كردستان حائرة بـ «جائزتها»... وتماسك أحزابها مهدد في أصعب الأوقات
كركوك تتبع الطالباني... والتوازن بين أنقرة وطهران على المحك
لأول مرة في التاريخ الحديث يحصل الأكراد على كركوك، ثانية مدن العراق من حيث ذخائر النفط بعد البصرة، والجميع يشعرون بالقلق إزاء "نشوة النصر" التي شعرت بها الأحزاب الكردية، التي ظلت على طول الخط، مزهوة بأنها الطرف الأكثر عقلانيةً في حفل الجنون العراقي، تقيم علاقات متوازنة مع كل الطوائف، وتطور الأواصر مع القوى الإقليمية، قريبة من إيران بقدر ما يجب، ومن أميركا بقدر ما يتطلب، ما شجّع الجميع على اعتبار كردستان ملتقى للإرادات، يستثمر فيها الجميع مالاً وسياسة.لكن الانهيار المفاجئ، الذي يقول العراقيون إنه أدى عملياً إلى "زوال العراق" الذي نعرفه، تمهيداً لظهور عراق بحقائق جديدة، لم يكن كما تصورنا لأول وهلة، مجرد نكبة للشيعة وثورة للسُّنة، وجائزة للأكراد. فالقوى الكردستانية التي حافظت على موقف موحد بمستوى مقبول، طوال أعوام، تبدو منقسمة اليوم كما لم يحصل من قبل، نزاعاً على ملكية "المناطق الجديدة" التي انسحب منها الجيش العراقي المنهار، ودخلتها قوات البيشمركة الكردية لمنع تنظيم "الدولة الإسلامية" المعروف سابقا بـ"داعش" من التمدد على طول الحدود مع إيران، ثم أعلن الأكراد أنهم لن يخرجوا من هذه المناطق أبداً، ولن يتفاوضوا حول عائداتها، وهي ملحقة الآن بإقليم كردستان، رغم أن رئيس الإقليم مسعود البرزاني حاول التخفيف من حدة الموقف حين تحدث لاحقاً عن ضرورة إجراء استفتاء يأخذ رأي أقلية عربية وتركمانية موجودة في كركوك وبقية المناطق المتنازع على إدارتها أو تابعيتها لبغداد.
السؤال الذي يتردد عبر الجبال الكردية الآن: من هو الرابح كردياً من ضم المناطق الجديدة للإقليم (نحو 30 في المئة من مساحته الجديدة)؟ فقبل نحو 25 يوماً أعلن الأكراد حكومة إقليمهم بتوازن دقيق، تضمن حجماً أقل لحزب الرئيس الغائب جلال الطالباني (الاتحاد الكردستاني)، واستيعاباً لحزب كوران (التغيير) المعارض بزعامة نوشيروان مصطفى، بينما احتفظ الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة البرزاني بحجمه ورئاسته للحكومة. لكن حزب طالباني يقول الآن إن الأوزان تغيرت، فكركوك أكبر المساحات الجديدة وأغزرها بالنفط هي امتداد جماهيري لـ"الاتحاد الديمقراطي"، الذي يريد منذ هذه اللحظة ثمناً أكبر في الصفقة. وحزب البرزاني الذي يدرك هذه الحقيقة بوضوح، يحاول أن يتهرب من هذا، على إيقاع سؤال أكبر يتهرب منه حزب طالباني: ألم يحن الوقت لاستفتاء شعب كردستان على إعلان دولة مستقلة؟ للأمر انعكاسات كبرى، تتجاوز مدن كردستان، فتركيا تدرك أن حزب الطالباني أقرب إلى طهران، ومكاسبه الجديدة ستجعله يحتاج إلى التقرب من إيران أكثر، لموازنة دور أنقرة في أي دولة كردية قد تظهر على أنقاض "سايكس - بيكو".وفي بغداد بدأت تظهر آثار من ذلك، فبينما يقول البرزاني، إن منصب رئيس الجمهورية من حصة "التحالف الكردستاني" الذي يجمع كل الأحزاب الكردية، وإنه لن يشارك في حكومة يرأسها نوري المالكي، فإن ممثلي حزب الطالباني يذهبون إلى بغداد مستخدمين لهجة أخرى، متسامحة أكثر مع المالكي، ومستكشفة رغبات طهران.التحول العميق لم يكن مجرد جائزة غير مباشرة حصل عليها الأكراد، بل هو في وجهه الآخر عبء على التوازن الداخلي للأكراد، ولكن لا أحد الآن يريد أن يشهد خلافاً داخلياً في كردستان، بل سيظل كل المعنيين بإطفاء النار البغدادية، بحاجة إلى دور كردي متماسك، يعمل وسيطاً بين أنقرة وطهران، والسُّنة والشيعة، وأميركا وكل الأطراف التي لا تتحدث معها في العراق، وأحياناً خارج العراق. يضاف إلى ذلك أن السجال الداخلي الكردي تطور كثيراً منذ بدء النزاع الداخلي منذ خروج المنطقة الكردية عن سلطة صدام حسين إثر حرب تحرير الكويت، وبات، وفق كثير من التقديرات، قادراً على التكيف مع أسئلة "ما بعد الموصل"، دون إنكار أن ما حصل جاء بجائزة مفاجئة، لا أحد كان على استعداد لتلقفها بالطريقة المناسبة.