نمو اقتصاد باكستان يتثاقل... وبصيص الأمل في نهاية النفق!
شركات توليد الكهرباء والتوزيع التي تديرها الدولة في باكستان تعاني سوء إدارة إلى درجة أن مدينتي البنجاب- غورانوالا وفيصل أباد- تعملان عند 10 في المئة من طاقتهما الإنتاجية، وكان رد الحكومة هو الأمر بعملية بيع ملحة لـ31 من شركات الطاقة والأعمال الأخرى.
في باكستان حتى الثريا البالغة الأناقة لم تعد تستعمل كثيراً في هذه الأيام التي تشهد تكراراً لانقطاع التيار الكهربائي، وكما يفسر شهباز شريف طبيعة السياسة الجديدة للطاقة في باكستان، فإن منزله في لاهور يغرق في ظلام، ويحجبه لفترة من الزمن مع لوحاته الزيتية وطقم فناجين الشاي الصيني الفاخر. هل قرر الوزير الأول في إقليم البنجاب إطفاء الأنوار لإحداث تأثيرات دراماتيكية؟ ينفي ذلك ضاحكاً: غدت عملية قطع الكهرباء مسألة روتينية. وسكان المدينة يتحملون انقطاعها لعشر ساعات في اليوم، ويعيش سكان القرى من دون كهرباء لفترة أطول كثيراً. في بعض الأحيان، تقل الطاقة المولدة عن مستويات الطلب الوطني بـ40 في المئة.ويتنافس انقطاع الكهرباء المتواصل مع بعض أشد المشكلات الباكستانية. ورئيس وزراء باكستان، نواز شريف، هو شقيق شهباز وقد فاز في الانتخابات العامة في السنة الماضية بعد وعد بإصلاح فوضى الكهرباء في البلاد. ومن دون طاقة كهربائية يعول عليها سوف تكافح باكستان لرفع معدلاتها القاتمة من النمو الاقتصادي – مجرد 2.9 في المئة سنوياً بشكل متوسط خلال السنوات الخمس الماضية، وهي نسبة لا تزيد كثيراً عن الزيادة السنوية البالغة 2 في المئة في عدد السكان الذي يبلغ الآن 186 مليون نسمة. ونتيجة الركود الاقتصادي يعاني الملايين من الشبان الباكستانيين بطالة وانعدام الدخل المنتظم، خصوصاً في المدن المزدهرة، كما أن الفقر والآفاق المستقبلية القاتمة سوف يسهمان بالتأكيد في العنف المتطرف الذي يعصف يومياً بالبلاد.
إصلاح الفوضىإن إصلاح هذه الفوضى يعني مواجهة المشاكل الهائلة والمتشابكة. وشركات الطاقة الخاصة تنتج كميات أقل كثيراً من طاقتها الإنتاجية لأن الدولة التي تشتريها لا تدفع دائماً قيمتها. وبدورهم لا يقدم مستهلكو الكهرباء، ومن بينهم حكومات فدرالية وإقليمية، على دفع قيمة الطاقة إلى الدولة. ويخلق ذلك "ديوناً دائرية" وصلت في ذروتها إلى 5 مليارات دولار. وقالت الحكومة في السنة الماضية إنها انتهت، بشكل فعلي، من ذلك الدين، لكن صندوق النقد الدولي يحذر من احتمال تراكمه من جديد.ويقول شهباز شريف الذي يضطلع بدور وطني في مساعدة رئيس الوزراء في السياسة الاقتصادية إن العديد من المستهلكين يستمرون في سرقة الكهرباء والغاز، كما أن البعض، مثل المدارس الدينية، ترفض دفع حتى جزء من فواتيرها، وهي على ثقة من أن أحداً لن يجرؤ على قطع الكهرباء عنها. ويباع الغاز الطبيعي المسال- الذي يمثل شريحة متنامية من خليط الطاقة في باكستان- بنسبة تصل إلى سدس سعر الاستيراد. وقد تم التخلي عن خطة لزيادة تعرفة كهرباء السكن في شهر أكتوبر الماضي بعد اعتراض من جانب القضاة. ولكن ذلك الحكم قد يراجع اليوم بعد تقاعد كبير القضاة الذي كان يتمتع بشعبية واسعة.قد يتوق المستهلكون إلى الدفع اذا حصلوا على المزيد في المقابل. وشركات توليد الكهرباء والتوزيع التي تديرها الدولة تعاني سوء إدارة إلى درجة أن مدينتي البنجاب- غورانوالا وفيصل أباد- تعملان عند 10 في المئة من طاقتهما الانتاجية، وكان رد الحكومة هو الأمر بعملية بيع ملحة لـ31 من شركات الطاقة والأعمال الأخرى.إدارة الدولة «كارثة» سوف يسهم إصلاح اختلال أداء شركات الطاقة في اطلاق الطاقات الاقتصادية في البلاد، بحسب ما قاله محمد زبير وزير الخصخصة الذي جاء من شركة "آي بي إن"، معتبراً وهو يتحدث عن تضخم عدد الموظفين، والمهندسين غير الأكفاء، وضعف الرقابة المالية أن إدارة الدولة تمثل "كارثة". وقد وصلت الخسائر السنوية في كل الشركات التي تديرها الدولة إلى 4.7 مليارات دولار، أي ما يعادل ثلث كل عائدات الضرائب. ويقول محمد زبير بضرورة إيجاد مستثمر خاص لأن "الحكومة لا تستطيع انفاق المزيد".