المشكلة في التطلعات الإيرانية لا في العلاقات السنية - الشيعية
الكل يسأل ويتساءل عما إذا كانت إيران، بعدما استيقظت مصر من غفوتها وفاز عبدالفتاح السيسي في الانتخابات الأخيرة، ستأخذ العبرة مما جرى وتقف وقفة تأملٍ صادقة مع الذات، وتعيد النظر في كل سياساتها ومواقفها الإقليمية وكل تطلعاتها التمددية في المنطقة العربية وتبدأ صفحة جديدة عنوانها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة وإقامة علاقات مع العرب تحديداً على أساس الاحترام المتبادل وحسن الجوار والمصالح المشتركة.إن هذا هو ما تريده مصر "الجديدة" وما يريده العرب الذين لا يخضعون لاعتبارات طائفية أو مذهبية، وهم يسعون ويريدون حقاً علاقات متكافئة مع هذه الجارة التي تربطهم بها وتربطها بهم علاقات دينية مقدسة وعلاقات حضارية وثقافية عميقة الجذور، والتي من المفترض أن تكون عمقاً للأمة العربية وتكون الأمة العربية عمقاً لها.
إلا أن ما يحدث في بلاد الشام يثير الظن السيئ تجاه النوايا الإيرانية مع كل هذه المجموعات المذهبية، التي تم استيرادها من بلاد الرافدين ومن إيران وأيضاً من باكستان وأفغانستان ولبنان، لتقاتل إلى جانب بشار الأسد في حربه ضد الشعب السوري، رغم أنه تم استيرادها بحجة الدفاع عن مقام السيدة زينب ابنة عليٍّ بن أبي طالب وحماية قبر حجْر بن عدي. ولهذا وإجابة عن السؤال الآنف الذكر، المتعلق بما إذا كانت إيران ستأخذ المتغيرات الجذرية الأخيرة التي شهدتها مصر بعين الاعتبار وتبادر إلى وقفة مع الذات لتعديل خط سيرها والتخلي عن سياساتها العدوانية تجاه العرب والأمة العربية، فإنه يمكن القول إنه من الصعب بل من المتعذر أن نقنع أنفسنا بأن العلاقات العربية بالجمهورية الإيرانية ستكون من الآن وصاعداً "سمناً على عسل"، وأنه عفا الله عما سلف، وأن العداوات الحالية ستصبح صداقات بين من يجمعهم تاريخ مشترك طويل عماده الثقافة الإسلامية والدين الإسلامي الحنيف.فالمشكلة ليست بين السنة والشيعة، فالدين لله وهذه المنطقة من أقصى خراسان في الشرق وحتى تطوان في الغرب من المفترض أنها مجالٌ حيوي للجميع، هذا إذا كانت القلوب صافية والنفوس غير متورمة بالأحقاد والخبث... إن المشكلة هي أن إيران تريد إنعاش "أمجاد" سابقة!! وأنها تنطلق من "ثارات" قديمة، ولهذا فقد سمعنا قبل أيام من أحد كبار المقربين من مرشد الثورة علي خامنئي يقول "إن الحدود الإيرانية أصبحت على شواطئ البحر الأبيض المتوسط عبر الجنوب اللبناني".إنه بالإمكان تفهُّم مقولة "تفاءلوا بالخير تجدوه" ولكن كيف من الممكن أنْ نتفاءل بالخير ونتوقع أن تُغيِّر إيران بعد مستجدات مصر مواقفها ما لم توقف تدخلها الشنيع والبشع في العراق، وما لم توقف حربها الظالمة على الشعب السوري، وبدوافع طائفية، وما لم تُخرِج من ذهنها أن حدودها أصبحت على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، وما لم تكف عن اعتبار دويلة ضاحية بيروت الجنوبية مستوطنة إيرانية إستراتيجية... ثم كيف من الممكن أن نتفاءل بالخير وإيران تهدد أمن كل دول الخليج العربي، وهي لا تزال تتمسك بأن تكون ليبيا قاعدة إرهابية خلفية ضد مصر لإعادة الإخوان المسلمين إلى حكمهم القصير العمر الذي لم يستطيعوا المحافظة عليه، وأيضاً وهي تتدخل في اليمن وفي السودان كل هذا التدخل؟!