تكريم علي السبتي!

نشر في 16-04-2014
آخر تحديث 16-04-2014 | 00:01
 طالب الرفاعي عرفتُ وصادقت الكثير من الشخصيات المبدعة والمثقفة المحلية والعربية، وفي حالات ليست بالقليلة، كنتُ أجد بوناً شاسعاً بين ما يكتبون من إبداع، وما يدّعون من أفكار، وما يسلكون من أفعال على أرض الواقع. وتتملّك روحي الخيبة، لحظة أشعر أنني كنتُ سأكون أهدأ نفساً، وأجمل ظناً، لو أني بقيت أعرف ذلك الشخص على البعد من خلال كتاباته، ولم أقترب منه لاكتشف سلوكه المشين! فسلوك البعض يبدو أحياناً مُناقضاً تماماً لما ينادون به، مما يبعث على النفور منهم.

لكن، في المقابل هناك منْ تأنس روحك لمقابلتهم والتحدث إليهم، فأنت تكتشف في سلوك الإنسان تكملة لإبداعه، وفي كلماته وأفعاله، ما يعين على فكّ شفرة مواقفه وقناعاته وأقوال شخصيات كتبه.

ومؤكد أن كل منْ يعرف الأديب والشاعر علي السبتي يدرك تماماً كم هو صادق مع نفسه، ومع كل حرف يكتبه! مثلما هو مخلص لقناعات حياته، فهو الوجه الآخر لكتاباته، وكتاباته تقدّمه كأصدق ما يكون.

ولِد علي السبتي عام 1936، وبذلك فإن شاعر الكويت عاش كويت ما قبل النفط، ومعها انتقل إلى كويت الحداثة والحاضر، وخلال تلك المسيرة، مشت روحه على دروب كثيرة، ودائماً ظلت إلى جانب التنوير والحق، وإلى جانب الإبداع انتصاراً لقضايا الضعيف والمحتاج.

لقد كان علي السبتي لعقود أحد أعلام رابطة الأدباء الكويتيين، وظل بطيب روحه، وتواضعه الجم، ومشاركاته الإبداعية، وصوته الجهوري، حاضرا في معظم أنشطتها، حريصاً على أن يكون إلى جانب الشباب، يدعمهم ويشجعهم ويشد من أزرهم وهم يخطون أولى خطواتهم على طريق الكتابة والنشر.

منذ قرابة السنة توارى علي السبتي عن المشهد الإبداعي والثقافي، وافتقدت جلسة "الديوانية" في الرابطة تواجده الجميل بين جنباتها، بسبب وضعه الصحي. ولأنه في القلب والذاكرة، فلقد أقام "الملتقى الثقافي" مساء الأحد 6 أبريل الجاري، أمسية لتكريمه، ولأنه يمثل واحداً من أهم رواد التنوير والإبداع في الكويت، فكان لابدَّ أن يتداعى أصدقاؤه ومحبوه وزملاء مسيرته وأجيال شابة لتكريمه بحضورهم وكلماتهم الصادقة.

وقد أجمع الحضور على أن علي السبتي هو خير من عبّر، شعراً ونثراً، عن هموم المواطن الكويتي، وكانت كتاباته وأشعاره عرضاً صادقاً لتحولات المجتمع الكويتي الاقتصادية والسياسية والثقافية، كما أنه يمثل أحد القلائل الذين تمثّلوا القضايا الاجتماعية بصوت شعري معاصر ومتجدد، معبّراً عن هموم ومواجع ومحن أبناء وطنه، ولم يكن ذلك إلا لأن نبض قلبه يخفق بانتمائه إليهم، وأن كلمات الشاعر لا تعدو أن تكون صوت منْ لا صوت له.

يا صاحبي والهمُّ يجمعنا    دعني أبثّك لاعجاً يفري

أنا ما شكوت لغير ذي ثقةٍ    حمّلته ما ضجَّ في صدري

فاحمل إلى بلدٍ وصيّة من     لولا المنى لاندس في القبر

كل العروق تفجّرت غضباً    حتى عروق الشعر في شعري

علي السبتي ومجموعة من زملائه وأصدقاء دربه، المؤمنين بالحرف والكلمة وصدق الانتماء، شكّلوا حركة إبداعية وأدبية وثقافية كويتية كبيرة، منذ بداية خمسينيات القرن الماضي، وحلّقوا بسمعة الكويت عالياً، مما جعل الكويت علماً يرفرف في المحافل الثقافية والأدبية على امتداد وطننا العربي.

من "الملتقى الثقافي"، ومن جميع من حضر تكريماً لأمسية علي السبتي ومني أنا تحية إجلال ومحبة وتقدير لعلي السبتي، الصديق والشاعر والإنسان. وله منا كل التحايا والمودة وكل الاحترام. فنحن جيل تربى على وصل ونصيحة جيل سبقنا.

ومنا لعلي السبتي قُبلة عرفانٍ بوقوفه إلى جانب الكتّاب الشباب، فهو جسر بين أجيال عدة، وكم أخذ بأيدي الكثيرين لينتقل بهم من ضفة إلى ضفة أخرى أكثر رحابة وإشراقاً وأماناً.

back to top