قوى سياسية: قانون «هيئة الاتصالات» ينتهك الحريات وحق اللجوء إلى القضاء
أجمع ممثلو عدد من التيارات والقوى السياسية على أن قانون هيئة الاتصالات الذي أقره مجلس الأمة بحاجة إلى تعديلات تحفظ حق الفرد، من خلال تمكينه من حق اللجوء إلى القضاء، مؤكدين أن «القانون بصورته الحالية يفتقد الكثير من الضوابط والضمانات التي تكفل حرية الفرد».وأضاف المتحدثون، في ندوة «قانون هيئة الاتصالات... خطوة جديدة للوراء» التي نظمها المنبر الديمقراطي مساء أمس الأول في ديوانية النائب السابق عبدالله النيباري، أن «التصدي لأي قوانين تمس الدستور في المرحلة المقبلة لا يقتصر فقط على مجلس الامة، بل يجب على القوى السياسية الوطنية والمحامين الوطنيين القيام بجهد أكبر في هذا الشأن»، موضحين أن «هناك مثالب قانونية في قانون هيئة الاتصالات الجديد تحتم إجراء تعديلات عليها عن طريق المجلس».
وأكد المحامي حسين العبدالله أن «قانون هيئة الاتصالات لا يختلف كثيرا عن قانون الإعلام الموحد، لاسيما أنه أوجد رقيبا من جهاز تنفيذي بعيداً عن القضاء يقوم بمنع وإيقاف كل ما يتصل بحجب المعلومات وقطع الاتصال الشخصي دون أي مسوغ قانوني، أو حتى تمكين المواطن من التظلم من حجب المواقع والصحف الإلكترونية وغيرها»، موضحا ان «موضوع الحريات يصبح أصعب في ظل الظروف الإقليمية التي نعيشها».مسوغ قانونيواعتبر العبدالله أن «الحالة التي عليها بعض نصوص القانون جعلتها تندرج تحت عدم الدستورية، وأن التعريفات غير المحددة ستسمح للمحاكم بالتوسع على نحو غير مقبول لتجريم ما يقع من برامج، لمجرد أنها استخدمت من وسائل اتصالات، من دون تحديد لتعريفها أو مضمونها، الأمر الذي يخالف فلسفة التشريع الجنائي، الذي يستلزم الوضوح والتحديد في مقاصد التشريع، حتى يتنبه المخاطبون إلى تجريم الأفعال التي يمارسونها، كي يتجنبوها»، لافتاً إلى أن «القانون سمح للهيئة بحجب أي مواقع إلكترونية، من مدونات وغيرها، بناء على قرار من هيئة الاتصالات دون مسوغ قانوني أو قضية أو قرار من النيابة».ضمانة مهمةوأشار العبدالله إلى أن «القانون فقد ضمانة مهمة وهي حق الدفاع، فمن حق المتضرر اللجوء إلى القضاء وإلغاء الإجراءات»، مبينا ان «القانون يمنح الهيئة صلاحيات إصدار الأوامر، والشركات تكون ملزمة بالتنفيذ بناء على أهواء سياسية أو شخصية سواء من الهيئة أو السلطة، خصوصا ان القانون اعطى الهيئة او السلطة الحق في حجب المدونات او البرامج او حجب الصحف الالكترونية او المواقع دون إذن من النيابة العامة أو وجود أمر قضائي من المحكمة، وبالتالي إذا وجدت مواقع تزعج السلطة وطلبت حجبها فإن الهيئة تستطيع حجبها دون الحاجة إلى إذن النيابة، وهذا مخالف للقانون».وتابع أن «قطع الاتصال الشخصي في ظل القانون الحالي يتم لدواع أمنية، وهذا مصطلح فضفاض، خصوصا مع عدم توضيح هذه الدواعي الأمنية، إذ يكفي طلب أي مسؤول في الدولة قطع خط أي مواطن أو مقيم دون الحصول على موافقة جهات الاختصاص، وهذا يعارض أحكام الدستور»، موضحاً أن «القانون يمنح قطع الاتصال بديمومة دون تحديد فترة محددة أو توضيح الأسباب، ولأن السبب يكون لدواع أمنية، فإن ذلك يفقد الشخص حقه في اللجوء إلى القضاء للمطالبة بإلغاء القرار».