عندما يتم الاعتقاد بأن شيئاً ما محفوف بمخاطر عالية، تجد الناس يحذرون منه. وهذا يحدّ من الضرر في حال حدوث الخطر. والأحداث التي يستهان بخطرها هي التي تسبب أعظم الأضرار.
مضت خمسة أعوام، يا للمفاجأةمضت خمسة أعوام، دماغي يؤلمني كثيراً مضت خمسة أعوام، هذا كل ما لدينا.ديفيد بوي، 1972هذا الأسبوع يبلغ الانتعاش الكبير الذي أعقب انهيار عام 2008 خمسة أعوام بالتمام. لقد كان وقتاً جيداً للاستثمار في الأسهم، وهذا أمر مفاجئ. فقبل خمسة أعوام كانت الرؤية المستقبلية على مشارف أفكار النهاية المروعة. في ذلك الوقت كانت التنبؤات لعام 2014 تبدو سيئة كما ظهر عام 1977 لديفيد بوي عندما سجل أغنية «زيغي ستاردست» قبل ذلك بخمسة أعوام. غير أن الألم الاقتصادي كان محدوداً أكثر بكثير مما خشي الناس وكانت العوائد على الأسهم مذهلة.لكن الأزمة أضرت قليلاً بمعنويات المستثمرين. وقد تبين هذا في مواقفهم تجاه المخاطر، كما تبين من استطلاع شامل أجراه بنك نيويورك ميلون لمؤسسات كبيرة في جميع أنحاء العالم. فقد وجد أنها قامت بشكل شامل بتحسين إدارتها للمخاطر منذ عام 2009.التوازن بين المخاطر والعوائدلكن ليس كل شيء على ما يرام، وفقاً لهاري ماركويتز، الذي يتمتع بمكانة معلم ضمن صناعة الاستثمار. ويعود الفضل لماركويتز، الحائز جائزة نوبل للاقتصاد، في وضع «نظرية المحفظة الحديثة» عام 1950 (وهو سعيد جداً لأنها لاتزال تعتبر «حديثة»). فقد سمح ذلك للمستثمرين بتحقيق التوازن بين المخاطر والعوائد. وإضافة أوراق مالية للمحفظة، إذا لم تكن مرتبطة بالأوراق المالية الأصلية، يمكن أن تساعد على التوّجه نحو «حدود ذات كفاءة»، من خلال الحد من المخاطر بدون تقليص العوائد.ويشير ماركويتز، وهو الآن في الثمانينيات من عمره، بأدب إلى أن المفهوم الذي كانت تستخدمه جميع المؤسسات تقريباً، ليس مطبقاً تماماً كما كان متوقعاً. فهو يقول: «سيقول محلل جانب البيع: لدي فئة أصول هنا ليست مرتبطة». لكن «الهدف من تنويع المحفظة عن طريق إضافة فئات أصول غريبة أثبت في بعض الأحيان أنه مخيب جداً للآمال، وهي نتيجة كانت متوقعة».مثلا، لننظر إلى الاندفاع لشراء أسهم الأسواق الناشئة والسلع الأساسية قبل عام 2008. فمع أنها لم تكن مترابطة سابقاً، إلا أنها انهارت مع كل الأصول الأخرى بمجرد أن جفّت السيولة.حذر المستثمرينكذلك يشعر ماركويتز بالضيق من أن المستثمرين «يقاتلون دائماً في الحرب الأخيرة»، في حين ان «الأزمات مختلفة». فالمخاطر التي زاد المستثمرون درجة حذرهم منها هي «تقلبات مشتقات، والتحولات المتطرفة في السوق، والسيولة، وعدوى الأسواق المالية، ومخاطر الائتمان، وعجز الأطراف التعاقدية المقابلة»، وجميعها رموز للأزمة المالية الأخيرة.ويقول «إن عام 2008 لم يكن ظاهرة منعزلة. فأنا شخصياً صُدمت من أن الصناعة وجدت عام 2008 صاعقاً إلى هذه الدرجة». وهو، إحصائياً، حدث يقع مرة واحدة فقط كل 40 عاماً، أو أحياناً يُمكن توقع حدوثه مرة واحدة في أي حياة عملية للإنسان».