بينما تنظر المحاكم الجزائية يوميا العشرات من القضايا التي يتهم فيها العديد من الأشخاص بقضايا مخدرات أو سرقة أو خطف، أو غيرها من القضايا الجزائية، ويطلب فيها المحامون حضور ضباط المباحث أمام المحاكم للاستماع إلى أقوالهم ومناقشتهم، فتكون إجاباتهم لدى سؤالهم عن مصدر تحرياتهم أن المصادر السرية هي التي دلت عن ارتكاب المتهم للجريمة، أو أنه هو المسؤول عنها، وعند السؤال عن هوية المصادر السرية ذكرا كان أو أنثى، يعمل في الحقل الأمني أو الإجرامي، تكون إجابة الضابط لا يمكنني الكشف عن مصادري السرية!
مثل تلك الإجابات، التي يسطرها بعض ضباط المباحث، وهم كثر، في تحقيقات النيابة العامة أو أمام المحاكم الجزائية، لا يمكن تصنيفها إلا بأنها إجابات مضللة للعدالة، هدفها إما تلفيق التهم لأشخاص قد تحوم حولهم الشبهات فقط، أو أنهم رفضوا العمل تحت إمرة بعض ضباط المباحث، أو أن الضابط أراد أن يستر تحرياته برداء «المصادر السرية»، وهو رداء قصير لا يمكن أن يستر عورة التحريات الباطلة أو الإجراءات المصطنعة، ولا حتى عدم معقولية الواقعة، طالما أن المتهم تمسك بالإنكار منذ فجر التحقيقات!عندما يقدم المتهم أمام القضاء الجنائي بتهم حيازة وإحراز كميات كبيرة من المواد المخدرة، أو سرقة العديد من المحلات، أو خطف العديد من الأشخاص، وتكون العقوبة التي ينتظرها هي الحبس المؤبد أو الإعدام، ويكون الدليل الأوحد بها هو أقوال الضابط التي يستند فيها إلى مصادره السرية، التي لا يريد الكشف عنها حتى أمام المحكمة، فنحن أمام معادلة صعبة ينظرها القضاء، ستنتهي إلى تطبيق فكرة الشك يفسر لمصلحة المتهم، لأنها حتما لن تنهي حياة إنسان الأصل فيه البراءة بسبب ضابط رفض الكشف عن تحرياته بدعوى سرية مصادره!وعندما ينص القانون على ضرورة توافر العديد من الضوابط التي يتطلبها أمر القبض والتفتيش على الأفراد فيتعين على جميع الجهات المنفذة أن تراعي تطبيق تلك الضوابط، وتحترم تلك النصوص لأن عدم احترامها سيجبر القضاء على التدخل حفاظا على تلك الحقوق وتلك الحريات، تأكيدا لمنهجه السابق بأنه «لا يضير العدالة إفلات مجرم من العقاب بقدر ما يضيرها الافتئات على حقوق الناس وحرياتهم»!الخلل الذي تعانيه القضايا الجزائية وللأسف ليس مرده السلوك المخالف لبعض رجال المباحث فقط، بل يشترك معهم في تلك المخالفات نهج بعض المحققين في تلك القضايا، فالأذونات التي يصدرها بعض المحققين يجب أن تكون قبل عملية ضبط المتهم لا بعد ضبطه، وأن يكون الإذن بعد تقديم الضابط لتحريات جدية سابقة عليه لا لاحقة، وأن يكون الإذن مشتملا على البيانات التي اشترطها القانون، فضلا عن صدوره من مختص، وهو من الأمور التي يجب عدم التهاون فيها تحت أي مبررات كانت أو المصلحة التي من أجلها انتهكت، فلا قيمة لمصلحة تنتهي بانتهاك حقوق الأفراد وحرياتهم، ولا بمصلحة تقضي بضبط الأشخاص لمجرد الاشتباه بهم لمجرد الشك، وتنتهي إلى الرمي بهم في السجون، ولا لمصلحة تنتهك خصوصيات الأفراد وتسمح بتفتيش مساكنهم ومركباتهم دون مسوغ قانوني، ولا لمصلحة تجعل من الدستور ومبادئه حبرا على ورق!
محليات
مرافعة : مصادري السرية!
20-04-2014