تكشف تقديرات محافظ البنك المركزي البريطاني أن الاقتصاد البريطاني أدنى بنسبة 1 ـ 1.5 في المئة من قدرته الكامنة، وهي فجوة يستطيع الاقتصاد سدها بسهولة خلال عام. لكن يمكن أن تكون هناك آراء مختلفة تماماً بخصوص هذه النقطة.
هل لايزال لدينا ضوء نسترشد به؟ وقد شرعت البنوك المركزية للتو في عملية خروج طويلة ومحفوفة بالمخاطر من السياسات النقدية الاستثنائية التي حاولت بها مواجهة الأزمة المالية لعام 2008.ويتفق الجميع على أنها عملية صعبة. وكان لدى البنوك المركزية خطة للكيفية التي تتم بها المساعدة تتمثل في "الإرشاد المتقدم"، بمعنى إلقاء الضوء على الخطوات المستقبلة حتى لا تؤخذ الأسواق على حين غرة. وتعِد البنوك بإبقاء أسعار الفائدة منخفضة لفترة طويلة، والسماح للجميع بالتخطيط ضمن بيئة يسودها نوع من اليقين.وكان النبأ المشجع هذا الأسبوع هو أن الهبوط مستمر في مساره. وأن عمليات البيع المكثف المثيرة للخوف في بعض عملات الأسواق الناشئة توقفت. وبعد هبوط بنسبة 5 في المئة في أسعار الأسهم الأميركية، عادت الآن إلى مستوى قريب من أعلى مستوى لها.معدل البطالةوالأمر الذي يثبط المشاعر قليلاً هو أننا لم تعد لدينا أضواء نسترشد بها. ففي بريطانيا والولايات المتحدة عرض مسؤولو البنكين المركزيين أهدافاً محددة لمعدل البطالة لا بد من الوصول إليها قبل أن يتسنى لهم رفع أسعار الفائدة. وحددوا هذه الأهداف بصورة طموحة، حتى يوضحوا أن الأسعار ستظل منخفضة لفترة طويلة.لكن معدل البطالة تحسَّن على نحو يفوق كثيراً ما كان متوقعاً. وأعلن كل من مارك كارني، محافظ بنك إنكلترا، وجانيت ييلين، رئيسة مجلس الاحتياطي الفدرالي ـ وكلاهما من المتمرسين في عمل البنوك المركزية وكلاهما جديد نسبياً في منصبه أن الإرشاد المتقدم القديم لم يعد صالحاً للعمل. وبدلاً من ذلك لا بد لمراقبي السوق من العودة إلى اللعبة القديمة التي تقوم على استباق إجراءات السياسة النقدية، وتوقع قرار يعود بصورة كبيرة إلى التخمينات والتحيزات من قبل مسؤولي البنوك المركزية الذين يتخذونه.خطر التضخمويعاني بنك إنكلترا والاحتياطي الفدرالي المشكلة الأساسية نفسها. فقد تحسنت معدلات البطالة بصورة أسرع كثيراً من التوقعات، وسط تساؤلات حول طبيعة البطالة. وفي العادة حين ينخفض معدل البطالة، فإن هذا يعني ضغطاً صاعداً على الأجور مع خطر التضخم. وحين يعمل الاقتصاد دون مستوى طاقته الكاملة، في حين أن البطالة طويلة الأجل ربما تجعل كثيرين غير قابلين للتوظيف، يعود من الواضح إلى أن معدل البطالة لا يمكن أن ينبئنا بالكثير.بالتالي قرر الاثنان التخلي عن معدل البطالة. وبالنسبة إلى كارني، حين يتم الوصول إلى عتبة 7 في المئة لمعدل البطالة، ستكون قرارات رفع أسعار الفائدة مدفوعة بمزيج من العوامل التي تتركز حول "الفجوة" في الناتج الاقتصادي. وعلى خلاف البطالة التي يصعب قياسها فقط، فإن الفجوة يستحيل قياسها، على اعتبار أنها تشتمل على معرفة المسافة التي يقل فيها الاقتصاد عن طاقته الكامنة، التي هي غير معروفة.