القمة الأوروبية ومعضلة السجينة في أوكرانيا

نشر في 26-11-2013
آخر تحديث 26-11-2013 | 00:01
الحسابات الانتخابية صارخة، ففي حين قد يفضل 40 في المئة من الأوكرانيين، الانضمام إلى الاتحاد الجمركي، فإن 60 في المئة من الناخبين يرون مستقبلهم داخل الاتحاد الأوروبي، أو معه. وحتى إذا لجأ يانكوفيتش إلى التزوير الانتخابي على نطاق واسع (وهو ما لن يجعله شخصاً مقبولاً في بروكسل)، فإنه لن يفوز بأغلبية إلا بشق الأنفس.
 بروجيكت سنديكيت كان من أكثر قرارات الاتحاد الأوروبي أهمية هذا الخريف ذلك الذي يتعلق بالتوقيع على اتفاقية الشراكة مع أوكرانيا في إطار قمة الاتحاد الأوروبي في فيلنيوس في الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من نوفمبر، وهي القضية التي عُلق البت فيها لأن الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش لم يستوف شرطاً بالغ الأهمية: العفو الكامل عن السجينة السياسية رئيسة الوزراء السابقة يوليا تيموشينكو.

تقضي اتفاقية الشراكة المعلقة، التي تتألف من 1200 صفحة، بإلغاء كل التعريفات الجمركية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على السلع الأوكرانية، وتعزيز الناتج المحلي الإجمالي للبلاد في الأمد البعيد بنسبة تقدر بنحو 12 في المئة. وسوف تؤسس الاتفاقية أيضاً خطة إصلاح سياسية واقتصادية وقانونية للبلاد، بدعم من نحو ستين من الهيئات الحكومية في بلدان الاتحاد الأوروبي.

ورغم أن اتفاقية الشراكة لا تؤدي تلقائياً إلى الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، فإنها تشكل خطوة مهمة في ذلك الاتجاه. وبموجب معاهدة روما، فإن أوكرانيا مؤهلة باعتبارها دولة أوروبية لتكون عضوا محتملا في الاتحاد الأوروبي. ولكنها لابد أن تلبي معايير كوبنهاغن التي أقرها الاتحاد الأوروبي عام 1993، والتي تحدد المعايير الأساسية للدخول.

وتلبي الدولة المرشحة معايير كوبنهاغن عندما تحقق "استقرار المؤسسات التي تضمن الديمقراطية، وسيادة القانون، وحقوق الإنسان، واحترام وحماية الأقليات"؛ ويصبح بوسعها ضمان وجود "اقتصاد السوق الفعال والقدرة على التعامل مع المنافسة وقوى السوق"؛ وتتمتع "بالقدرة الإدارية والمؤسسية" الكافية لتبني وتنفيذ قانون الاتحاد الأوروبي، و"التعهد باحترام التزامات العضوية". والطريق لايزال طويلاً أمام أوكرانيا قبل أن تحقق كل هذا، ولكن التوقيع على اتفاقية الشراكة من شأنه أن يمهد الطريق إلى محادثات الانضمام، في حين يساعد أيضاً على خلق فرص اقتصادية هائلة.

والبديل بالنسبة لأوكرانيا هو الانضمام إلى الاتحاد الجمركي الذي تهيمن عليه روسيا والذي يضم بيلاروسيا وكازاخستان. وسوف تتطلب العضوية التزام أوكرانيا بمضاعفة التعريفات الجمركية على الواردات من الاتحاد الأوروبي، بتكاليف سنوية تعادل 4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي؛ ولن يضمن لها ذلك التجارة الحرة بين أعضاء الاتحاد (تطبق روسيا بالفعل عقوبات تجارية ضد بيلاروسيا وكازاخستان). وبالتالي فإن الاتحاد الجمركي يبدو أكثر قليلاً من مغامرة إمبراطورية روسية جديدة.

ومن غير المستغرب أن يكرر يانوكوفيتش باستمرار الحديث عن تفضيله لاتفاقية الشراكة. فمستقبله السياسي قد يعتمد عليها. ويؤكد مستشاروه واستطلاعات الرأي الأخيرة أن فشله في التوقيع على الاتفاق يعني خسارته في الانتخابات الرئاسية في مارس 2015.

والواقع أن الحسابات الانتخابية صارخة. ففي حين قد يفضل 40 في المئة من الأوكرانيين، المقيمين أساساً في معقل يانوكوفيتش الانتخابي في شرق وجنوب البلاد، الانضمام إلى الاتحاد الجمركي، فإن 60 في المئة من الناخبين يرون مستقبلهم داخل الاتحاد الأوروبي أو معه. وحتى إذا لجأ إلى التزوير الانتخابي على نطاق واسع (وهو ما لن يجعله شخصاً مقبولاً في بروكسل)، فإن يانوكوفيتش لن يفوز بأغلبية إلا بشق الأنفس.

