المراقبة... يجب محاسبة فلاديمير بوتين تماماً كأوباما
فضحتُ ممارسات المراقبة التي اتبعتها وكالة الأمن القومي الأميركية ليس لأني أعتقد أن الولايات المتحدة كانت الوحيدة المخطئة، بل لأني أؤمن أن المراقبة الواسعة التي يتعرض لها الأبرياء (بناء آلات مراقبة زمنية ضخمة تديرها الحكومة يمكنها إرجاع الساعة إلى الوراء لمعرفة أكثر تفاصيل حياتنا خصوصيةً) تهدد كل الناس في أي مكان، بغض النظر عمن يديرها.
شككتُ يوم الخميس الماضي في تورط روسيا في عمليات مراقبة واسعة مباشرةً على الهواء على شاشة التلفزيون، وطرحتُ على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سؤالاً لا يمكن لأي قائد يدير برنامج مراقبة عصرياً متطفلاً الإجابة عنه بالنفي بكل مصداقية: "هل يعترض [بلدك]، على تحليل، أو تخزين ملايين الاتصالات الفردية؟".انتقلتُ بعد ذلك إلى التشكيك في ما إذا كان من الممكن التبرير أخلاقياً لبرنامج مراقبة ضخم، حتى لو كان فاعلاً وقانونياً من الناحية التقنية.
هدفتُ من هذا السؤال إلى إبراز المناقشة الفاضحة التي تدور حالياً في لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس الشيوخ الأميركي بين السيناتور رون وايدن ومدير الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر بشأن ما إذا كانت وكالة الأمن القومي الأميركية قد جمعت تسجيلات لملايين الأميركيين، فضلاً عن الحصول على اعتراف مهم أو تهرّب واضح من السؤال.شكّل كذب كلابر (على مجلس الشيوخ والشعب) دافعاً كبيراً آخر وراء قراري التطرق إلى هذا الموضوع على العلن، ومثالاً تاريخياً لأهمية المساءلة الرسمية.أنكر بوتين في رده الجزء الأول من السؤال وتهرّب من الجزء الثاني، ويحمل إنكاره هذا تناقضات مهمة (سنتناولها لاحقاً)، لكن محللين كثراً لم ينتقدوا جواب الرئيس المقتضب على نحو مريب، بل قراري طرح سؤال.تفاجأتُ حين علمتُ أن الناس، الذين رأوني أخاطر بحياتي لأفضح عمليات المراقبة في بلدي، لا يصدقون أنني قد أنتقد سياسات المراقبة في روسيا، بلد لا أملك تجاهه أي ولاء، ومن دون أي دوافع خفية. أسفت لأن سؤالي أسيء فهمه، ولأنه سمح لكثيرين بتجاهل محتواه (وتهرّب بوتين من الجواب) للانصراف إلى التخمين بحماسة وبطريقة خاطئة عن دوافع سؤالي هذا.وصف الصحافي الاستقصائي أندري سولداتوف، الذي يُعتبر من أبرز منتقدي جهاز المراقبة الروسي (وهو شخص انتقدني مراراً خلال السنة الماضية)، سؤالي بأنه "بالغ الأهمية لروسيا"، وأضاف أنه قد يؤدي "إلى رفع الحظر المفروض بحكم الأمر الواقع على مناقشة تنصت الدولة علناً"، كذلك أشار آخرون إلى أن رد بوتين يبدو أقوى إنكار للتورط في عمليات مراقبة واسعة قدّمه قائد روسي، علماً أن هذا الإنكار سيخضع على الأرجح لعمليات مراجعة وتدقيق من الصحافيين على أقل تقدير. من اللافت للنظر أن ردّ بوتين مشابه على نحو مذهل لإنكار باراك أوباما الحازم في البداية نطاق برامج المراقبة المحلية التي تتبعها وكالة الأمن القومي الأميركية، قبل أن يتبيّن لاحقاً أن هذا الموقف غير صحيح ولا يمكن تبريره.إذاً، ما سبب كل هذه الانتقادات؟ توقعتُ أن يعترض أحد على مشاركتي في منتدى سنوي يضمّ عموماً أسئلة سهلة غير محرجة لقائد لم يعتد الاستفزاز، لكن فرصة رفع الحظر عن مناقشة مراقبة الدولة أمام شريحة من الناس تشاهد عموماً وسائل الإعلام الحكومية فاقت في رأيي هذا الخطر أهميةً. علاوة على ذلك، أملتُ أن يقدّم جواب بوتين، بغض النظر عن محتواه، فرصاً للصحافيين الجادين والمجتمع المدني للتوسع في هذه المناقشة.عندما يُعرَض هذا البرنامج في السنة المقبلة، آمل أن نسمع المزيد من الأسئلة بشأن برامج المراقبة وغيرها من السياسات المثيرة للجدل، ولكن لا داعي أن ننتظر السنة المقبلة، فقد يطلب الصحافيون، مثلاً، توضيحات بشأن عدم اعتراض ملايين الاتصالات الفردية أو تحليلها أو تخزينها، في حين أن الأنظمة المعتَمدة، على المستوى التقني على الأقل، مرغمَة على ذلك كي تعمل بشكل سليم. كذلك يمكنهم طرح أسئلة عن مدى صحة إعلان شركات وسائل التواصل الاجتماعي أنها تلقت طلبات من الحكومة الروسية بشأن خطوات جمع واسعة لعمليات التواصل بين الناس.فضحتُ ممارسات المراقبة التي اتبعتها وكالة الأمن القومي الأميركية ليس لأني أعتقد أن الولايات المتحدة كانت الوحيدة المخطئة، بل لأني أؤمن أن المراقبة الواسعة التي يتعرض لها الأبرياء (بناء آلات مراقبة زمنية ضخمة تديرها الحكومة يمكنها إرجاع الساعة إلى الوراء لمعرفة أكثر تفاصيل حياتنا خصوصيةً) تهدد كل الناس في أي مكان، بغض النظر عمن يديرها.خاطرتُ السنة الماضية بعائلتي، وحياتي، وحريتي لأساهم في إطلاق مناظرة عالمية أقرّ أوباما نفسه أنها "ستجعل أمتنا أقوى"، ولست اليوم أكثر استعداداً للتخلي عن مبادئي مقابل أي حظوة أو امتياز.أتفهم مخاوف النقاد، ولكن ثمة تفسيرات أكثر وضوحاً لسؤالي من مجرد رغبة دفينة في الدفاع عن نوع السياسات التي ضحيتُ بحياتي المريحة لأتحداها: إذا أردنا اختبار صدق ادعاءات المسؤولين، فعلينا أولاً إعطاءهم الفرصة للإدلاء بهذه الادعاءات.Edward Snowden