تعديلات مستحقةوبين العبدالله أن «التعديلات على قانون هيئة الاتصالات التي قدمها النائب راكان النصف تعديلات مستحقة، إذ يجب أن يراعي فيها المشرع حق التظلم للأفراد، وكذلك قطع الاتصال بناءً على إذن النيابة العامة، وأن يكون القطع مؤقتا لا دائما ولدواع قضائية ويعرض على المحكمة»، مؤكدا ان «التعديلات المطروحة تم ربطها بالمواد الدستورية، وأنا شخصيا متفائل بالتعديلات التي طرحها نواب مجلس الأمة المصلحون ومنهم النائب راكان النصف، وبالفعل تم تقديم نحو 20 تعديلا تشريعيا في هذا الشأن، لأن ما يهمنا اليوم حرية الأفراد لا السطوة الأمنية».فهم الحرياتمن جانبه، أكد أمين سر «التحالف الوطني» بشار الصايغ «اننا في الكويت نعاني مشكلة فهم الحريات، فهي مختلفة من شخص إلى آخر في مقياسها وكيفية تطبيقها»، موضحا أن «الأمر لا يتعلق بمجلس الأمة، إن كان شرعيا أو غير شرعي، بل بمن يصل إلى المجلس».وأضاف الصايغ انه «إذا أردنا تناول الأحداث في المجالس الأخيرة فإننا سنجد ان المشكلة في طبيعة المشرع عندما يكون غير مدرك لمفهوم الحرية»، مشيرا إلى أن «المجلس المبطل الاول، الذي كان يعتقد أنه مجلس الأغلبية ويدّعي أنه شرعي، انتهك حرية المواطنين، وتحديدا عندما طالب بتعديل المادة 79 من الدستور لأسلمة القوانين، وهذا مرتبط بفهم نواب مجلس الأمة للحرية، والمجلس نفسه أيضا قدم تعديلا نجني أشواكه اليوم، وهو التعديل على قانون المرئي والمسموع الذي أتاح للحكومة إغلاق الصحف أسبوعين بأمر من النيابة العامة»، لافتا إلى أن «هذا التعديل لم يأت من مجلس شرعي أو غير شرعي، نتفق أو نختلف حوله، لكن هذه التعديلات تعكس فهم الأشخاص الخاطئ للحريات».وتابع: «كان هناك أيضا توجه قوي من المجلس المبطل الثاني لتمرير الاتفاقية الأمنية، وهذا يعكس فهم النواب في ذلك الوقت لمفهوم الحرية»، مشيدا «بالدور الذي قام به المنبر الديمقراطي في هذا الشأن، خصوصا بإقامة الندوات والتواصل معنا لرفض الاتفاقية الأمنية، وقد نجاحنا في ذلك»، مؤكدا أنه «يجب أن نفهم من الذي يحدد مفهوم الحريات. فأنا أفخر بأنني أحد منتسبي التيار الوطني، لأن الحريات لدينا واضحة بعيدا عن أسلمة القوانين والتشريعات، لأننا ننظر إلى حرية الإنسان حسب ما ورد في الدستور».مثالب دستورية وأشار إلى أن «قانون هيئة الاتصالات فيه مثالب قانونية ودستورية، فهل نصمت أمامها أم نتحرك لإصلاحها وفق الأطر الدستورية؟»، مضيفا «نحن أمام خيارين، إما القول ان المجلس لا يمثلني ونحن مقاطعون، ونجني الشوك ونندم، أو نعمل مع المجلس الحالي الذي نعتبره شرعيا، ولنا فيه ممثلون، لبناء قوانين وتعديلات»، مبينا «أننا تبنينا هذه التعديلات بالتنسيق مع المحامي حسين العبدالله والنائب راكان النصف لتقديم ضمانات أكثر لحريات المواطنين»، مشيرا الى ان «التعديلات قُدمت، وحاليا هي لدى اللجنة التشريعية، ولا أتوقع أن يتم البت فيها خلال دور الانعقاد الحالي أوشك أن ينتهي، لكن الأهم إصلاح الخطأ حتى لا يصبح عرفا، وبالتالي يصعب إصلاحه، لاسيما ان هناك الكثير من القوانين تتعارض مع فهمنا للحريات».مجلس شرعيودعا الصايغ التيارات الوطنية الديمقراطية ألا تتوقف عند حاجز أن هذا المجلس شرعي أم غير شرعي، «كي لا نكون خارج المشهد، والاخوة في المنبر الديمقراطي رغم مقاطعتهم للانتخابات، أدركوا أن ما يصدر من قوانين من هذا المجلس سيسري على الكل، فبادروا إلى إقامة الندوة لتوعيتنا جميعا، وأدعو كل من لديه ملاحظات على قوانين سواء هيئة الاتصالات أو غيرها، للجلوس معا لإجراء التعديلات عليها»، مؤكدا أن «الكويت اليوم لا تحتمل المزيد من التشنج، ونحن في (التحالف) نرى أن المجلس شرعي، وسنتحرك على هذا الأساس، وندعو الجميع إلى تجاوز ما مضى».