تتدفق الأموال خارجة من الأسواق الناشئة ويدور جدل قوي حول ما إذا كان ذلك ذنب الاحتياطي الفدرالي الأميركي، الذي عمل من الناحية الفعلية على تشجيع المستثمرين على إعادة أموالهم إلى الولايات المتحدة.
هذا النقاش صحيح وسليم، لكن صناعة إدارة الأموال لا بد أن تواجه جدلاً بداخلها هي. فما هو بالضبط السبب الذي جعل شركات صناديق الأموال والحكومات في الأسواق الناشئة متقلبة إلى هذه الدرجة؟ وحتى لو أخذنا بقرارات الاحتياطي الفدرالي، كيف يمكن للمزاج العام حول مجموعة ضخمة من هذا القبيل أن ينقلب بهذه السرعة؟لا بد أن نتساءل عن الكيفية التي تموِّل بها البلدان المتقدمة البلدان النامية. وبالتالي ينبغي أن تكون الصناديق المدرجة في البورصة موضع تساؤل للمرة الأولى.الحقائق البسيطة هي أن كمية مذهلة من الأموال سُحبت من الأسواق الناشئة بعجلة غير لائقة، وأن هذه هي أول عملية بيع مكثف في الأسواق الناشئة تتم في معظمها عبر الصناديق المدرجة في البورصة. فهي تشكل الآن نحو 300 مليار دولار من قيمة أسهم الأسواق الناشئة البالغة 1.3 تريليون دولار، وفقاً لبنك مورجان ستانلي – مع أن مؤشر iShares الذي يتابع الصناديق المدرجة في مؤشر مورجان ستانلي المركب للأسواق الناشئة، وهي الأكبر في القطاع، أطلق فقط في 2003.رفع أسعار الفائدةومجموع الأموال التي تم سحبها تجاوز المبالغ التي خرجت أثناء أزمة 2008، حتى قبل الرفع المفاجئ لأسعار الفائدة في تركيا والهند وجنوب إفريقيا.وحتى الآن التدفقات الخارجة مستمرة منذ 14 أسبوعاً، وهي أطول فترة متواصلة منذ عام 2002، رغم أن جيف دنيس، من بنك يو بي إس، يشير إلى أن 2001، وهي السنة التي تم فيها تخفيص عملة الأرجنتين، شهدت فترة بلغت ضعف هذه الفترة تقريباً. ويمكن لتدفق الأموال أن يستمر بأرقام سالبة لفترة لا بأس بها.ووفقاً لـ "ترِم تيبس" TrimTabs، عانت صناديق الأسواق الناشئة في الأسبوع الماضي حالات استرداد بلغت في مجملها 4.4 مليارات دولار (أي 4.8 في المئة من أصولها). وعلى مدى الأشهر الثلاثة الماضية تخلصت هذه الصناديق من 15.8 في المئة من أصولها.ولم يكن هناك مبرر اقتصادي مهم في عالم الأسواق الناشئة يفسر مثل هذا السلوك، إذ حدثت الاضطرابات السياسية الأعنف في بلدان تنطوي أصلا على مخاطر سياسية عالية، مثل الأرجنتين وأوكرانيا وتركيا.هروب رؤوس الأموالإذاً، ما الداعي إلى هذا الهروب السريع لرؤوس الأموال؟ ليس من الضروري أن يؤدي التحول السريع في المزاج العام للمستثمرين الغربيين إلى مثل هذا التحول، على اعتبار أن الاستثمار في الأسواق الناشئة يجب أن يقوم على الصبر. فهي متقلبة ومن الممكن أن تحتاج إلى وقت حتى تلتمع قيمتها.والصناديق ذات النهاية المغلقة، التي لا تحتاج إلى شراء أو بيع الأسهم استجابة للتقلبات في المزاج العام بين المستثمرين، ينبغي أن تكون هي الأداة المثالية. ويشير الرئيس التنفيذي لشركة هيرميس لمديري الاستثمار في بريطانيا، صقر نسيبة، إلى أن "صندوق الاستثمار في البلدان الأجنبية والمستعمرات" Foreign and Colonial Investment كان يستثمر في البرازيل وروسيا والهند والصين في ثمانينيات القرن التاسع عشر – دون مساعدة المختصرات، ودون الحاجة إلى البيع إذا باع المستثمرون أسهمهم في الصندوق.