وتشير تقديرات كارني إلى أن الاقتصاد البريطاني أدنى بنسبة 1 ـ 1.5 في المئة من قدرته الكامنة، وهي فجوة يستطيع الاقتصاد سدها بسهولة خلال عام. لكن يمكن أن تكون هناك آراء مختلفة تماماً بخصوص هذه النقطة.«الإرشاد النوعي»وفي الولايات المتحدة يتأثر معدل البطالة بأدنى مشاركة منذ جيل ـ أعداد قياسية من الناس لا يحاولون حتى البحث عن عمل، وبالتالي يخرجون من الحسابات. وفي الوقت الذي يقترب فيه معدل البطالة من مستوى العتبة، أكدت يلين "أهمية التفكير في ما هو أكثر من معدل البطالة عند تقييم أوضاع سوق العمل الأميركي". وقال جيمس بولارد، أحد محافظي الاحتياطي الفدرالي، إنه يفضل "الإرشاد النوعي" وليس العتبات الكمية. ووراء ذلك، أكدت ييلين الاستمرار الذي يعتبر إشارة إلى الاستمرار في تقليص مشتريات السندات ضمن برنامج التسهيل الكمي بمعدل عشرة مليارات دولار في كل اجتماع، وفي الوقت نفسه إبقاء أسعار الفائدة منخفضة.هل تحتفظ البنوك المركزية بالسيطرة على الأسواق؟ بالتأكيد تملك ذلك عند مستوى معين. ذلك أن زيادة أسعار الفائدة التي أعلنت عنها البنوك المركزية في عدد من الأسواق الناشئة في الشهر الماضي، بفعل الأزمة، حققت الأثر المطلوب منها. وللمرة الثانية خلال أقل من سنة اهتزت وتقلبت الثقة في الأسواق الناشئة، لكنها تجنبت الانهيار الذي يمكن أن ينقلب إلى أزمة. كما أن أداء يلين أشعل شرارة الانتعاش في الأسهم الأميركية.سعر الذهبلكن الارتفاع المصاحِب في سعر الذهب يبين أن هذا يمكن أن يكون غير صحي. كان الذهب يتراجع في الوقت الذي كان فيه المستثمرون يراهنون على أن البنوك المركزية ستخرج من التسهيل الكمي دون استثارة التضخم. ويبين تعافي الذهب، مرة أخرى، أن هناك مخاوف من أن البنوك المركزية ستظل متهاونة في أسعار الفائدة لفترة أطول من اللازم.ثم لننظر إلى الاسترليني. فقد قوبل انضمام كارني إلى بنك إنكلترا في السنة الماضية باعتباره فرصة لبيع الجنيه. وبالفعل تراجع خلال فترة قصيرة إلى ما دون 1.50 في مقابل الدولار، لكنه الآن أعلى من 1.66 دولار، ووصل أعلى مستوى له منذ ثلاث سنوات.وكان يجدر بكارني أن يُضعف الجنيه هذا الأسبوع، لكنه قال لنا إن علينا أن نتجاهل الإرشاد السابق، وإن أسعار الفائدة ستظل منخفضة فترة طويلة. وكون الاسترليني سجل ارتفاعاً فهذا دليل على أن الإرشاد المتقدم تم من الأصل تجاهله بالكامل. وكان المستثمرون يستخلصون نتائجهم الخاصة حول كيفية تصرُّف البنوك المركزية. باختصار، يعتقد المستثمرون أن بنك إنكلترا سيرفع أسعار الفائدة قبل الأوان، في حين من الممكن أن يرفعها الاحتياطي الفيدرالي بعد فوات الأوان.وهذه بالنسبة للأسواق والبنوك المركزية عودة إلى قواعد الانخراط على النحو الذي كانت عليه قبل الأزمة. وبهذا المعنى على الأقل، نقول إن الأمور عادت إلى طبيعتها.لقد تم تجنب فرصة أخرى لوقوع حادث. لكن سيكون هناك مزيد من الفرص أمام البنوك المركزية والأسواق لإحداث أزمة بينهما قبل أن تعود السياسة النقدية إلى الوضع الطبيعي فعلاً.(فايننشال تايمز)
اقتصاد
عودة إلى لعبة استباق تصرفات السياسة النقدية
18-02-2014