على غرار التسعينيات... هل تقترب غيوم الأزمة من الأسواق الناشئة؟

نشر في 01-02-2014
آخر تحديث 01-02-2014 | 00:01
No Image Caption
هناك شيئان تتعين مراقبتهما إزاء مدى توافر إشارات تنبئ بأن الهلع الحالي قد يتطور إلى شيء أسوأ كثيراً: الشوارع في المقام الأول- وملاحظة القلاقل الاجتماعية والمأزق السياسي، ثم البنوك- من أجل رصد أي إشارة على فساد سجلاتها ودفاترها.
 إيكونوميست كتب في. إس. نيبول الحائز جائزة نوبل في الاقتصاد في مقالة يعود تاريخها إلى تسعينيات القرن الماضي حول الأرجنتين يقول إن "البيزو هوى إلى الحضيض"، كما تحدث أيضاً عن علاقات إيفا بيرون العاطفية، والغذاء الفاخر، والتوترات الطبقية في العاصمة بيونس آيرس، وأعمال الكاتب الشهير جورخي لويس بورغيس الأدبية والفلسفية. العملة الضعيفة جزء مهم من تلك الدولة الأميركية الجنوبية، وعلى الرغم من ذلك فإن الأنباء التي أذيعت في الأسبوع الماضي عن هبوط البيزو بنسبة 15 في المئة أثارت هلع المستثمرين العالميين.

وتحول الحديث في مدينة "دافوس" السويسرية من المكافآت الخيالية التي يتلقاها جيمي ديمون الرئيس التنفيذي لمؤسسة "جي بي مورغان تشيس"، إلى الإعراب عن تنامي مشاعر القلق إزاء إمكان حدوث أزمة في الأسواق الناشئة. وقد هوت العملات في العالم النامي إلى أدنى مستوياتها منذ سنة 2009. وإلى جانب الأرجنتين تأثرت تركيا وجنوب إفريقيا وروسيا بشدة، إضافة الى وجود أعمال عنف في شوارع كييف وبانكوك. وأفضى الخوف إلى هبوط مؤشر "ستاندرد أند بورز- 500" بنسبة 2 في المئة يوم الجمعة 24 يناير الماضي، كما هبطت البورصات الآسيوية في يوم الاثنين.

كانت الدول الناشئة تعرضت لمصاعب في الآونة الأخيرة: وذلك في الفترة ما بين مايو وأغسطس من سنة 2013، إثر قيام مجلس الاحتياط الفدرالي بأول محاولة متعثرة للبدء بخفض مشترياته من السندات. وأفضى احتمال نهاية الأموال الحرة السهلة إلى سحب الأموال من الدول الناشئة التي استفادت من عقد من الزمن من التدفقات السهلة وتعثرت العملات وأسواق الأسهم، وعلى أي حال فقد استقرت كما يبدو تلك الأوضاع خلال الأشهر القليلة الأخيرة من السنة.

وتميل الأزمات عادة إلى الحدوث بصورة متقطعة وليس دفعة واحدة، وعلى سبيل المثال فإن المتاعب بدأت في تايلند في شهر يوليو من سنة 1997، وبعد أربعة شهور حذر رئيس كوريا الجنوبية مواطنيه بضرورة الاستعداد لعملية مضنية نتيجة لخطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي. واحتاجت حالة انفجار الأزمة في روسيا إلى مرور أكثر من سنة كما أن تخلفها عن السداد لم يحدث حتى شهر أغسطس 1998. علاوة على ذلك فقد احتاجت الأزمة الصغيرة إلى وقت أيضاً لبلوغ ذروتها، وبعد قيام الأرجنتين بتخفيض عملتها وتخلفت عن السداد في سنة 2001 جادل كثيرون في كون تلك حالة خاصة غريبة، ولكن بحلول منتصف سنة 2002 دفعت العدوى البرازيل الى حافة الهاوية.

ومنذ الهبوط في الأسعار الذي حدث في سنة 2013 كما قد يجادل دعاة الإخفاق- ازداد شيئان سوءاً- الأول، هو أنه أصبح واضحاً بقدر أكبر أن البنوك المركزية في العالم الغني لا تعرف الكثير عن كيفية ترويض الوحش الذي خلقته عبر سياستها الفضفاضة الزائدة في الأمور النقدية. وقد ترأس بن برنانكي رئيس مجلس الاحتياط الفدرالي (البنك المركزي) الأميركي المنتهية ولايته- آخر اجتماع حول السياسة المصرفية في 28 و29 يناير الماضي، وسط توقعات أن يقلص مجلس الاحتياط الفدرالي من مشترياته من السندات بمزيد من الأموال تصل إلى 10 مليارات دولار ليبلغ الرقم 65 مليار دولار في الشهر. ومما لا شك فيه أن ذلك سوف يترافق مع لغة أنيقة تظهر أن مجلس الاحتياط الفدرالي لا يزال في موقع القيادة. ولكن يتعين على المشككين النظر إلى بريطانيا حيث تخلى رئيس البنك المركزي الجديد، مارك كارني، عن إطار العمل الذي وضعه قيد التنفيذ قبل نصف سنة فقط. وكان يفترض في إطار العمل ذلك التحكم في الوتيرة التي سوف تعود فيها السياسة النقدية إلى حدود التوازن. وسوف تكون عملية تطبيع ميزانيات البنك المركزي صعبة التوقع إلى حد كبير ومعقدة للغاية.

