التصورات الشعبية للكون من الموضوعات التي تمثل أهمية خاصة في فهم مكنون الدين وتأثيره في ثقافات الشعوب وفلسفتها، وفي العلاقات الحياتية فيما بينها، خاصة ما يتعلق برؤى العالم وأبعاد عملية التغير الثقافي وهوية المجتمعات المحلية، بعد ازدياد التحديات التي يواجهها المسلمون اليوم، فكيف يرى الأفراد العاديون أنفسهم وحياتهم، في علاقتهم بالجوانب الدينية المقدسة؟

Ad

هذا ما يتناوله كتاب "الدين والتصور الشعبي للكون" لمؤلفه د. السيد الأسود، الذي استهله بمقدمة مستفيضة، أوضح فيها أن هذا الكتاب لا يعالج الدين من المنظور الإسلامي، أو اللاهوتي التخصصي بقدر ما يعالج تصورات المسلم البسيط الفلاح والقروي لموضوعات تتقاطع مع المعتقدات الدينية، والتراث المحلي أو الشعبي، كما يعالج مشكلة مهمة هي كيف استطاع المسلم البسيط غير المتخصص أن ينظم داخليا المعتقدات الدينية، مضيفا إليها معتقدات محلية ورؤى كونية وفلسفية قديمة، وأخرى جديدة تجمعت نتيجة احتكاكه بالنخبة الموجودة في محيطه، والثقافات الأخرى عن طريق الهجرة المؤقتة والتعليم والإعلام ووسائل الاتصال السريعة وغيرها من عناصر وحدة علاقته بالرموز الشخصية والعامة والخاصة، ومدى علاقة المسلم بالظاهر والباطن والمجمع والفرد والسحر والدين، والمسجد والبيت والروح والمادة والشخصية والنفس والذات، والملاك والشيطان والبركة والحسد والعقل والجسد.

ويؤكد المؤلف أن هذا الكتاب عبارة عن دراسة بحثية تطبيقية على نموذج معين وهو الفرد المسلم القروي في المجتمعات المحلية، حيث يأتي هذا الكتاب في مرحلة تاريخية حرجة تمر بها المجتمعات العربية والإسلامية ممثلة في الاضطرابات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والعسكرية التي تمخضت عنها توجهات غربية جديدة لبلادنا، حيث إن كثيرا من الأدبيات الكلاسيكية والمعاصرة التي تتناول الجوانب الروحية والدينية في المجتمعات العربية، تكون مهتمة بالمعتقدات الإسلامية الأصولية المنعكسة عن النصوص المقدسة للقرآن والسنة، وتفسيرات وشروح علماء الإسلام، الغافلين عن تقديم الرؤى والمعتقدات المحلية لعامة الشعب.

ويشير المؤلف إلى أنه استخدم علم التوثيق الاثنوغرافي الخاص باستنتاج وجهة نظر الأفراد العاديين من واقع بيئتهم الدينية والثقافية، التي باتت تمثل تحديا نظريا لفلسفة الشعوب وثقافاتها، خاصة المجالات المنظورة من نسق المعتقد الشعبي.

ويؤكد الكتاب أن الاعتقاد الديني من الجوانب الطبيعية غير المنظورة والمجهولة في الكون، وهو اعتقاد مشترك في الدين والتصور الشعبي لمعاملات الكون، كما أن تصور الغيب والأفكار المرتبطة بالروحية يقدم إمكانية شمولية، وهذه الرؤية قد رعاها بعض رجال الدين في الحفاظ على هويتهم من التغلغل العولمي، المسماة بالفساد الكوني.