ومع ذلك، أدى إلى تغيير المواقف بشكل عميق. أولاً، لم يعُد المستثمرون يسعون للتغلب على مؤشر السوق، وإنما مجرد مطابقة هدف العوائد الذي وضعوه فقط. وبالنسبة لصناديق المعاشات التقاعدية، هذا يعني على نحو متزايد أنها تسعى لمطابقة العوائد مع مطلوباتها حتى يكون لديها ما يكفي من الأموال لتلبية وعودها فيما يتعلق بالمعاشات.وهذا أمر جيد. فمع وجود محاولات أقل للتغلب على المؤشر ينبغي أن يكون هناك ازدحام أقل حول المؤشر - ما يعني وجود مخاطر أقل لحدوث فقاعات. كذلك سيبحث المستثمرون عن المسار الأكثر تحفظاً للوصول لهدفهم، ما يعني مرة أخرى الحد من مخاطر حدوث فقاعات.استثمارات بديلةثانياً، والأقل تشجيعاً، توجد لدى المؤسسات استثمارات بديلة تفوق كثيراً ما كان لديها من قبل، مثل صناديق التحوّط والأسهم الخاصة. وكانت هذه تباع لأسباب نفعية من أجل توليد عوائد مرتفعة، أما الآن فيتم شراؤها لأن بإمكانها تخفيض المخاطر لكونها أقل ارتباطاً بالسوق. لكن هل يمكن أن تكون تلك الارتباطات المنخفضة مستدامة؟يعلق ماركويتز على هذا قائلاً: «هناك درس واحد من أزمة عام 2008، وهو إذا وُجدَ شيء معقد جداً ولا تستطيع فهمه، فربما لا يجدر بك شراؤه».ويشير إلى أن أي شخص لديه قاعدة بسيطة تتطلب منه الاحتفاظ بـ40 في المئة سندات و60 في المئة أسهم كان سيحقق «إعادة توازن» - الأسهم المشتراة - في مستوى الحالة السيئة للسوق قبل خمسة أعوام. «فأولئك الذين تذاكوا بأن جعلوا النسبة مناصفة عانوا بشكل مأساوي».أسعار الفائدةسبب واحد للراحة هو أن كل مستجيب كان يشعر بالقلق من «أسعار الفائدة والبيئة الحالية للعوائد»، لأنه يتصور وجود مخاطر في فطام العالم عن الأسعار المنخفضة التي ولّدها برنامج التسهيل الكمي الذي طبقه «الاحتياطي الفدرالي».ومن المفيد معرفة ذلك. فعندما يتم الاعتقاد بأن شيئا ما محفوف بمخاطر عالية، تجد الناس يحذرون منه. وهذا يحدّ من الضرر في حال حدوث الخطر. والأحداث التي يستهان بخطرها - مثل انخفاض على مستوى الولايات المتحدة في أسعار المنازل - هي التي تسبب أعظم الأضرار.لكن الأمر المثير للقلق هو أن المستثمرين لا يبدو عليهم خوف كبير من السياسة. فأكثر من ثلثهم قالوا إنهم لم يقيسوا المخاطر السياسية على الإطلاق.ولا يمكن تقدير المخاطر السياسية، وهي مخاطر عجزت الأسواق مجتمعة عن قياسها. لكن فصول حافة الهاوية في الكونغرس الأميركي والانتخابات في الاتحاد الأوروبي كانتا تهددان بتجديد أزمات السوق خلال السنوات الخمس الماضية. وربما تشكل السياسة، وليس عالم المال، أعظم خطر بحدوث انهيار مالي جديد.بعد السنوات الخمس الماضية، يمكن أن تُعذَر إذا آلمك دماغك. لكن بعض المبادئ تظل ثابتة. فلايزال هناك تعطش للمعقد، وتركيز على ما حدث للتو. ومن الأفضل منطقياً البحث عن مزيد من البساطة وتخيل الأمور التي يمكن أن تختل في المستقبل.* (فايننشال تايمز)
اقتصاد
السياسة مكمن الخطر التالي على الأسواق
08-03-2014