ويتمثل التغير الثاني نحو الأسوأ بأن تعافي الصادرات في الدول الناشئة يبدو فاتراً، وكان الأمل أن يفضي نمو العالم الغربي الأكثر سرعة الى استيعاب مزيد من البضائع من الدول الناشئة تساعدها على تحسين موازين الحسابات الجارية وتجعلها أقل اعتماداً على تدفقات رؤوس الأموال الأجنبية.

لكن المعلومات الأخيرة مختلطة على هذه الجبهة، وقد ازداد العجز في الحساب الجاري في تركيا والبرازيل منذ الصيف الماضي، ونمت صادرات الصين بنسبة 4 في المئة في شهر ديسمبر محسوبة على أساس سنوي، وكان ذلك أقل من التوقعات، وتجدر الإشارة إلى أنه عند كل إشارة إلى تعرض الصين الى متاعب يبتعد المستثمرون عن الدول الناشئة- فهي اقتصاد وطني يعمل على شكل وكيل لشهية الغرب للصادرات كما تعمل في الوقت ذاته كمصدر لرصد الطلب خصوصاً في ما يتعلق بالسلع.

أنا أرى أن دعاة الفشل على قدر كبير من التشاؤم، وثمة شيء آخر يحدث في الأفق غير تعميم مفهوم المعممة. وكما سبق أن جادلنا لدى معظم الدول الناشئة في الوقت الراهن مزيد من سياسات معدلات الصرف المرنة بقدر يفوق حقبة التسعينيات من القرن الماضي- وربما تكون العملات المتهاوية إشارة تعديل صحية شريطة أن يتم الهبوط بصورة منتظمة. وقد انطوى هذا الانخفاض في الأسعار على تمييز، فالهند التي تضررت بشدة في الصيف الماضي تصرفت بشكل صحيح، ولديها رئيس جديد للبنك المركزي كما أنها قلصت عجز الحساب الجاري ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى حظر مستوردات الذهب، ويفترض وجود حكومة إصلاحية في كل من المكسيك وكوريا الجنوبية وتستمران في التمتع بثقة المستثمرين، والفلبين التي كانت تعتبر منذ زمن طويل دولة مخيبة الآمال تمكنت من إصدار سندات سيادية لعشر سنوات عند معدل فائدة يبلغ 4 في المئة في وقت سابق من هذا الشهر، ويعتقد أيضاً بوجود حكومة إصلاحية فيها.

يرجع هذا الهلع الأخير بشكل جزئي إلى اعتبارات سياسية، وإذا نظرنا إلى الدول التي تضررت بقدر أسوأ نجد أن العملة التركية قد انهارت بسبب فضيحة فساد تناولت رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان. وتعرضت فنزويلا التي خفضت قيمة عملتها في الأسبوع الماضي أيضاً إلى أزمة خانقة مدمرة، وتواجه جنوب إفريقيا موجة من الاضطرابات الصناعية وتعصف الاحتجاجات الضخمة بأوكرانيا، وعلى الرغم من صمود العملة بشكل مثير للدهشة في تايلند يعتقد مراسلنا أن البلاد أمام خطر تمزق وحدة البلاد الآن.

ما الشيء الذي يمكن أن يفضي إلى نشر الهلع من هذه المواقع المضطربة إلى كل الدول الناشئة؟ ربما يحدث ذلك إذا تعرضت مزيد من الدول إما إلى اضطرابات وقلاقل اجتماعية وإما إلى شعور بوجود مأزق، ما يجعل الإصلاحات القاسية أكثر صعوبة. وهذا ليس مستحيلاً- تواجه الهند وإندونيسيا انتخابات في وقت لاحق من هذه السنة وقد تفضي إلى تأجيج المشاعر أو إلى تشكيل حكومات ضعيفة. وقد واجهت البرازيل موجة واسعة من المتاعب في السنة الماضية.

قد يتمثل الدافع الثاني بالشعور بأن الدول الناشئة تعتمد الكذب إزاء وضع أنظمتها المالية. وانتشرت أزمة 1997 عندما تبين أن العديد من البنوك الخاصة كانت في حالة مزرية وأن بعض أفراد السلطات النقدية أصبحوا أسرى لدى القطاع الخاص، وقد عمدت البنوك المركزية في تايلند وكوريا الجنوبية إلى تضليل العالم الخارجي إزاء وضع الاحتياطيات النقدية والمسؤوليات القانونية المتعلقة بالدولار.

السمة المشتركة في كل الدول الناشئة اليوم هي اشتراكها في طفرة انتعاش كبيرة في الائتمان، وقد نمت الديون بمعدلات ثنائية الرقم طوال سنوات عديدة. وتفجرت الأزمة في فيتنام منذ فترة وأسست "مصرفاً سيئاً" من أجل تنظيف مجموعاتها من المقرضين. وقد يتعين على المزيد من الدول مواجهة مشاكلها الخاصة من الديون، واذا أردت التمعن في تطورات هذه الجبهة المخيفة عليك النظر إلى سعر سهم "ستاندرد تشارترد" وهو بنك غربي ينكشف بصورة كبيرة أمام الدول الناشئة... لقد انهار.

إذاً هناك شيئان تتعين مراقبتهما إزاء توافر إشارات تنبئ بأن الهلع الحالي قد يتطور إلى شيء أسوأ كثيراً. الشوارع في المقام الأول- وملاحظة القلاقل الاجتماعية والمأزق السياسي، ثم البنوك- من أجل رصد أي إشارة على فساد سجلاتها ودفاترها.

back to top