على الأرجح أن المشير السيسي لن يجد صعوبة كبيرة في حسم الانتخابات الرئاسية المقبلة في مصر لمصلحته، وعلى الرغم من أن منافسه في الانتخابات هو مرشح اليسار القومي العتيد حمدين صباحي، والذي يمتلك حظوظاً وقدراً من المصداقية، وقاعدة جماهيرية، فإن صعود "رجل 3 يوليو"، الذي ساند الشعب في انتفاضته العارمة لإزاحة "الإخوان"، إلى سدة الرئاسة يبدو شبه محسوم، بسبب أنه الأكثر قدرة على الوفاء بأهم عناصر الطلب الوطني الراهن: الدولة، والأمن، والاستقرار.
يخوض الرجل القوي والأكثر شعبية والأكثر تمتعاً بالثقة في الداخل والخارج، معركة شرسة مع قوى الإرهاب الأسود، وتدابير التنظيم الدولي لـ"الإخوان"، وبقايا التحالف الدولي- الإقليمي ضده، وجملة من التحديات والمخاطر الاجتماعية والاقتصادية الصعبة، لكن عوامل انتصاره في تلك المعركة تبدو متوافرة.سينشأ الإشكال لاحقاً، ومع بدء ولايته المتوقعة الأولى ذات السنوات الأربع.سيكون مطلوباً من السيسي أن يحدد شكل الدولة التي سيحكمها، والنخبة التي سيعتمد عليها في سبيل تنفيذ سياساته، وإدراك الاستحقاقات الخطيرة التي أعلن تصديه لها، حين تلا بيان "3 يوليو"، وحين أعلن اعتزامه الترشح للرئاسة، واستقال من موقعه على رأس المؤسسة العسكرية المصرية، قائلاً إنه سيذهب إلى معركة جديدة في خدمة الوطن، لكن بزي جديد، وميدان جديد.الميدان الجديد سيكون في حاجة إلى اعتبارات جديدة، ورجال جدد، واستراتيجية واضحة.هناك ثلاثة سيناريوهات أمام السيسي لإنجاز هذا الاستحقاق، وهو لم يحدد، بشكل جازم، حتى اللحظة الراهنة، أي تلك السيناريوهات سيختار.السيناريو الأول: في هذا السيناريو، سيتضح لنا أن السيسي، مثل كثيرين في المؤسسة العسكرية المصرية، كان يعارض فساد مبارك، وليس استبداده، وكان يتحدى توريث جمال، وليس زعامة الأب الذي أبلى بلاء حسناً في حرب التحرير الوطني في 1973 ضد إسرائيل، وكان ينتقد "الحزب الوطني" وسياساته غير الناجعة، دون أن يعتبره كياناً نفعياً انتهازياً خرباً، ومجمع مصالح مشبوهة.واستناداً إلى ذلك، فإن السيسي، وفق هذا السيناريو، سيعيد لملمة أعضاء نخبة الحكم في عهد مبارك، وسيعتمد على مجموعة من رجال الأعمال الذين أثروا من فساد عهده، وسيعيد بناء أجهزة التسلط الأمني، و"دولاب" الإدارة المحلية، الذي كرس الفساد، وأدمن تزوير الانتخابات وتحزيمها لمصلحة السلطة الحاكمة عبر عقود ثلاثة. كما سيجدد الثقة بطبقة الإعلاميين الأفاكين، الذين اصطفوا لتكريس حكم نظام مبارك قبل أن ينهار، ويحاولون الآن العودة إلى الواجهة، واحتلالها، ليغسلوا سمعتهم، ويؤكدوا أنهم انتصروا على "25 يناير"، التي سيصفوها بأنها "مؤامرة لتخريب البلاد تم دحرها بواسطة الشرفاء من أمثالهم".وفي طريقه لتفعيل هذا السيناريو، سيتلقى السيسي دعماً كبيراً من بعض الدول الإقليمية، التي اعتبرت أن إطاحة مبارك هددت مصالحها، وأن إعادة بناء نظامه، على أكتاف السيسي وشعبيته العارمة، سيكون انتصاراً لرؤيتها وتحقيقاً لمصالحها.وسيسعى السيسي، مستنداً إلى عناصر الدعم الخارجي والداخلي، وفق هذا السيناريو، إلى تقليل مظاهر الفساد الفاجر، ودرجة من توسيع المشاركة، وسيطلق عدداً من المشروعات التي قد تحدث رواجاً، يساعده في تحقيق نمو دفتري، و"تدوير عجلة الإنتاج".لكنه لن يكون قادراً على الوفاء باستحقاقات جوهرية تتعلق بمطالب ثورة 25 يناير، وموجتها الثورية الثانية في 30 يونيو.السيناريو الثاني: في هذا السيناريو، سيكون السيسي قد وعى الدرس جيداً، وأدرك أن سقوط نظام مبارك، ومن بعده حكم "المجلس العسكري" السابق، وسلطة "الإخوان"، كان بسبب عجز تلك الأنظمة الثلاثة عن الوفاء بالاستحقاقات الجوهرية لثورة 25 يناير.