الوجه المتغير للمخاطر العالمية

نشر في 08-04-2014
آخر تحديث 08-04-2014 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت إن المخاطر الاقتصادية والمالية والجيوسياسية التي تهدد العالم تتحول الآن وتتبدل، فبعض المخاطر أصبحت أقل احتمالاً، ولو أنها لم تتبدد تماما، وأصبحت مخاطر أخرى أكثر احتمالاً وأعظم أثراً.

قبل عام أو عامين، برزت في مركز الصدارة ست مخاطر رئيسة:

• تفكك اليورو (بما في ذلك خروج اليونان وخسارة إيطاليا وإسبانيا في القدرة على الوصول إلى أسواق رأس المال).

• أزمة مالية في الولايات المتحدة (نظراً لاندلاع المزيد من المعارك السياسية حول سقف الديون وتعطل الحكومة مرة أخرى).

• أزمة ديون عامة في اليابان (بعد أن تسببت تركيبة من الركود والانكماش والعجز المرتفع في دفع نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى الارتفاع).

• الانكماش في كثير من الاقتصادات المتقدمة.

• اندلاع الحرب بين إسرائيل وإيران حول الانتشار النووي الإيراني المزعوم.

• انهيار أوسع نطاقاً للنظام الإقليمي في الشرق الأوسط.

والآن تضاءلت احتمالات هذه المخاطر، فبفضل وعد "القيام بكل ما يلزم" الذي قطعه على نفسه رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي، ونشوء مرافق مالية جديدة لتثبيت استقرار البلدان المدينة المتعثرة ذات السيادة، وبداية تأسيس الاتحاد المصرفي، لم تعد منطقة اليورو على وشك الانهيار، وفي الولايات المتحدة وافق الرئيس باراك أوباما والجمهوريون في الكونغرس على عقد هدنة في الوقت الحالي لتجنب تهديد تعطيل الحكومة مرة أخرى بفعل الحاجة إلى رفع سقف الديون.

وفي اليابان، كان أول "سهمين" في جعبة استراتيجية رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي الاقتصادية- التيسير النقدي والتوسع المالي- كافيين لتعزيز النمو ووقف الانكماش. والآن ربما يؤدي السهم الثالث في "اقتصادات آبي"- الإصلاح البنيوي- جنباً إلى جنب مع بداية ضبط الأوضاع المالية العامة للأمد البعيد، إلى تثبيت استقرار الدين (وإن كان الأثر الاقتصادي المترتب على الزيادة المقبلة في ضريبة الاستهلاك غير مؤكد).

وعلى نحو مماثل، تم احتواء خطر الانكماش في أنحاء العالم المختلفة بالاستعانة بالسياسات النقدية غير التقليدية والمستجلبة: مثل خفض أسعار الفائدة إلى الصفر تقريباً، والتيسير الكمي، والتيسير الائتماني، والتوجيه المسبق. كما انخفض خطر اندلاع حرب بين إسرائيل وإيران بفضل الاتفاق المؤقت بشأن البرنامج النووي الإيراني الذي أبرِم في نوفمبر الماضي، وأدى انخفاض علاوة المخاطر إلى هبوط أسعار النفط، وإن كان كثيرون يرتابون في صدق إيران ويخشون أن يكون الأمر برمته مجرد محاولة لكسب الوقت في حين تستمر إيران في تخصيب اليورانيوم.

ورغم أن الكثير من بلدان الشرق الأوسط لا تزال غير مستقرة إلى حد كبير، فإن أياً منها لا يشكل أهمية نظامية من الناحية المالية، ولم يتسبب أي صراع هناك حتى الآن في تعريض الإمدادات العالمية من النفط والغاز لصدمة خطيرة. ولكن بطبيعة الحال، قد يؤدي تفاقم بعض هذه الأزمات والصراعات إلى تجدد المخاوف بشأن أمن الطاقة، والأمر الأكثر أهمية أن ست مخاطر أخرى كانت في نمو مستمر مع انحسار مخاطر السنوات الأخيرة.

فبادئ ذي بدء، هناك خطر الهبوط الحاد في الصين، فعملية إعادة التوازن إلى النمو بعيداً عن الاستثمارات الثابتة ونحو الاستهلاك الخاص تتقدم ببطء شديد، ذلك أن السلطات ينتابها الذعر كلما تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي نحو 7% فتسارع إلى جولة أخرى من الاستثمارات الرأسمالية التي تعتمد على الائتمان. وهذا من شأنه أن يؤدي لاحقاً إلى ظهور أصول أكثر سوءاً، وقروض متعثرة، والاستثمار بكثافة أكبر في العقارات والبنية الأساسية والقدرة الصناعية، وبالتالي المزيد من الديون الخاصة والعامة، وبحلول العام المقبل، قد لا يظل هناك أي سبيل لم يُطرَق بعد. وهناك أيضاً خطر ارتكاب مجلس الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي) الأميركي بعض الأخطاء السياسية مع خروجه من برنامج التيسير الكمي، ففي العام الماضي، كان مجرد إعلان بنك الاحتياطي الفدرالي اعتزامه خفض مشترياته الشهرية من الأصول المالية الطويلة الأجل تدريجاً سبباً في استفزاز موجة من الغضب في الأسواق المالية العالمية والأسواق الناشئة. وهذا العام باتت ضرورة الخفض التدريجي واضحة ومفهومة، بيد أن عدم اليقين بشأن توقيت وسرعة الجهود التي يبذلها بنك الاحتياطي الفدرالي لتطبيع أسعار الفائدة الرسمية يخلق التقلبات. والآن يخشى بعض المستثمرين والحكومات أن يرفع بنك الاحتياطي الفدرالي أسعار الفائدة قبل الأوان وبسرعة أكبر مما ينبغي، فيؤدي ذلك إلى صدمات اقتصادية ومالية.

