تداول كثيرون من نشطاء الفيسبوك مقاطع من رواية «الفيل الأزرق» التي يرون أنها تطابق مشاهد فيلم The Tattooist، ما حدا بنقاد وأدباء مصريين إلى المطالبة بوضع آلية للتصدي لمثل هذا النوع من السرقات والتي يصعب إثباتها، وهو ما ردّ عليه المؤلف أحمد مراد ببيان نفى فيه صحة الاتهام مؤكداً أنه استند في روايته إلى واقعة تاريخية وردت في تاريخ الجبرتي.

Ad

وطالب الأديب عبدالوهاب الأسواني بضرورة تفعيل القانون في ما يخص السرقات الأدبية والقرصنة لإعادة ترتيب البيت الأدبي والثقافي من الداخل، مقترحاً أن تخصص دوائر قضائية لهذه النزاعات على غرار المحاكم الاقتصادية ومحكمة الأسرة وما شابه ذلك، على أن يكون الرأي النهائي في السرقة الأدبية من عدمها من خلال ناقد كبير.

 ورفض الأسواني أن يحكم القاضي بنفسه على مسألة الاقتباس أو السرقة فأهل مكة أدرى بشعابها، والمبدعون هم أكثر الناس الذين من الممكن أن يقوموا بهذا الدور إلى جوار القاضي الذي يحكم بناء على رأي الناقد، مشيراً إلى أنه كلما كان هناك مبدعون وكتاب كبار سنجد إلى جوارهم سارقين ومقتبسين لا يذكرون اسم العمل المقتبس منه أو الكاتب الذي استخلص من ورائه هذه الشخصية أو الفكرة.

يضيف الأسواني أن السرقات موجودة فعلاً ولكن الصعوبة الحقيقية تكمن في كشفها والتأكيد عليها، سارداً إحدى الحكايات في هذا الشأن: {في إحدى السنوات كتب أحد الكتاب المصريين الكبار مسرحية وتم نشرها والاحتفاء بها وعرضت على شاشات التلفزيون ونجحت نجاحاً منقطع النظير، وتحدث عنها مؤلفها كثيراً. حتى إنه قال إن اسمها أخذ منه حوالي ثلاثة أشهر كي يستقر عليه. وبعد الضجة خرج علينا الناقد الكبير محمد مندور الملقب بشيخ النقاد آنذاك، ليؤكد لنا أنها مسروقة من مسرحية ألمانية تحمل الاسم نفسه}.

يرى الأديب إبراهيم عبدالمجيد (صاحب دار نشر {الياسمين}) أن حل المشكلة يكمن في تطبيق القانون لأن مصر وقعت على الاتفاقية العالمية لحقوق المؤلف، لكن ثمة عدداً كبيراً من القوانين غير فاعل، ما يجعل السارق يتمتع بسرقته وهو يعلم تماماً أن أحداً لن يلاحقه، خصوصاً أن وسط هذه الفوضى الإعلامية والأدبية نشعر أن مصر خالية من حقوق الملكية الفكرية أساساً، بدليل أن ثمة كتاباً يسرقون أفكاراً علمية وأدبية من كتاب آخرين من دون ذكر اسمائهم حتى في هوامش الكتب.

ويشير عبدالمجيد إلى نقطة أخرى في غاية الأهمية تنبع من كونه ناشراً، وهي أن ثمة مطابع تصدر كتباً كاملة من دون الرجوع إلى المؤلف أو الناشر الأصلي، رغم أن القوانين العالمية حددت بوضوح ماهية السرقة والاقتباس، مؤكداً أن لكل جيل مبدعيه ونوابغه ولكل جيل سارقيه ولصوصه الأدبيين، خصوصاً أن بعض دور النشر يجمع مادة موضوع ما الأدبية أو العلمية ويضعها في كتاب مع اسم مؤلف وهمي، ويطبعها ويبيعها على الأرصفة أو في المكتبات من دون أي ملاحقة أمنية أو فكرية.

قرصنة فكرية

يرى الروائي طارق إمام أن الكتّاب هم أكثر الفئات تعرضاً للقرصنة الفكرية من أي فصيل مبدع آخر، فمثلاً يحافظ الفنانون على إبداعهم من خلال الـ{يوتيوب}، مشيراً إلى أن خسارة الأديب بسبب سرقته لا تكون مادية فحسب، لكنها خسارة مركبة بسبب إهمال الحكومات وعدم العناية بحقوق المؤلف الفكرية، ساخراً من بعض الوزراء الذين يتباهون بأن لديهم حقوقاً ملكية فكرية ولكنها للأسف الشديد على الورق فحسب، وليس لها أي وجود في الأساس.

يتساءل إمام: {هل تم استئذان أصحاب الكتب الأدبية الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي والمكتبات الإلكترونية قبل نشرها على هذا النحو، أم تم تسريبها عن طريق بعض الأشخاص؟ وهو ما يعتبر سرقة أدبية وقرصنة لا محالة لكن لا حياة لمن تنادي}.

الناقد الأدبي عمر شهريار يوضح بدوره أن الأزمة الحقيقية في موضوع السرقات الأدبية ليست في التشريع أو سن قوانين جديدة، بل في عدم تفعيل القوانين الموجودة التي تحمي حقوق المؤلف، مطالباً القيمين على وزارات الثقافة العربية باتخاذ تدابير وقائية لصد الانتهاكات الأدبية ومتابعة الكتب ورصد التي تباع بلا ترخيص، وتفعيل القوانين الموجودة ضد السرقات الأدبية وتعزيز دور الرأي العام.

يقول شهريار: {للأسف الشديد، ثمة انتهاكات أدبية كثيرة تصب في خانة السرقة ولا تتوافر أي إدانة للمرتكبين، ما جعل المبدعين ييأسون من إيجاد حل قطعي لهذه المشكلة التي استفحلت وأصبحت مثل الغول الذي أوشك أن يأكل الوسط الأدبي بأكمله}. أما بالنسبة إلى الاقتباس من أعمال أجنبية من دون إشارة إلى أصحابها الحقيقيين، فيرى شهريار أن نطاق الحماية الممنوحة لحقوق الملكية الفكرية عالمياً ليس على البلد الذي نشر المصنف الفكري فيه للمرة الأولى فقط أو البلد الذي ينتمي إليه الكاتب، بل يمتد ليشمل جميع الدول الأخرى الأعضاء في المنظمة العالمية لحقوق الملكية الفكرية، والدول الأعضاء في المعاهدات الدولية ذات الصلة}.