عرف كيف يضبط موهبته على النجاح.

Ad

في داخله حزن نبيل، وفي أعماقه ألف طفل، وفي ابتسامته تلخيص لطيبة القلب

و{الجدعنة} وشهامة ابن البلد.

دقيق لدرجة الوسوسة وعنيد لدرجة الطفولة وساخر لدرجة الدهشة.

فنه عالمه الذي يدور فيه وله، وبسببه حقق بعض طموحاته.

وإذا كان الكاتب العالمي نجيب محفوظ قال: {عندما تلتف الجماهير حول فنان فلا بد من أنه عزف على أحزانهم وآمالهم}، فالساحر محمود عبد العزيز جسّد، عبر مشواره، شخصيات تمسّ حياة الناس وتعبّر عن آلامهم وتناقش مشاكلهم وترصد أحلامهم.

وضع عقله في خدمة فنه، فاختار أدواراً سكنت ذاكرة جمهوره، وكانت البساطة هي الينبوع المتدفق والنار الهادئة التي أنضجت عطاءه.

محمود من مواليد الإسكندرية في حي الورديان، أحد أشهر الأحياء الشعبية هناك، بينه وبين البحر حوار ممتدّ وحب عميق جعله يمارس السباحة ويحقق بطولات فيها أيام الجامعة.

أحلامه دائماً أكبر من واقعه، وطموحه أقوى من ظروفه ومشاعره، أهم من أفكاره.

إنه، وللدقة، تهزمه أحاسيسه، وتفوز به تلقائيته التي يقدم لنا منها فناً مغزولا من دم ولحم وجهد وأعصاب.

ولأنه يحترم فنه يرفض أعمالاً كثيرة لا تضيف إلى رصيده، وبسبب هذا الرفض يقسو على نفسه ويتحوّل إلى كتلة قلق.

يبحث عن الفكرة اللامعة والدور العبقري والشخصية المختلفة والمثيرة للجدل.

                  

(1)

وجدتها

قالها أرشميدس قبل أن يخترع نظرية النسبية وقالها، أيضاً، محمود حين وقعت عيناه على شخصية أبو هيبة التي يجسدها في مسلسله الرمضاني الجديد {جبل الحلال}، وهي الشخصية التي رسم ملامحها وأعماقها الكاتب ناصر عبد الرحمن، وكان ينوي تقديمها في فيلم سينمائي منذ سنوات، إلى أن استقرت على شكل حلقات تلفزيونية يتم تصويرها {بتكنيك} سينمائي للمخرج عادل أديب.

من هو أبو هيبة؟

رجل يتزوج أكثر من امرأة، ويقيم علاقات عاطفية عابرة  ويطلق عليه الجميع لقب {زير نساء}، إلى أن يتعرض لموقف صادم يقلب حياته رأساً على عقب.

والمسلسل، من داخل تفاصيله، يتطرق إلى قضية عدم الانتماء، ويستعرض شخصيات غير منتمية إلى الوطن أو الأسرة أو الأرض، تتمسك بالخطأ وتضيف مشروعية على الأفعال غير السوية بهدف تحقيق مصالح شخصية.

عمل درامي من المؤكد سيثير الجدل ويرسم ابتسامة ويحرض على التفكير، ويستفز المشاهد ليتأمل حاله ومشاعره وأفكاره. كذلك يحفل بوجوه نسائية من بينها: وفاء عامر، سلوى خطاب، مي سليم، نرمين الفقي، هبة مجدي، نهلة سلامة وسمر جابر.

(2)

في مسلسل {باب الخلق} الذي قدمه محمود وعرض في رمضان قبل الماضي قال جملة على لسان البطل لها مغزى ومعنى وعمق وهي: {الحل في مصر هو قنبلة تفجرها وبعدين نبتدي على نضافة}، إنها جملة تمس ما نعيشه وتعبر عما نريده وتؤكد ما نحلم به.

جملة تلخص حالنا وواقعنا بعد ثورتين ومعاناة وإصرار وكفاح وشهداء ودماء.