خطورة كبيرةبدورها، أكدت ممثلة الحركة المدنية (حدم) شيماء العسيري، أن «هذا القانون يمس حرية الفرد بشكل كبير»، موضحة ان «سلطة الهيئة كبيرة مما يشكل خطرا على المواطن، لاسيما ان المجلس الذي أتى بمرسوم مرفوض يصدر قوانين تجعل من صلاحيات هذه الهيئة الحجب والمنع دون الرجوع إلى المحكمة، وهذا الأمر يشكل خطورة كبيرة». وأوضحت العسيري ان «موقفنا الرافض لهذا القانون ينبثق من شقين، الأول، سياسي، إذ اننا لا نرفض هذا القانون فحسب، بل جميع القوانين الصادرة عن مجلس الأمة الحالي الذي أتى بمرسوم ضرورة لا عن طريق قانون، لأن هذا النظام الانتخابي كرّس الطائفية والقبلية، والنتيجة إفراز ممثلين للشعب لا يعكسون رغباتنا كمواطنين، بل جاؤوا كغطاء تشريعي لعمل السلطة، وهذا ما رأيناه في شطب استجواب رئيس الوزراء دون مناقشة محاوره، ما ترتب عليه استقالة خمسة نواب آثروا عدم إكمال المسرحية».مجلس الإدارةوأضافت أن «الشق الآخر قانوني، إذ إن بعض مواد القانون، كالمادة 92، تهتم بحرية الفرد المرتبطة بحرية التعبير وسرية الاتصالات، وجوانب أخرى تتعلق بالمال العام»، مشيرة إلى أن «السلطة سلمت الهيئة صلاحيات قضائية كبيرة، ومتى ما دخلت الكويت في اتفاقية أمنية أو غيرها في مجال الاتصالات فسنبقى مهددين داخل بلدنا وخارجه»، مبينة أن «تشكيل مجلس ادارة الهيئة أيضا أمر مستغرب، إذ يتكون من عشرة أعضاء، ثلاثة منهم غير متفرغين، وهذا الأمر يثير تساؤلا حول تعارض المصالح والمنافسة».حكومات رجعيةمن جهته، قال ممثل التيار التقدمي محمد نهار، ان «الحكومات الرجعية دائما تكرر أخطاءها ظنا منها أنه يمكن احتواء إرادة الناس من خلال سن القوانين، وهذا لا يمكن حاليا في ظل التطور الذي يعيشه العالم في مختلف المجالات».وأضاف نهار أن «هذا القانون فعلا يمثل نهج الحكومة وطريقتها لخلق دولة بوليسية»، مؤكدا ان «الدستور كفل في مواده حرية التعبير والنشر والمراسلة وحق التجمع والتقاضي وغيرها من الحقوق التي تعد مكتسبات دستورية، ودور الحكومة المحافظة على تلك الحريات والمكتسبات، لكن للاسف الوضع معكوس»، لافتا إلى ان «هذا القانون مر بهدوء بسبب ضعف النواب داخل مجلس الأمة».وأشار إلى أن «هناك من يعتقد اننا في دولة متطورة رائدة، لكن لا يمكن ان نكون كذلك بدون حريات وحكومة منتخبة»، مشددا على «ضرورة تصدي القوى السياسية لكل القوانين التي تضر مصلحة البلد والمواطن».انتهاك الحرياتمن جانبه، أكد ممثل المنبر الديمقراطي علي العوضي أن «المنبر يرفض رفضا تاما أي انتهاك للحريات»، موضحا ان «مواد قانون هيئة الاتصالات خرجت عن المسلك الصحيح، لاسيما أن هذا القانون شبيه بالقانون المصري الموجود من عام 2003 الذي منح السلطات أحقية الرقابة الشديدة على الاتصالات».وأضاف العوضي أن «اللجنة التشريعية في مجلس الامة، للأسف الشديد، أقرت دستورية القانون وعدم وجود مثالب فيه، فهل يعقل أن تناقش اللجنة هذا القانون في 14 يوما؟، هذا أمر لا يصدق»، مشيرا إلى أنه «تم عقد ثلاثة اجتماعات، ومن ثم عرض على مجلس الأمة وتمت الموافقة عليه بالإجماع من قبل 45 نائبا».ولفت إلى أن «مجلس الأمة يشرع ويوافق على قوانين فيها انتهاكات وشبهات دستورية، والحكومة تأتي بقوانين عن طريق نوابها الموالين تقودنا الى مأزق كبير لما فيها من انتهاكات ومساس للدستور»، مؤكدا أن «الدور ليس مقتصرا على مجلس الأمة فقط، بل يجب على القوى السياسية الوطنية والمحامين الوطنيين التصدي للقوانين التي تمس الدستور»، لافتا إلى أننا «الآن في صراع ما بين شيوخ، وسيأتي أسوأ من قانون هيئة الاتصالات بسبب كل تلك الصراعات».