فجر يوم جديد: {روك القصبة}

نشر في 16-12-2013
آخر تحديث 16-12-2013 | 00:01
 مجدي الطيب فور انفضاض الحشد الغفير الذي أقبل على مشاهدة الفيلم المغربي «روك القصبة»، المُشارك في مسابقة المهر العربي للأفلام الروائية الطويلة في «مهرجان دبي السينمائي الدولي»، انقسمت الآراء بين مؤكد أن الفيلم سيكون له نصيب كبير من الجوائز الرئيسة في الدورة العاشرة للمهرجان، وقائل إنه سيحصد، في أضعف الإيمان، جائزة الجمهور، التي يمنحها أحد البنوك الكبرى في دولة الإمارات.

عنوان الفيلم كان يوحي بأننا حيال فيلم عن موسيقى {الروك} الشهيرة، التي وظفها الشباب العرب  لتمرير وجهات نظرهم في الواقع السياسي الراهن، وهو ما أشار إليه الصحافي أريان فاريبورز في كتاب صدر نهاية العام 2010 يحمل عنوان {روك القصبة- موسيقى البوب والحداثة في الشرق}. بل أن مطرب الراي الجزائري رشيد طه له أغنية أيضاً تحمل اسم {روك القصبة.، لكن المخرجة الشابة ليلى مراكشي، التي أثار فيلمها الروائي الطويل الأول {ماروك} (2005) جدلاً كبيراً، فاجأتنا جميعاً بموضوع مغاير تماماً انحازت من خلاله للمرأة، التي يُحصي الله دموعها، ويصب غضبه على من يُبكيها، حسبما انتهى الفيلم، وكشفت ما تتعرض له المرأة العربية من قهر وضغوط على يد مجتمع يختار لها الرجل الذي تتزوجه، ويمنع عنها المهنة التي تريدها، ويحرمها من جزء كبير من الإرث في حال لم ينجب أبوها أبناء ذكور.

في مدينة {طنجة} المغربية، التي تتسم بقدر كبير من الانفتاح على الغرب، تجري أحداث الفيلم الذي يبدأ بالسيد {حسن} (عمر الشريف) وهو يتحدث بلسان {الراوي} عن ذكرياته مع السينما، قبل أن يباغتنا بالقول إنه صاحب الجثمان الذين يتأهب الجميع لمواراته التراب، وإنه كان يتمنى لو أنه أعد العدة لهذه اللحظة، وكالعادة في مثل هذه المناسبات يلتئم شمل العائلة بعودة الابنة (مرجانة العلوي) التي تزوجت في أميركا وامتهنت التمثيل في هوليوود على غير رغبة الأب، وبصحبتها حفيده، الذي تمنى لو رآه قبل أن يموت، ولأنه كان يقبض بيده كل الخيوط، ينهار، برحيله، الاستقرار المزعوم للعائلة. وتبدأ مرحلة تصفية الحسابات بين بناته (مرجانة ونادين لبكي ولبنى الزبال) وتقرر الأم (الممثلة الفلسطينية هيام عباس) طرد الخادمة (فاطمة هراندي) بعد ثلاثين عاماً خدمت فيها العائلة، وسرعان ما تتكشف حقائق مثيرة حول الشقيقة التي انتحرت، وهي حامل، وابن الخادمة (عادل بن شريف) الذي أحبها، ورفض الأب بإصرار زواجهما حتى إنه أجبرها على مغادرة البلاد ليجهض مشروعهما تماماً!

في ظل سيناريو غاية في الجاذبية، وحوار يتسم بخفة الظل، وإيقاع لا يعرف الترهل، وطاقم تمثيل منسجم بدرجة كبيرة، تقدم ليلى مراكشي فيلمها، الذي يُضيف إليه عمر الشريف، بخبراته ونضجه، الكثير، وترصد طقوس أيام الحداد الثلاثة، ومن قبلها مراسم الدفن، لكنها لا تقدم هذه الطقوس والمراسم كفولكلور أو {كارت بوستال} تبيعه للغرب، وإنما تبدو فخورة بخصوصية هذه التقاليد العربية، وقادرة على توثيقها خشية أن تندثر يوماً.

بالطبع بدت منحازة للمرأة بدرجة واضحة، وعانى السيناريو، الذي كتبته، سذاجة في بعض المواقف، وكأننا أمام ميلودراما هندية فاقعة (رب الأسرة تزوج الخادمة، بمعرفة الأم، وأنجب منها شاباً كاد يتزوج أخته لولا انتحارها بعد تدخل الأب الذي كان يعلم أنهما من صلبه!)، لكن شيئا من هذا لم يقلل من نجاح المخرجة في رصد ما يعتمل في الصدور، وتصوير لحظة المواجهة بين الأطراف جميعاً، وقدرتها على إيجاد معادل بصري لقضيتها، واعتماد نوع من السرد التأملي، والإيقاع المنضبط، والبراعة في ادخار المفاجآت إلى اللحظة المناسبة، وتسجيل موقفها المناهض للمجتمعات العربية الذكورية، من دون أن تقع في فخ الخطابة أو تجعل من الفيلم وثيقة مناهضة للرجل تمولها إحدى المنظمات النسوية التي تدافع عن المرأة ظالمة أو مظلومة!

سقط {رب العائلة}، وسقطت معه الهالة الأسطورية التي كانت تُحصنه في حياته، وبرحيله تخلت {البنات} عن تحفظهن، وقهرن مخاوفهن، وانطلقن يناقشن ويتكاشفن ويختلفن ويغضبن ويتبادلن الاتهامات بقسوة، لكن الأمر المؤكد أن مرحلة جديدة بدأت، وانتهى من دون رجعة عصر {الخوف} و}الاستبداد} و}الانفراد بالقرار} و}احتكار الحكمة} و}الازدواجية}؛ فالكل كان يعيش {كذبة كبيرة}، وربما لهذا السبب اختارت المخرجة أن تُنهي أحداث فيلمها بعقد مصالحة بين الأطراف المتصارعة، ربما تخاصم، أي المصالحة، قواعد المنطق الدرامي، وتتعارض مع ما يُقر به الواقع، لكنها أرادت أن تتبنى، في إحدى أهم رسائل الفيلم، الدعوة إلى {لم الشمل}!

back to top