{أكيد كلنا اشتركنا في العبث اللي وصل بنا إلى هذه المرحلة من التأخر والأمية والفقر والجهل، والمصيبة أننا مش عارفين نبتدي منين؟ وأنا شايف أن البداية لازم تكون من التعليم حتى تخرج أجيال متعلمة تنهض بالبلد، وبعدها نوفر الحياة الكريمة لنضع أقدامنا على الطريق الصحيح}.

هل ترى أن الدراما التركية أكثر نجاحا من الدراما المصرية؟

إطلاقاً، كل ما في الأمر أنها تعتمد على الإبهار في الديكورات والصورة، وهذا ما نجده حالياً في الدراما المصرية، إذ أصبح الكل يستخدم أحدث التقنيات في التصوير، ما يجعل الدراما المصرية تكسب مع وجود عناصر بشرية موهوبة، سواء فنيين أو ممثلين.

هل ستظل في حالة خصام طويل مع السينما؟

أبداً، كنت أجهز فيلماً قبل دخولي مسلسل {باب الخلق}، لكن المشكلة أنني أدقق في خياراتي، خصوصاً أن أعمالا كثيرة تعرض علي،  ومن الممكن أن أشارك في فيلم ومسلسل كل عام، لكني لن أكون راضياً عما أقدمه.

هل تحب مشاهدة أعمالك؟

أهرب من مشاهدة أي عمل قدمته، لأنني أنتقد نفسي بشدة، ولكني ضعيف أمام فيلم {الكيت كات}، إذ كنت أتمنى أن أكون في حياتي، بنفس قوة الشيخ حسني وإصراره وتحديه.

اندماجك في كل شخصية تؤديها هل أثر عليك؟

أثر على تنفسي، فأنا أعاني صعوبة في التنفس، وأبدو كما لو كنت في حالة (نهجان) مستمر. أكد لي الأطباء أنني سليم، وكل ما في الأمر أنني مصاب بالتوتر نتيجة الجهد الذي أبذله مع كل عمل جديد.

أحيانا أشعر بأنك تخرج عن النص أمام الكاميرا، فهل شعوري صحيح؟

نعم، وهذا الخروج نتيجة ثقة متبادلة بيني وبين المخرج، ففي جلسات قراءة السيناريو قد اخترع طريقة معينة في الأداء، وبعد الاتفاق مع المؤلف أجسدها أمام الكاميرا، وأذكر أن المخرج داوود عبد السيد كان يكتب فيَّ عدداً كبيراً من المشاهد ويضع بين قوسين (هذا المشهد متروك للإبداع الشخصي).

(3)

محمود، وهو يتحدث، يبدو كأن بينه وبين الدنيا سوء تفاهم... هو يريدها بريئة وضاحكة... يريدها {دوغري} لا تجيد لعب الثلاث ورقات أو اللف والدوران... وهذه مشكلته وأزمته.

لقد تعلم منذ صغره أن {الصراحة راحة}، وأن {الخط المستقيم أقصر الطرق إلى الحقيقة}.

بشجن يقول: {أحيانا أحس أن طريقتي في الحياة مش مضبوطة، في قوة أكبر منك تشدك لتحت مع أنك بتحلم بفوق.. بالسما والطير والسحاب}.

ما  الصورة التي تراها دائما لوالدتك؟

صورتي وأنا اترمي في حضنها لما الدنيا تضيق بيا، وكنت اعيّط زي العيال الصغيّرين.

ماذا تعلمت من والدك؟

 أبي كان شديداً معي وقسوته كانت جزءاً من حنانه، وعندما أردت دخول مجال التمثيل لم يعترض، وفي نفس الوقت لم يوافق بصورة واضحة، وترك لي، بديمقراطية، حرية الاختيار مع نصيحة صغيرة هي أن هذا الطريق شاق وصعب.

هل رآك وأنت تمثل؟

 نعم.

ما كان رأيه؟

كان سعيداً ودعا لي بالتوفيق.

ما أبرز سمة في شخصيتك؟

السخرية عندي عالية جداً، وأحياناً أسخر من المواقف المثيرة التي تضطرني الظروف لمعايشتها.