ولا يحتاج يانوكوفيتش إلى استمالة الأصوات المتأرجحة فحسب. فالنخبة القوية من أنصار حكم القِلة تنظر أيضاً باتجاه الغرب وليس الشرق لتعزيز أعماله التجارية. وقد سئم كثيرون الفرض التعسفي للحواجز التجارية- التي تؤثر على سلع تتراوح بين الشوكولاته والأنابيب الفولاذية- في أسواقهم السوفياتية السابقة. أما أسواق الاتحاد الأوروبي فهي على النقيض من ذلك تُعتَبَر أكبر حجماً وأكثر أماناً.

ومن المؤكد أن التدخلات من قِبَل موسكو ساعدت على تركيز العقول في كييف. فقد كانت الحرب التجارية الوجيزة التي شنتها روسيا في أغسطس سبباً في إفزاع يانوكوفيتش إلى الحد الذي دفعه إلى التعهد بتلبية أحد عشر من الشروط القانونية والسياسية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي. وهذا يتطلب أن تسارع أوكرانيا إلى إصلاح نظامها القضائي ومؤسسات إنفاذ القانون، وأن تضمن قدراً أعظم من الالتزام بالقواعد الديمقراطية. وحالياً، يدرس البرلمان خمسة عشر مشروع قانون لترسيخ هذه الأسس، وكل هذه المشاريع تحظى بالدعم الكامل من أحزاب المعارضة الرئيسية.

ولكن تلبية يانوكوفيتش لمطالبة الاتحاد الأوروبي له بإصدار قرار بالعفو عن تيموشينكو، التي خسرت الانتخابات الرئاسية في عام 2010 بهامش ضئيل، قد تكون أشد صعوبة. فقد تم إلقاء القبض على تيموشينكو في أغسطس 2011، وبعد ما اعتُبِر على نطاق واسع محاكمة صورية، صدر الحكم ضدها بالسجن لمدة سبع سنوات بتهمة "إساءة استغلال السلطة" (ولو أنها لم تتهم بتحقيق استفادة شخصية) في إبرام صفقة للغاز الطبيعي مع روسيا في عام 2009.

وقد تقدمت لجنة معينة من قِبَل الاتحاد الأوروبي وتضم الرئيس البولندي السابق ألكسندر كفاسنيفسكي ورئيس البرلمان الأوروبي السابق بات كوكس باقتراح بحل هذه المعضلة. فبطلب من اللجنة، يصدر يانوكوفيتش قراراً بالعفو عن تيموشينكو، والسماح لها بالسفر إلى ألمانيا لأسباب طبية.

وقد قبلت تيموشينكو الاتفاق؛ ولكن يانوكوفيتش رفضه. فهو يريد بدلاً من قرار العفو الحصول على موافقة البرلمان على قانون يسمح لتيموشينكو بالذهاب إلى ألمانيا للعلاج، ولكن بشرط أن تستكمل مدة عقوبتها بالسجن في حال عودتها إلى أوكرانيا.

ويقول الاتحاد الأوروبي إن هذه الشروط غير مقبولة. ذلك أن الإذعان لسجن تيموشينكو سياسياً ينافي أسس المعايير القانونية والديمقراطية التي يدعي الاتحاد الأوروبي أنه يمثلها. وأي إصلاح قانوني لاحق في أوكرانيا سيبدو فارغاً من مضمونه.

ويرى البعض أن الاتحاد الأوروبي لابد أن يخفف من شروطه: فلا ينبغي لمسألة تتعلق بشخص واحد، رغم أهميته، أن تحول دون تحقيق أوكرانيا لهدفها في مستقبل أفضل. ولكن بعيداً عن كون هذه القضية مسألة منفردة، فإن حالة تيموشينكو تكشف عن خلل أكثر عمقاً. فحتى الآن، يحاول تيموشينكو تعديل القواعد الضريبية من أجل تنحية فيتالي كليتشكو الذي يتمتع بشعبية كبيرة، والذي كان بطلاً في رياضة الملاكمة ومقيماً في ألمانيا سابقاً، ومنعه من التأهل للترشح لمنصب الرئيس. والواقع أن ما تتسم به أوكرانيا في عهد يانوكوفيتش من فساد وغياب القانون لابد أن يحفز الاتحاد الأوروبي للتمسك بنص وروح شروطها.

إن الوقت لم يكن في مصلحة يانوكوفيتش، وبعد صدور قرار مجلس الوزراء الأوروبي قراره بتعليق الاستعدادات للتوقيع على الاتفاق الذي كان مقرراً له في الثامن والعشرين من نوفمبر. ولأن الرئيس الأوكراني يانوكوفيتش لم يصدر قراره بالعفو عن تيموشينكو، فإن الاتحاد الأوروبي، كما اقترح عضو البرلمان الأوروبي عن بولندا جاسيك ساريوز ولسكي، عليه أن ينتظر حتى يأتي رئيس أوكراني يعلي قيم الاتحاد الأوروبي. وبهذا يكون يانوكوفيتش هو الذي يحول دون مضي أوكرانيا في الطريق إلى مستقبل أفضل.

* أندرس آسلوند | Anders Åslund ، كبير زملاء معهد بيترسون للاقتصاد الدولي.

"بروجيكت سنديكيت" بالاتفاق مع "الجريدة"

back to top