيرة: الاحتواء.

لكن هذا ادعاء غريب بالتأكيد في وقت تبتلع فيه روسيا غير المحتواة بوقاحة دولة مجاورة كبيرة الجزء تلو الآخر، في حين تقف الولايات المتحدة مكتوفة اليدين، ولكن كيف بدأ الاحتواء الحقيقي؟ في مارس عام 1947، كانت اليونان مهدّدة بالانهيار بسبب حركة تمرد يدعمها السوفيات، وكانت تركيا تتعرض لضغوط روسية مباشرة، فلجأ الرئيس الأميركي ترومان إلى الكونغرس بغية تقديم مساعدات اقتصادية وعسكرية كبيرة وفورية لهذين البلدين.

تشمل هذه المساعدة السلاح، سيدي الرئيس، وهكذا وُلدت "عقيدة ترومان"، لا أحد يدّعي أن تسليح أوكرانيا كان سيوقف بشكل حاسم أعمال بوتين الراهنة، لكن احتمال مواجهة مقاومة دموية طويلة تتصدى لعمليات الغزو والاختراق كان سيبدّل بالتأكيد حسابات بوتين بفاعلية أكبر من عقوبات أوباما غير المجدية أو تصرفاته الدبلوماسية الفارغة، مثل اتفاق جنيف السخيف الذي شكّل مضيعة للوقت.

أو هل يعتقد أوباما حقاً أن حملة وزارة الخارجية المضحكة على موقع تويتر (#UnitedforUkraine) ستكون أكثر فاعلية في تبديل طريقة تفكير بوتين، مقارنة بمدّ الأوكرانيين بأسلحة مضادة للدبابات أو الطائرات؟

هذا ما يظنه، على ما يبدو، ما يشكّل بالتأكيد مصدر الكثير من مخاوف الحلفاء: يعتقد أوباما حقاً أن سياسته الخارجية تحقق النجاح.

صحيح أننا خسرنا معركة أوكرانيا، ولكن لا داعي لأن تقلق أوروبا الشرقية، فأوباما يفهم جيداً معنى الاحتواء... فقد أرسل أخيراً 150 جندياً أميركياً من المشاة إلى بولندا وكل من دول البلطيق. نعم لم تخطئوا القراءة: 150 لكل منها.

* تشارلز كراوثامر | Charles Krauthammer