 لو كنت كتاباً؟

 أكون مجموعة مقالات ساخرة.

لو كنت آلة موسيقية؟

أكون عوداً بنغماته الشجية.

هل فكرت في طرق باب طبيب نفسي؟

خطر ببالي كثيراً، ولم أفعل ذلك، أستعين بالصلاة أمام أي لحظة ضيق تزورني أو تحاصر أيامي.

متى تثور؟

عندما أشعر بأنني خدعت.

 

ما الذي ترفضه فيك؟

أحيانا أعطي من لا يستحق قيمة أكبر من حجمه.

ماذا يكسرك؟

 المرض والعياذ بالله.

هل التمرد والثورة في داخلك خسراك؟

أكسباني نفسي وخسراني أشياء لا تهمني كثيراً.

هل أنت مقاتل شرس أم تصاب بالإحباط سريعاً؟

 أنا مقاتل شرس في الحق ولا أتنازل، مهما كانت الأسباب.

متى تضحك من قلبك؟

لا أضحك إلا من قلبي، أعطاني الله موهبة إلقاء النكتة والسخرية من الأشياء.

من صاحب السلطة في قراراتك: عقلك أم قلبك؟

 معظم قراراتي يغلب عليها الطابع العاطفي.

هل أنت ومحمود عبد العزيز أصدقاء؟

لا، وغالبا ما أغضب منه وأتشاجر معه.

 مرة قلت لي: {سأغير شخصيتي البسيطة مع الناس}... ما قصدك؟

 دائماً كنت أسمع من يقول لي: {أنت تتواضع أكثر مما يجب، ومن المهم أن تحتفظ بهالة النجومية}، لكن، بصراحة، لا أشعر بقيمتي الحقيقية إلا مع الناس... مثلا لا يمكن أن أسلم على إنسان وأنا جالس، وأعتقد ألا معنى لفني إذا كنت لا أجيد التعامل الإنساني مع أصغر عامل في البلاتوه.

على الهامش

 أنت من الفنانين المحظوظين الذين لم تطاردهم الإشاعات أو الأخبار الكاذبة... فما هو السر؟

ربما كان الالتزام الذي أراه جزءاً من تركيبة شخصيتي وتكويني، كما أن ذلك نتاج تربية مترسبة في أعماقي، لأنني تربيت في بيئة محافظة، وكان الدين أساس التعامل بين أفرادها، وفي داخلي شعور ملح يؤكد أن نجاحي كله سببه دعوات أمي.

 

إذا فكرت في إنشاء حزب، فماذا سيكون؟

حزب الناس.

هل في حياتك أدوار ندمت عليها؟

طبعاً، مجموعة أفلام قدمتها في بداية حياتي، ومنها فيلم {البنت الحلوة الكدابة}، عموماً كل ممثل لا بد من أن يدفع ثمن الانتشار والخبرة من خلال أدوار بسيطة قد يندم عليها في ما بعد لكنها شر لا بد منه.

فاكر أول أجر تقاضيته في حياتك؟

 كان مبلغاً تافهاً جداً في حلقة واحدة من مسلسل {الدوامة} مع المخرج الراحل نور الدمرداش.

 من الممثل الذي يبهرك؟

جاك نيكلسون.. متوهج وصادق في كل دور يؤديه.

ما أكثر شيء يشغل حياتك بعيداً عن الفن؟

ابناي محمد وكريم وكندة ابنة كريم، لأنها عشقي الأول باعتبارها أول حفيدة لي، والحمد لله أنا مطمئن عليهما، بعدما أثبت كريم نفسه في التمثيل، ومحمد نجح في أولى تجاربه كمنتج رغم أنه موهوب كممثل.

 

أستاذ محمود... إنت مين؟

أنا كتلة حاجات ملخبطة، فيها ألوان ومشاعر وأفكار ورغبات، وعلشان كده من الصعب أن يحتملني أحد، لأني كائن صعب، أقل الأشياء تسعدني وأبسط الأمور تصيبني بالإحباط.