على أي حال يتمثل الهدف الأكبر في تغيير مزيج الطاقة السيء التقدير في البلاد، وحوالي ثلث الطاقة الكهربائية يأتي من محطات طاقة تعمل بالنفط، والعديد منها بدأ العمل في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي عندما كان النفط الخام رخيصاً. ومع وصول سعر برميل النفط الآن إلى أكثر من 100 دولار فقد غدت باهظة التكلفة بصورة يائسة. وتنفق باكستان أكثر من 14 مليار دولار في السنة على استيراد النفط ومنتجات الطاقة الأخرى- وهي فاتورة مرتفعة من العملات الصعبة. ويأتي ثلث آخر من الطاقة عن طريق الغاز، والكثير منه يتم استيراده أيضاً. ومن المؤكد أن الاعتماد على المستوردات سوف يزداد، كما أن من المقرر بناء ثلاث محطات جديدة لاستيراد الغاز الطبيعي المسال بحلول سنة 2016 ما يرفع الطاقة التوليدية بمعدل النصف. وقد أكدت الحكومة في الأسبوع الماضي من جديد وجود خطط كبيرة لاستيراد الغاز الطبيعي من إيران (وربما تصدير البعض منه إلى الهند)، لكن ذلك يظل مجرد أمل كاذب ما دامت الولايات المتحدة، وهي أكبر دولة مانحة لباكستان، تعارض ذلك التوجه. وعلى أي حال سوف يكون خط أنابيب رئيسي عرضة لعمليات مجموعات عنف بما في ذلك المجموعات البلوشية الانفصالية وحركة "طالبان" التي تنشط بازدياد في الجنوب.توجد خيارات أخرى... فهناك مليارات من الأطنان من احتياطي الفحم تقبع في أقليم السند، وعلى الرغم من ذلك يشكل الفحم مجرد جزء بسيط من توليد الكهرباء، وقد أمرت خطة جديدة ببناء محطات جديدة تعمل بالفحم عبر أموال ومساعدة من الصين، ولكن حتى في تلك الحالة فإن الوقود سيستورد من ماليزيا- كما أن الصين تقرض المال أيضاً من أجل توسيع البرنامج السلمي النووي. وفي شهر نوفمبر الماضي دشن رئيس الوزراء مصنعاً للطاقة النووية من 2200 ميغاواط بقيمة 10 مليارات دولار ينجز في سنة 2019 في كراتشي التي يبلغ عدد سكانها 18 مليون نسمة، ومن المفهوم وجود عوامل قلق تتعلق بالسلامة، وتُطرح أيضاً خطط جديدة لمراكز طاقة شمسية وكهرومائية.ما من شيء يستطيع حل مشاكل الطاقة في باكستان بصورة سريعة. وفترات انقطاع الكهرباء الطويلة مؤكدة عندما ترتفع درجات الحرارة من جديد في فصل الصيف المقبل، ولكن المكاسب قد تظهر خلال ثلاث سنوات- في الوقت المناسب لإجراء الانتخابات التالية. ويشعر محمد مانشا الصناعي وأغنى رجل في باكستان بتفاؤل بأن محاولات الحكومة الهادفة إلى معالجة قطاع الطاقة سوف تعزز ثقة الشركات والاقتصاد بصورة أوسع. وتعتبر الاستثمارات الصينية في صناعة الملابس حقنة في الذراع، كما هو حال إلغاء التعرفة على واردات الملابس الباكستانية المتجهة إلى الاتحاد الأوروبي. وتتوقع وحدة الاستخبارات الاقتصادية "إي آي يو"، وهي شركة شقيقة لـ"الايكونوميست" نمواً سنوياً في الناتج المحلي الإجمالي يصل إلى ما يقارب 4 في المئة حتى سنة 2018.مؤشرات واعدة أخرىويرى رجل الأعمال مانشا مؤشرات واعدة أخرى خصوصا في ميدان صفقات التجارة الصغيرة واللامحدودة مع الهند. وتقوم شركة الأسمنت التابعة له بتصدير 700 طن يومياً إلى الهند مرتفعة عن الـ300 طن قبل سنة، وهو يتوقع مضاعفة الرقم من جديد. وفي الرابع عشر من شهر فبراير كان من المتوقع وصول وزير التجارة الهندي أناند شارما إلى لاهور لإطلاق إعلان مشترك حول فتح الحدود البرية أمام حركة الشحن طوال 24 ساعة يومياً والسماح بمرور حاويات النقل، على الرغم من أنه قرر إلغاء الرحلة في اللحظة الأخيرة. ويتم فتح الحدود في الوقت الراهن خلال النهار فقط ويتم تحميل وتفريغ الكثير من البضائع على شاحنات جديدة على ظهور الحمالين. وإذا غابت القيود، يقول مركز تفكير في دلهي، فإن التجارة المشتركة يمكن أن ترتفع بسهولة الى 10 أمثال من مجرد 2.6 مليار دولار في السنة.وقد يستتبع ذلك تجارة عبر الحدود في مجال الطاقة ذات يوم، وعلى سبيل المثال، فإن الطاقة الكهرومائية في مناطق كشمير المتنازع عليها سوف تستخدم بشكل أفضل اذا تحقق تعاون بين الهند وباكستان. وكانت الهند عرضت تمديد شبكتها الكهربائية عبر الحدود إلى البنجاب وترتيب مستوردات الغاز إلى باكستان، على الرغم من عدم تحقق ذلك حتى الآن. وفي وسع باكستان بدورها تصدير الفحم إلى الهند المتعطشة إلى ذلك. ويتعين تحقيق مكاسب ضخمة متبادلة من خلال التعاون في مجال الطاقة- إذا كانت الدولتان جادتين في تحقيق ذلك.