عواقب عالمية لعقيدة روسيا المعادية للغرب

نشر في 02-04-2014
آخر تحديث 02-04-2014 | 00:01
قد تكون إيديولوجية روسيا مجموعة أشياء مختلطة من دون نظام: الانتقاد السوفياتي القديم لنفاق «الديمقراطية البورجوازية» إضافة إلى بعض معادة أوروبا والاتجاهات العالمية والانحرافات الجنسية الهادفة إلى جاذبية معاصرة.
 واشنطن بوست في منتصف محادثة متماسكة مع محام من جورجيا هنا– وقد اشتملت المواضيع على القضاة والنظام القضائي والشرطة– أذهلني تعليق صدر عنه حول الحكومة السابقة في بلده، التي كانت بقيادة الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي. قال بنبرة تآمرية إن الحكومة كانت "إل جي بي تي".

وسألته، بدهشة، ماذا يعني ذلك؟ هل كان يشير الى شريحة سحاقية، أم مخنثة، أم ثنائية الجنس؟ وهل القصد هو زواج المثليين؟ وهل هم حقاً كذلك؟ لكنه لم يتمكن حقاً من تحديد ذلك على الرغم من استمرار المحادثة في ذلك الاتجاه لعدة دقائق أخرى، تناولت أيضاً قضية الخيانة الزوجية للرئيس السابق وترقيته لنساء في عالم السياسة، وعدم احترامه للكنيسة.

وتمكنت بعد ذلك من تحديد المعنى. كان المحامي يرمي إلى القول إن ساكاشفيلي– الذي دفع بلاده بقوة نحو أوروبا، وقربها ما أمكن من حلف شمال الأطلسي واستخدم تكتيكات قاسية في محاربة جماعة مافيا ما بعد الاتحاد السوفياتي التي هيمنت على جورجيا– كان "غربياً إلى حد كبير"، ولم يكن محافظاً بما يكفي، ولا تقليدياً بما يكفي، كان عصرياً الى حد كبير، ومصلحاً وأوروبياً. في الماضي كان يمكن لمثل هذا الناقد أن يدعو ساكاشفيلي "شخصية عالمية بلا جذور"، أما اليوم فإن تلك الكلمة الرمز المهينة لمثل ذلك الرجل في الفضاء السوفياتي السابق– بغض النظر عن فكرة اللواطة– تعني "إل جي بي تي".

كانت لحظة تنوير، ومثل أوكرانيا كانت جورجيا واحدة من جمهوريات ما بعد العهد السوفياتي التي حاولت إخراج نفسها من مجال النفوذ الروسي، ولكن جورجيا، بخلاف أوكرانيا، ليس فيها مجموعة كبيرة من المتحدثين باللغة الروسية، ولدى سكان جورجيا ما يبرر خوفهم من روسيا، ومنذ غزو جورجيا في سنة 2008 احتلت القوات الروسية المناطق الجورجية في أوسيتا الجنوبية وأبخازيا؛ حوالي خمس مساحة البلاد، كما تتمركز الدبابات الروسية على بعد بضع ساعات من العاصمة الجورجية.

وعلى الرغم من غياب المتحدثين باللغة الروسية فإن ثمة صورة للعقيدة الروسية المعادية للغرب يمكن ملاحظتها هناك أيضاً. إنها نظرة أقلية تنتشر في أوساط قادة دينيين– ويحتفظ جزء من الكنيسة الأورثودكسية الجورجية بصلات مع موسكو– من خلال بعض الأحزاب السياسية الموالية للكرملين ووسائل الإعلام المدعومة من روسيا، ولكنها تجد دعماً محلياً على شكل أحاديث تتسم برهاب الأجانب ومعاداة أوروبا والانحراف الجنسي في الوقت الراهن، وفي بعض الأحيان تتحول إلى جدال لمصلحة الأوليغاركيين أو الجماعات الاقتصادية وضد الاستثمارات الأجنبية أو القوانين التي تخلق ساحة لعب متوازنة ومتساوية، وهي تركز دائماً على التفسخ الغربي والاقتصادي أو الجنسي وترحب بأي إشارة على التردد الغربي.

