"فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلاتَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ"... صدق الله العظيم.
إيران، في بيان مشترك حمل توقيع وزير خارجيتها محمد جواد ظريف وتوقيع وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو، دعت إلى وقف لإطلاق النار يشمل قوات نظام بشار الأسد وقوات المعارضة السورية، وكان عليها، إذا كانت صادقة، أن تبادر إلى سحب فيالق حراس ثورتها وقوات حزب الله والميليشيات الطائفية العراقية من سورية كإظهار لحسن نواياها ولتؤكد أنها جادة في هذا الأمر، وألا يكون توقيعها هذا البيان إحدى مناوراتها ولا إحدى ألاعيبها السياسية التي غدت بالنسبة إليها "ماركة مسجلة"! غير معروف على وجه التحديد لماذا وقع وزير الخارجية التركي هذا البيان، الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار في سورية، إلى جانب توقيع وزير الخارجية الإيراني، الذي من المفترض، إذا كانت نوايا الإيرانيين صادقة، أن يأتي في إطار توجه شامل يبدأ بهذه الخطوة وينتهي بالحل الذي تضمنه اتفاق جنيف الأول، الذي ينص أهم بندٍ فيه على أنه لا مكان للرئيس السوري بشار الأسد في المرحلة الانتقالية التي حدد هذا الاتفاق طبيعتها. ربما أن للأتراك، حتى يوقعوا بياناً كهذا، أسباباً لا علاقة لها بجنيف الأولى أو جنيف الثانية، ولا بكل ما يجري في سورية، أما بالنسبة إلى الإيرانيين فقد كان الأقرب للدقة والصحة أن يكون عنوان هذا البيان: "المطلوب وقف لإطلاق الكذب"، وليس وقفاً لإطلاق النار، إذ إنه لا يمكن، حتى لأصحاب أنصاف العقول، أن يصدقوا إيران في دعوتها هذه لوقف إطلاق النار، بينما جيوشها وميليشياتها المذهبية هي التي تخوض كل هذه المعارك المحتدمة على كل الأراضي السورية، وهذه مسألة باتت مؤكدة، وكان مرشد الثورة علي خامنئي قد تحدث عنها بتفاخر واعتزاز أكثر من مرة. كان حسن نصرالله، الذي من المعروف أنه لا يتنفس إلا بأمر الولي الفقيه علي خامنئي وموافقته، قد قال في آخر تصريحات له بهذا الخصوص إن ميليشيات حزبه ستبقى في سورية ما دامت هناك حاجة إليها، وكان أحد قادة حزب الله قد قال إنه لولا قتال قوات هذا الحزب لما استطاع نظام بشار الأسد الصمود أكثر من ثلاث ساعات، ولهذا فقد كان على وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو ألا يضع توقيعه إلى جانب توقيع محمد جواد ظريف قبل التزام واضح ومؤكد من إيران بسحب قواتها والميليشيات التي هي ميليشياتها من الأراضي السورية، وفق جدولٍ زمني محدد ومعلنٍ بإشراف جهة دولية محايدة لا يمكن أن تكون روسيا الاتحادية التي انخرطت في المواجهة مع الشعب السوري منذ اللحظة الأولى. ولهذا، مرة أخرى، فإن المطلوب أولاًَ وثانياً وثالثاً هو "وقفٌ لإطلاق الكذب" يسبق الدعوة إلى وقف إطلاق النار، إذ كيف يمكن أن يصدِّقَ عاقل أن إيران حسنة النوايا عندما يوقع وزير خارجيتها هذا البيان، وقواتها وميليشيات امتداداتها المذهبية في لبنان والعراق واليمن، وفي البحرين أيضاً، هي التي تخوض المعارك المحتدمة الآن على اتساع الأراضي السورية، اللهم إلا إذا كان المقصود هو استدراج الأتراك للتخلي عن دعم المعارضة السورية والتخلي عن الموقف المُشرِّف الذي اتخذوه منذ بدايات انفجار الأزمة السورية، والذي بقي مستمراً ومتواصلاً حتى الآن.
أخر كلام
المطلوب وقف إطلاق «الكذب»
02-12-2013