وهناك جوانب سلبية في الصناديق ذات النهاية المغلقة، لكن ما الأمر الذي تغير حول أسهم الأسواق الناشئة إلى درجة أصبح من الممكن الآن اقتناؤها في أدوات مصممة للدخول والخروج الفوري خلال دقيقة واحدة طوال يوم التداول؟إلى جانب التركيب الأساسي لهذه الصناديق، هناك مواطن خلل في الطريقة التي تتابع بها المؤشرات، وفي الطريقة التي يتم بها تسويق الاستثمارات في وول ستريت وفي الحي المالي في لندن.منهجية المؤشراتوهذا يبدأ بالارتباط السخيف بالمختصرات، الذي يعود إلى نجاح غولدمان ساكس في تسويق الصناديق المرتبطة بمجموعة بريكس – البرازيل وروسيا والهند والصين. وقد أدى هذا إلى اندفاع في الأموال الداخلة إلى تلك البلدان، وأعقب ذلك سلسلة من المختصرات المفتعلة بصورة متزايدة، مثل CIVETs وBIITS وMINTs. وهذه ليست طريقة معقولة لتخصيص رأس المال.كما تعاني منهجية المؤشرات نفسها مشكلة. فالقياس بحسب الوزن النسبي للرسملة يعود إلى أكبر الشركات، التي تكون في الغالب شركات منافع سابقة مؤممة، وشركات موارد وتكتلات احتكارية، وليست شركات صغيرة. أما مؤشرات السندات فترسل رأس المال إلى البلدان التي لديها أكبر قدر من الديون والسندات. وفي حين أن الصناديق التي تركز على قطاعات متخصصة شائعة بالنسبة للولايات المتحدة، إلا أن الأسواق الناشئة تهيمن عليها مؤشرات كبيرة. ويغلب على صناديق الأسواق الناشئة أن تتابع مؤشراتها المستهدفة بصورة وثيقة تفوق كثيراً ما يجري على تلك الصناديق في البلدان المتقدمة.مفهوم «الأسواق الناشئة»هل يمكن حل هذه المشاكل بالتدخل والعبث في الداخل؟ شهد الأسبوع الماضي إطلاق مؤشر "الطلب المحلي في الأسواق الناشئة"، الذي يركز على الشركات التي تخدم الطبقة الوسطى المتنامية. ولا شك أن هذا المؤشر سيكون قريباً من الأساس الذي سيقوم عليه صندوق مدرج في البورصة. وتعرض مؤسسة Emerging Global Advisors في نيويورك صناديق تغطي البلدان التي هي "وراء البريكس" – أي التي تستثني مجموعة البريكس وكوريا وتايوان – وتركز على الطلب في الأسواق الناشئة. لكن البلدان والقطاعات غير المتطورة أقل ارتباطاً بالبلدان المتطورة وأقل تقلباً.بالتالي تستطيع هذه الصناديق بالفعل أن تتحسن. علينا أن نتخلص من مفهوم "الأسواق الناشئة" الذي ينظر إليها على أنها فئة أصول متناسقة، وأن نتخلص من التركيز والهوس بالمختصرات العابثة. ولنتخلص كذلك من مؤشرات السندات التي ترسل معظم الأموال إلى أكثر البلدان المدينة، ومؤشرات الأسهم التي ترسل رأس المال إلى الشركات التي تسيطر عليها القلة.لكن مفهوم التداول في أسواق معقدة وغير متجانسة، وغالباً غير سائلة، باستخدام الصناديق المدرجة في البورصة ساد بصورة كبيرة في الماضي. وهذه الصناديق أساءت تخصيص رأس المال وساعدت على إنشاء دورة أخرى من الطفرة والانهيار للبلدان الناشئة، حين كان كثير من البلدان يعاني مشاكل مؤسسية عميقة وثابتة.وهناك طرق للاستثمار في الأسواق الناشئة أفضل من الصناديق المدرجة في البورصة.*(فايننشال تايمز)
اقتصاد
الصناديق المدرجة تلحق الأذى بالأسواق الناشئة
11-02-2014