وثالثاً، ربما يخرج بنك الاحتياطي الفدرالي من أسعار الفائدة في وقت متأخر وبوتيرة بطيئة أكثر مما ينبغي في واقع الأمر (فخطته الحالية تقضي بتطبيع أسعار الفائدة إلى 4% فقط بحلول عام 2018)، وهو ما قد يؤدي بالتالي إلى طفرة أخرى في أسعار الأصول، ثم الانهيار في نهاية المطاف. والواقع أن السياسات النقدية غير التقليدية في الولايات المتحدة وغيرها من الاقتصادات المتقدمة أدت بالفعل إلى تضخم كبير في أسعار الأصول بعد انكماشها، وهو ما قد يفضي بمرور الوقت إلى نشوء الفقاعات في أسواق العقارات والائتمان والأسهم.

ورابعاً، قد تتضاعف الأزمات في بعض الأسواق الناشئة الهشة، فالأسواق الناشئة تواجه رياحاً معاكسة (نظراً لانخفاض أسعار السلع الأساسية والمخاطر المرتبطة بالتحول البنيوي في الصين وتحول السياسة النقدية التي ينتهجها بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي) في وقت حيث لا تزال سياسات الاقتصاد الكلي لدى هذه الأسواق أكثر تراخياً مما ينبغي فضلاً عن تسبب الافتقار إلى الإصلاحات البنيوية في تقويض النمو المحتمل هناك. وعلاوة على ذلك، تواجه أغلب هذه الأسواق الناشئة مخاطر سياسية وانتخابية.

وخامساً، هناك خطر جسيم يتمثل بتسبب الصراع الحالي في أوكرانيا في اندلاع الحرب الباردة الثانية، بل ربما نشوب حرب حقيقية إذا أقدمت روسيا على غزو شرق البلاد. وسوف تكون العواقب الاقتصادية المترتبة على مثل هذه النتيجة هائلة؛ نظراً لتأثيرها على إمدادات الطاقة وتدفقات الاستثمار فضلاً عن الخسائر في الأرواح وتدمير رأس المال المادي.

وأخيراً، هناك خطر مشابه يتمثل بتصاعد الخلافات الإقليمية بشأن المطالبات الإقليمية السيادية على مناطق برية وبحرية (بدءاً بالنزاعات بين الصين واليابان) لكي تتحول إلى صراع عسكري صريح. وإذا تجسدت هذه المخاطر الجيوسياسية فسوف تخلف تأثيراً اقتصادياً ومالياً شاملا.

حتى وقتنا هذا، كانت الأسواق المالية متفائلة في مواجهة هذه المخاطر الناشئة الجديدة، فلم ترتفع حدة التقلبات إلا قليلا، في حين صمدت أسعار الأصول، وأحياناً كان الضجيج حول هذه المخاطر يتسبب (ولكن لفترة وجيزة) في اهتزاز ثقة المستثمرين وميل تصحيحات السوق المتواضعة إلى التراجع تلقائيا.

وربما كان المستثمرون على حق في تصورهم أن هذه المخاطر لن تتجسد في أكثر أشكالها حدة، أو أن بعض العوامل مثل السياسات النقدية المتراخية في الاقتصادات المتقدمة واستمرار التعافي سوف تحتوي مثل هذه المخاطر، ولكن لعل المستثمرين يخادعون أنفسهم عندما يتصورون أن احتمالات هذه المخاطر منخفضة، وبالتالي فقد يجدون أنفسهم في مواجهة مفاجأة غير سارة على الإطلاق عندما يتجسد واحد أو أكثر من هذه المخاطر.

يبدو أن المستثمرين، كما كانت حالهم مع الأزمة المالية العالمية، عاجزون عن تقدير مثل هذه المخاطر وتسعيرها والتحوط منها على النحو اللائق، والوقت وحده كفيل بإنبائنا بما إذا كان عدم اكتراثهم حالياً يشكل فشلاً آخر في تقييم الأحداث المتطرفة والاستعداد للتصدي لها.

* نورييل روبيني | Nouriel Roubini ، رئيس "مؤسسة روبيني للاقتصاد العالمي"، وأستاذ في كلية شتيرن لإدارة الأعمال بجامعة نيويورك.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top