في معرض تناولي للفيلم الكوميدي {الثلاثة يشتغلونها} (2010) من تأليف يوسف معاطي، إخراج علي إدريس، وبطولة ياسمين عبد العزيز، كتبت، وما زلت على رأيي، أن العنوان السطحي والبليد ظلم قضية الفيلم كثيراً، وها نحن مع فيلم آخر ظلمه عنوانه؛ فمن يتابع فكرة الفيلم الجديد {خطة جيمي} (سيناريو إيهاب ناصر وحواره وإخراج تامر بسيوني وبطولة المغنية الشابة ساندي) ولغته وأحداثه، يُدرك فوراً أن العنوان الخفيف والمستخف أضر كثيراً بجدية الفكرة وطرافة التناول وطزاجة اللغة السينمائية التي أكدت أن المخرج تامر بسيوني يملك موهبة حقيقية بالفعل، وأن إخفاق تجربته الإخراجية الأولى في فيلم «يا أنا ياهو» (2011) يعود إلى أسباب من بينها: السطو العلني الرديء من كاتب شاب يُدعى أحمد حجازي على الفيلم الأميركيMe Myself And Irene، والتقليد الأعمى من نضال الشافعي للنجم الأميركي جيم كاري.

Ad

صحيح أن إيهاب ناصر، كاتب سيناريو فيلم «خطة جيمي» وحواره، أعاد إلى الذاكرة فيلمي: «حبيبي نائماً» (فتاة حرمتها بدانتها من أن تعيش علاقة عاطفية) و»الثلاثة يشتغلونها» (فتاة نابغة تفرغت للعلم، واستغلها الجميع من حولها)، إلا أنه قطع شوطاً كبيراً في صنع سيناريو أكثر قوة وثراء، لم تمنع التفاصيل الكثيرة تدفقه، بل منحته حيوية، وأضفت عليه ثقلاً فنياً؛ خصوصاً عندما نجح في الربط بين أزمة بطلته، وقصص الأطفال الشعبية الشهيرة التي أنتجتها استديوهات «والت ديزني» في أفلام رسوم متحركة: «سنو وايت»، «سندريلا» و»أليس في بلاد العجائب» وغيرها من قصص تحولت إلى أساطير.

هي مناسبة إذن للقول إن فيلم «خطة جيمي» يحاكي، بدرجة كبيرة، الأسلوب المتبع في أفلام «والت ديزني»؛ حيث الشخصيات التي يُخيل إليك أنها كارتونية، والمزج الدائم بين الواقع والخيال، بالإضافة إلى الجو الأسطوري الذي تظهر فيه السماء صافية يتصدرها قمر مكتمل ونجوم مضيئة، والفيللا التي تُذكرك بقصور الأساطير، والمطر الذي يسبقه رعد وبرق فيُنذر بخطر وشيك، وهي الأجواء التي برع المخرج تامر بسيوني في رسمها بحرفية على الشاشة؛ عبر توظيف قطعات المونتاج (أيمن التونسي) بأشكالها (الفلاشات/ تقطيع الشاشة إلى أكثر من كادر/ قلب الشاشة كصفحة الكتاب)، وهو توظيف ملائم لجو الأساطير المهيمن على الفيلم، مثلما أصر على تذكيرنا، طوال الوقت، بأننا حيال خيال جميل هدفه الإمتاع، ولا يهمه انتزاع الاندماج؛ فالمصداقية في هذا الفيلم لا تتحقق من خلال واقعية القضية أو المكان، إنما تستشعرها من واقع السحر الذي يلف الشاشة، وجمال اللغة البصرية التي تجذبك، والأجواء التي تُعيدك إلى سنوات طفولتك.

انشغال المخرج بالبحث عن لغة سينمائية مناسبة لم يمنعه من اختيار طاقم تمثيل أحسن توظيفه؛ مثلما فعل مع المخضرمين: لطفي لبيب في دور العالم «إينشتاين»، هناء الشوربجي في دور طبيبة التجميل «شيرويت»، وسامي مغاوري في دور الطبيب النفسي. كذلك أظهر براعة في قيادة الوجوه الشابة: إسلام جمال، مريم السكري وهنا الزاهد. لكن ثقة «بسيوني» بقدراته تجلت بقوة في إصراره على إسناد البطولة إلى المغنية ساندي، التي لم يكن أكثر الناس تفاؤلاً يتوقع أن تترك بصمة من أي نوع، لكنها فاجأت الجميع بأداء بسيط يجمع بين الطفولة والمراهقة، والثقة والسلاسة، وكانت واحدة من أكبر إيجابيات الفيلم، لكن إصرارها والمخرج على الغناء خصم من رصيدها كثيراً؛ خصوصاً أن الأغنيات طالت كأنها «كليبات» صورت لتُقدم في الفضائيات!

في فيلم «خطة جيمي» نحن مع الفتاة «جميلة» (ساندي) التي عجزت عن الاستمتاع بذكائها وتفوقها الدراسي، بسبب بدانتها المفرطة التي جعلتها حزينة ووحيدة، وفشل والدها العالم «إينشتاين» (لطفي لبيب)، ومساعديه «نوبل» (حسام داغر)، و»هايلة» (مريم السكري) في إنقاذها من محنتها، كما فشلوا في الوصول إلى «حجر الحياة»، الذي يوصف بأنه فخر الاكتشافات العلمية.

تعيش الفتاة على أمل أن تتحقق المعجزة، فيقع «كريم» (إسلام جمال) في حبها، لكنه مفتون بزميلته «فاطمة» (هنا الزاهد)، وتبدأ ابنة العمة «جنا» (الطفلة جنا عمرو) في وضع الخطط للفت أنظار «كريم»، لكن «جميلة» تجد في «حجر الحياة» ضالتها، وطوق نجاتها قبل أن تحدث المفاجأة.

كنت على وشك الإشادة بموهبة مدير التصوير الشاب إسلام عبد السميع وعبقريته، كونه صاحب فضل في الإبهار البصري والسحر الأسطوري، اللذين رفعا من قيمة الفيلم كثيراً، لكنني فوجئت وصدمت عندما علمت أن الفضل يرجع إلى مدير التصوير الإنكليزي آدم بيدل Adam Biddle الذي لم يُشر المخرج والشركة المنتجة إلى دوره!