 وعندما أبلغ الرئيس أوباما العالم هذا الأسبوع بأن جورجيا– التي ظلت لعقد من الزمن تجهد بتشجيع نشيط من الولايات المتحدة من أجل تلبية مقاييس شراكة حلف شمال الأطلسي- ليست "على الطريق نحو عضوية حلف شمال الأطلسي"، فقد عزز على الفور ذلك النوع من الجدال في العاصمة تبليسي.

خيارات السياسة الخارجية

وسواء أحببنا ذلك أم لا فإن خيارات السياسة الخارجية تنطوي بازدياد على عواقب محلية في عالم ما بعد العهد السوفياتي، والارتباط مع روسيا يمكن أن يفضي الى فساد على الطريقة الروسية، وأن يلهم بروز رهاب الأجانب وفقاً للأسلوب الروسي إضافة إلى رهاب الانحراف الجنسي أيضاً، ويتسم الارتباط مع أوروبا وحلف شمال الأطلسي بعواقب مختلفة، ومن خلال الدعم المالي والسياسي من جانب روسيا فإن رئيس أوكرانيا المعزول، فيكتور يانوكوفيتش، على سبيل المثال، تمكن من سرقة خزائن بلاده وتدمير جيشها وطبقتها البيروقراطية، وإذا واصلت الحكومة الأوكرانية الجديدة مسارها الحالي وأقامت مجموعة مختلفة من التحالفات– مع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي حتى مع حلف شمال الأطلسي– فإنها سوف تنتهي إلى سياسات اقتصادية محلية مختلفة أيضاً.

مضاعفات أخرى محتملة

ثمة مضاعفات أخرى مرتقبة كذلك، وخلال خطابه في بروكسل هذا الأسبوع أعلن الرئيس أوباما أيضاً أن روسيا "لا تقود كتلة من الأمم ولا عقيدة عالمية"، وهذا صحيح إلى حد ما: وذلك لأن "عقيدة" روسيا ليست واضحة أو محددة بشكل جيد، ولكن الرئيس الأميركي كان على خطأ عندما أشار إلى أن كلام الرئيس الروسي وقيامه بضم شبه جزيرة القرم لم يشتمل على أصداء أوسع، وطبعاً كانت هناك المجموعة المؤيدة لروسيا في الأمم المتحدة: فنزويلا وكوبا ونيكاراغوا وكوريا الشمالية.

 ولعل الأكثر إثارة للاهتمام وجود مجموعته الجديدة من الأصدقاء الأوروبيين، وكان نيغل فاراغ زعيم حزب الاستقلال في المملكة المتحدة– وهو حزب مناهض لأوروبا والهجرة يحظى بزخم في بريطانيا– قد صرح في الأسبوع الماضي أن أيدي الاتحاد الأوروبي "ملطخة بالدماء" بسبب مفاوضاته على اتفاقية تجارة حرة مع أوكرانيا.

كما أن ماري لو بان وهي زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية المتشددة في فرنسا قالت أيضاً إنها تفضل أن تميل فرنسا نحو روسيا لا "أن تذعن الى الولايات المتحدة"، وقد أرسل حزب جوبيك اليميني المتطرف في هنغاريا ممثلاً الى استفتاء القرم وأعلن أنه كان "نموذجياً"، وهذه كلها أحزاب أقلية لكنها مهيأة لتحقيق مكاسب في الانتخابات الأوروبية في فصل الربيع الحالي.

قد تكون إيديولوجية روسيا مجموعة أشياء مختلطة من دون نظام: الانتقاد السوفياتي القديم لنفاق "الديمقراطية البورجوازية" إضافة إلى بعض معادة أوروبا والاتجاهات العالمية والانحرافات الجنسية الهادفة إلى جاذبية معاصرة، ولكن علينا ألا نفترض أن المنافسة بين الأفكار مجرد سخف وقديمة الطراز. وألا نتظاهر أن العقائد لا تهم، لأننا حتى إذا كنا نفضل العكس فإنها تهم حقاً.

* آن أبلبوم | Anne Applebaum

back to top