سيظهر السيسي، وفق هذا السيناريو، أنه فهم جيداً رسالة الجماهير، التي اعتصمت لمدة 18 يوماً في ميدان التحرير للمطالبة بإزاحة مبارك، والتي أرست مطالب ثورية جوهرية، حددتها في الشعار: "عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية".في هذا السيناريو، سيعتبر السيسي أن وفاءه باستحقاقات 25 يناير شرط أساسي لتعزيز قاعدة حكمه، واستدامة سلطته، وتحقيق أهدافه، ودخول التاريخ من أوسع أبوابه.سينتهج السيسي، وفق هذا السيناريو، سياسات تعكس توجه يسار الوسط، وسيتأكد من إيجاد حلول ناجعة لأزمة المهمشين والمحرومين، وسيسعى إلى توفير فرص العمل، واحترام معايير حقوق الإنسان، وغل يد السلطة الأمنية عن الممارسات الحادة والاستبدادية.سيحاول السيسي، إذا اعتمد هذا السيناريو، إصلاح جهاز الدولة البيرقراطي، ومحاربة الفساد، وتنقية التشريعات، وتأمين آليات المشاركة الجماهيرية الواسعة في العمل الوطني، وسيحاول تمكين الشباب، عبر تحرير طاقاتهم، وإتاحة فرص العمل، والتفكير، والمشاركة، والوصول إلى دوائر السلطة، لهم.سيعمل السيسي، إذا اتبع هذا السيناريو، على تحرير الإعلام وضبط أدائه، وإيقاف الهجوم الحاد على رموز ثورة يناير، دون أن يقيد الحريات أو ينتهكها، وسيكرس احترام الدولة لمطالب تلك الثورة، وسيعتبر أن الالتزام بتحقيقها ضرورة وشرف، وأن النكوص عنها ردة وخطر، وسيحترم حقوق الإنسان، وسيسهر على تطبيق القانون، وسيصون سيادته.السيناريو الثالث: في هذا السيناريو، سيحاول السيسي أن يمسك العصا من المنتصف؛ ولن يوضح موقفه من الأسئلة الجوهرية الصعبة. سيسعى إلى استمرار التحالف العريض الذي حمله إلى صدارة المشهد السياسي؛ أي تحالف "رافضي فاشية الإخوان".سيتعامل السيسي مع أطياف هذا التحالف بذرائعية وعدم حسم. سيترك "الفلول" يعتقدون أنه منهم، وأنه يعيد بناء دولة مبارك لهم، وأنه يشكل اعتذاراً تاريخياً لهم عما لحق بهم من إساءات، وباباً جديداً يعودون من خلاله إلى جمع الغنائم وتحقيق الأرباح.وسيترك أنصار ثورة 25 يناير يعتقدون أنه أتى لينفذ مطالبهم، وأن صمته عن استعادة "الفلول" لمواقعهم يأتي في إطار محاولة تسخير طاقاتهم لخدمة العهد الجديد، وأن الانتهاكات التي تقع من أجهزة الأمن، والاعتداء على حقوق الإنسان، وتكريس التوجه اليميني في الحكم والإدارة الاقتصادية ليست سوى تدافع بالقصور الذاتي، واستغلال لحالة الغموض والانفلات التي تشهدها البلاد.على السيسي أن يسارع باختيار سيناريو من السيناريوهات الثلاثة، وعليه أيضاً أن يعلن بوضوح السيناريو الذي اختاره، وهو الأمر الذي ستتبعه استحقاقات واضحة ملزمة لتفعيل هذا السيناريو.سيمكننا أيضاً أن نقدم نصيحة في هذا الصدد.إذا اتبع السيسي السيناريو الأول، أي إعادة بناء دولة مبارك على كتفيه، مستفيداً من شعبيته، وكونه "اختيار الضرورة"، الذي لا بديل آمناً له، فسيكون قد أخطأ خطأ كبيراً.في هذه الحالة، ستتجمع دوافع الموجة الثالثة لثورة يناير، وستدخل البلاد في نفق جديد مظلم، وسيدخل هو التاريخ من زاوية الإخفاق والفشل وتضييع الفرصة السهلة.وإذا اختار السيناريو الثالث، أي مسك العصا من المنتصف، وإعطاء الانطباع بالرغبة في بناء "مصر الجديدة" على قاعدة مطالب "ثورة يناير" دون أن يرسي السياسات المؤدية إلى ذلك، فسيكون عصره غارقا في الاضطرابات، وسيكون فوزه بولاية ثانية محل شك كبير.يبقى أمام السيسي السيناريو الثاني، أي الانتصار لقيم ثورة يناير ومبادئها ومطالبها، وطرح رؤية لمصر جديدة، تقوم على احترام سيادة القانون، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد، وإرساء قواعد الحكم الرشيد. ذلك هو السيناريو المأمول والآمن والأكثر استفادة مع دروس التاريخ، وتجاوباً مع استحقاقات المستقبل.* كاتب مصري
مقالات - زوايا ورؤى
ثلاثة سيناريوهات للسيسي
06-04-2014