عبدول السنغالي أو عبدول "دُنيا" كما أسميه أنا هو مهاجر إفريقي من مئات آلاف المهاجرين الأفارقة في أوروبا، عرفته منذ ما يزيد على عامين في إحدى الدول الأوروبية، وبسبب بقائي هناك فترات طويلة لظرف خاص توثقت علاقتي به.
عبدول دنيا هاجر إلى أوروبا بطريقة غير شرعية منذ ما يزيد على 13 عاماً، والآن هو مسؤول "ديسك الاستقبال" في أحد الفنادق الجيدة ويحمل جواز سفر أوروبياً بعد أن سوى أموره وجلب زوجته وأولاده إلى مقر إقامته، بعد أن منحوا هم أيضاً الجنسية الأوروبية.عبدول كلما تصادفنا في مقهى أو مررت من جانب فندقه والتقيته، وتجاذبنا أطراف الحديث انتقد مجتمعه الأوروبي الذي يعيش فيه وقال بالعربية الركيكة: "يعيشون من أجل الدنيا" ويكرر "دُنيا..دُنيا"، بينما هو شخصياً يعمل من أجل الآخرة، ولذلك أطلقت عليه "عبدول دنيا"، وهو شهم ويقدم النصيحة بشأن أمور الحياة اليومية التي يبحث عنها الزائر في أي بلد أجنبي، ولكنه متذمر من المجتمع الذي استضافه ومنحه جنسيته، ولا أعلم لماذا لا يعود إلى بلده الأصلي إذا كانت مطالبه الروحية الإيمانية غير متوافرة في أوروبا؟ علماً أن السنغال بلد مستقر ولا يمثل البقاء فيه تهديداً على الحياة، كما أنه بلد لا يعاني كبعض الدول الإفريقية المجاعات أو الانهيار الاقتصادي.عبدول هو مثال على تناقض شخصية ورؤية المسلم المعاصر للآخر، الذي يحكم عليه بسطحية، فالأوروبي الذي يحرص على عدم تبيان عقيدته ومذهبه وممارسته لطقوسه الدينية باعتبارها أمراً خاصاً به بينما يتفانى في عمله وخدمة بلده واحترام حقوق الآخرين وديانتهم، يعتبره عبدول ومعظم أقرانه بأنه "دنيوي – مادي"، بينما يعتبر المسلم الذي يسبغ على شكله بعض المظاهر الدينية ويحرص على أن يشاهده البعض في المسجد أو في ركن الصلاة في مكان العمل أو الحسينية، وبعد ذلك يذهب بعضهم إلى ممارسة أبشع الأعمال ضد وطنه وشعبه، فهو مؤمن ومثالي ومجتمعه مفعم بالفضيلة والمثالية!والأمثلة عديدة عن هؤلاء فهناك من يذهب بعد ظهوره المكثف في مراكز العبادة إلى عيادته الطبية ليحول علمه ومعرفته إلى تجارة يستغل الناس بها، أو ذلك المحامي الذي يراكم ملفات القضايا في مكتبه لجمع الأتعاب دون أن يستطيع أن يقرأها أو يعد المذكرات المناسبة لها ويتغيب عن حضور الجلسات ويضيع حقوق موكليه، وأستاذ الجامعة الذي يصنف طلبته اجتماعياً وسياسياً ويمنح المقرب منه درجات لا يستحقها، وموظف الحكومة الذي يتهاون في حقوق مراجعيه، والسياسيون الفاسدون الذين يملأون مجتمعاتنا والتاجر المحتكر الجشع المتهرب من دفع ضريبة مواطنته وأرباحه، هؤلاء جميعاً الذين يتسببون في تردي العالم الإسلامي وتخلفه، هل تعفيهم ممارساتهم الدينية التي يحرصون على إظهارها من ذنبهم في دمار مجتمعاتهم وتراجعها؟ وهل لدى "عبدول دنيا" الإرادة لترك مجتمعه الجديد الذي يضمن حقوقه واحترام عقيدته وقمع الفساد أينما ظهر من كبير أو صغير، ليعيش في مجتمعات مسلمة تبحث عن آخرتها وتدمر حاضرها؟!
أخر كلام
«عبدول... دُنيا»!!
15-05-2014