مثيرة وغريبة دعوة اللجنة الإسكانية في مجلس الأمة الأمم المتحدة لحل مشكلتنا الإسكانية من جهة، وتخصيص مبلغ 12 مليار دينار لهذا الغرض من جهة أخرى! وقد يكون هذا اجتهادا جديدا يفرضه الضغط الشعبي وحاجة الناس إلى السكن الذي يزداد صعوبة وغلاء يوماً بعد يوم، حتى وصل سعر الأرض الفضاء إلى أكثر من 1000 دينار للمتر المربع في المناطق الحضرية، ولا توجد اليوم في الكويت أرض قسيمة أقل من نصف مليون دينار.

Ad

هناك العشرات من الاقتراحات والحلول والدراسات بشأن الرعاية السكنية دفنتها الحكومة بضغط من المتنفذين وسماسرة العقار حتى أوصلتنا إلى هذه الحالة المزرية، وقد كتبت عن أحد هذه الحلول الرائعة في مقال سابق، والذي لا يكلف الخزينة العامة فلساً واحداً، لكن من الطبيعي أن تتم محاربة مثل هذه المشاريع ما دامت هناك 12 مليار دينار نقداً وعدّاً سوف تصرف في القريب العاجل!

تجربة الأمم المتحدة في مجال الإسكان بدأت في عقد السبيعنيات من القرن الماضي تحت عنوان (Habitat) أي التوطين والمأوى، وهذه التجربة خصصت لدول العالم الفقيرة والمعدمة وذات الكثافة السكانية العالية، وفلسفة السكن هنا تقوم على أساس بناء مستوطنات عريضة جغرافياً تشمل وحدات سكنية كثيرة جداً وبأسعار زهيرة لإنقاذ مئات الآلاف وربما الملايين من المشردين أو ما يطلق عليهم (Homeless)، فهل يعقل بعد هذه السنوات الطويلة من الخبرة والأموال الطائلة وقلة عدد السكان أن نكون أسوة بالهند والمكسيك ووسط إفريقيا، وأن تأتي الأمم المتحدة لإنقاذنا؟!

والأغرب من ذلك هل يعقل أن تكون الميزانية المخصصة لمشاريع المأوى وفق ميزان الأمم المتحدة بقيمة 12 مليار دينار (أي ما يعادل 40 مليار دولار) وهي بالمناسبة تتجاوز الميزانية السنوية لهذه المؤسسة العالمية بعشرة أضعاف، لبناء 100 ألف وحدة سكنية فقط، هذه المعادلة ببساطة عكس المنطق، والله يستر من نتائجها التي سوف تفتح أبواب القال والقيل في عهد الفساد العامر!

أتمنى في المقابل أن تركز اللجنة الإسكانية على بدائل أخرى؛ ومنها تأسيس شركة قابضة كبرى يمتلك الشعب نصف أسهمها، بالإضافة إلى السهم الذهبي الحكومي، وطلب كبريات الشركات العالمية ذات التصاميم المعمارية الراقية لبناء مدن متكاملة وجميلة وذكية تفتح لنا أبواب المستقبل بتفاؤل، وليس باستمرار حالة القلق والارتباك التي تعيشها كل أسرة كويتية حديثة النشأة مكونة من شاب وشابة يحلمان بطموحات جيلهما وسط الكثير من التحديات الأخرى التي تتطلب جهداً فكرياً متواصلاً، ما دامت القضية السكنية بهذه السهولة واليسر، حيث توفر المال والأرض ولا تتطلب سوى الإرادة والإدارة!