لمن لا يعرف تاريخ جون كيري وزير الخارجية الأميركي الحالي، فإنه كان مرشحاً للانتخابات الرئاسية الأميركية أمام منافسه الرئيس السابق جورج بوش (الابن)، وكانت المنافسة بينهما إحدى أشرس المنافسات في تاريخ الانتخابات الأميركية، بل كان كيري قاب قوسين أو أدنى من الفوز لولا النتائج الأخيرة لإحدى الولايات، وفي آخر لحظة حيث فاز بوش بولايته الثانية بشق الأنفس.

Ad

ما يهمني في هذه النبذة هو موقف جون كيري «آنذاك» كمرشح رئاسي من علاقة المملكة العربية السعودية بأميركا، حيث كان يتبنى موقفاً تصعيدياً ضد المملكة، منتقداً العلاقة الوثيقة التي تربط بلاده بالمملكة.

أذكر وقتها أن الأمير بندر بن سلطان قد رد عليه بما معناه أنك يا كيري إذا وصلت إلى البيت الأبيض وأصبحت رئيساً فستعرف وقتها مكانة المملكة عند الولايات المتحدة، مما يفهم من كلام الأمير أنه يقصد أن كلام كيري ينم عن جهل بالعلاقات التاريخية الوثيقة بين البلدين، وأن كلامه فقط لظروف الحملة الانتخابية واللعب على الوتر الحساس بمشاعر الناخبين اليهود لا أكثر.

تذكرت هذه القصة في تلك الأيام وربطتها بمواقف واشنطن الضعيفة المترددة هذه الأيام في المنطقة ونفاد صبر حلفائها، وفي مقدمتهم السعودية الشقيقة، حتى وصل الأمر إلى اعتذار المملكة عن شغل مقعد في مجلس الأمن، وبيانها شديد اللهجة الذي يوضح أسباب الاعتذار وما تضمنه من لوم وعتب كبير على المجتمع الدولي، وفي مقدمته الولايات المتحدة حيال طريقة التعاطي مع قضايا الساحة وأهمها الأزمة السورية.

وبعدها وفي حادثة نادرة، اعتذار الرياض عن استقبال وزير الخارجية كيري، عندما أبلغته أن أي زيارة للمجاملات لا لزوم لها، وأنها مستعدة لاستقباله فقط إن كانت لديه مستجدات حول سياسة بلاده، مبدية امتعاضها من طريقة التعامل الأميركي السيئ مع الأزمات الحالية.

وبعدها ما حدث في الاجتماع الذي استغرق ساعات بين الأمير بندر والسفير الفرنسي بالرياض، وما سمعه السفير من انتقادات حادة على لسان بندر الذي أفرغ ما في جعبته خلال تلك الجلسة، وبعدها إسراع الفرنسي بنقل ما دار إلى نظيره الأميركي الذي نقلها بدوره إلى خارجيته.

وفور بلوغها ذلك، أدركت الإدارة الأميركية مدى فداحة المشكلة، فهذه هي المرة الأولى منذ عقود التي تخرج فيها خلافات الدولتين إلى العلن، ولعل المتابع يلحظ أن بندر استخدم السفير الفرنسي لنقل «شرهته» أو قل عتبه الشديد إلى نظيره الأميركي!

السؤال: هل إيصال الرسالة إلى سفير فرنسا ليكون ساعي بريد بينه وبين السفير الأميركي فيه «وجهة نظر سياسية؟ أظن ذلك «الذيب ما يهرول عبثاً»!

بعدها طلبت الإدارة الأميركية من وزيرها إجراء ما يلزم لتقديم تطمينات إلى الرياض والتأكيد على متانة العلاقات بين الدولتين.

وعندما وصل كيري إلى الرياض، وفي المؤتمر الذي جمعه بسعود الفيصل، فوجئ بكلمات جديدة عندما قال الفيصل: «سورية أرض محتلة من قبل القوات الإيرانية»، مما يعني انتقال الدبلوماسية السعودية من التحفظ إلى المواجهة، وتدارك كيري هذا العتب السعودي خصوصاً عندما قال إن السعودية شريك مهم لبلادي لا يمكن الاستغناء عنه، وإن المملكة شريك في غاية الأهمية، وإن العلاقات عميقة واستراتيجية، ومن ثم الاتفاق على أن الخلافات تكتيكية لا موضوعية، حيث كان العتب السعودي هو اختزال الأزمة السورية في نزع الكيماوي!

طبعاً إيران، وبعد كل ذلك، اعتبرت أن زيارة كيري للسعودية انقلاباً في المواقف التي بذلت إيران من أجلها كل الجهود.

جون كيري لم يكن قد أتى إلى المنطقة ليسير على سجاد أحمر، بل لتتقافز أقدامه بين الألغام السياسية، ولا ننسى أنه أثناء جولته زار رئيس المخابرات الروسية القاهرة سراً والتقى بالمعنيين، وألقى ملك الأردن خطاباً نادراً يركز ويؤكد فيه أن الأردن قادر على اتخاذ الإجراءات التي تحمي شعبه وبلاده، إن لم يسارع المجتمع الدولي في تحمل أعباء الأزمة السورية.