غداة بداية حادة لمؤتمر «جنيف 2» تبادل فيها طرفا الصراع في سورية الاتهامات وطعن كل طرف في شرعية الآخر في حضور ساسة من أكثر من 40 دولة، عقد الوسطاء الدوليون في الصراع السوري، المستمر منذ نحو ثلاث سنوات، أمس سلسلة من الاجتماعات المنفصلة مع ممثلي الحكومة والمعارضة، في محاولات استمرت 11 ساعة لضمان مشاركة الجانبين في محادثات السلام المقرر انطلاقها اليوم، ، وسط تشكيك في إمكانية حصول لقاء مباشر بين الطرفين كما كان مقرراً.

Ad

والتقى المبعوث المشترك لجامعة الدول العربية والأمم المتحدة الأخضر الابراهيمي وفريق من الدبلوماسيين بشكل منفصل مع ممثلين لكل من الحكومة والمعارضة في سورية في جنيف، وذلك في محاولة للتوصل إلى اتفاق حول إطار عمل لما ينتظر أن تكون المحادثات المباشرة الأولى بين الجانبين منذ اندلاع الاضطرابات في سورية في مارس 2011.

وأفاد الإبراهيمي أمس بأن كلا الطرفين أعربا عن استعدادهما لفتح محادثات بمناقشات حول إطلاق سراح سجناء وتيسير وصول المساعدات الإنسانية للبلدات المحاصرة، وهما نقطتان من ضمن 18 نقطة في الاتفاق الذي توصل إليه الجانبان في يوليو 2012 لتمهيد الطريق للانتقال السياسي.

وأكد الوفد الروسي أن الطرفين وعدا ببدء محادثات مباشرة اليوم رغم المخاوف من أن يضع الخلاف حول مصير الرئيس بشار الأسد حداً للمساعي الرامية للتوصل إلى حل سياسي للحرب الأهلية السورية التي قتل فيها أكثر من 130 ألف شخص وشرد الملايين.

كيري وكي مون

كذلك اجتمع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ووزير الخارجية الأميركي جون كيري أمس بممثلين عن الحكومة والمعارضة في فندق قصر مونترو الفاخر، الذي ظلت إجراءات الأمن مشددة حوله حيث قضى دبلوماسيون دوليون ليلتهم بعد افتتاح مؤتمر «جنيف 2»، الذي طال انتظاره.

واستعداداً لبدء هذه الجولة المهمة من التفاوض، انتقل الوفدان السوريان أمس الى مدينة جنيف، في حين غادر الوزراء سويسرا تاركين التفاصيل الاتفاقات للوفود، التي تخطت 40 دولة.

تصريحات عدائية

 وبعد الذهول، الذي أبداه المسؤولون الغربيون من نبرة وزير الخارجية السوري وليد المعلم، في افتتاح المؤتمر أمس الأول خشية ألا تمضي المفاوضات التالية قدما بسبب شدة العداء، أشار الابراهيمي إلى أن الطرفين على استعداد لتجاوز التصريحات العدائية، موضحاً، في مؤتمر صحافي، أن لديه «مؤشرات واضحة إلى حد ما تبين أن الطرفين مستعدان لبحث قضايا الوصول إلى المحتاجين وتحرير السجناء ووقف إطلاق النار في بعض المناطق».

ولم يخف الإبراهيمي، في مؤتمر صحافي عقده بعد انتهاء أعمال اليوم الأول من «جنيف 2»، قلقه إزاء تلك المرحلة، إذ إن الوفد الحكومي السوري رغم موافقته على المشاركة في المفاوضات الثنائية إلا أنه يرفض بشدة الحديث عن تفاصيل مرحلة انتقالية يكون في اطارها استبعاد مسؤولين يعتقد بأنهم متورطون في ارتكاب جرائم حرب وأخرى ضد الإنسانية.

وكان كي مون أبلغ الصحافيين أيضاً أنه حث الحكومة السورية على الإفراج عن معتقلين كإجراء لبناء الثقة، مشدداً على أنه «طفح الكيل ويجب أن يأتي وقت التفاوض».

دعوة يتيمة

وبعد سجالهما في افتتاح المؤتمر، اجتمع كي مون مع المعلم رئيس الوفد الرسمي السوري الى مؤتمر «جنيف 2» الذي أعرب عن أمله أن يشكل المؤتمر منصة لإطلاق حوار بين السوريين على الاراضي السورية بما يتيح لهم الاتفاق على مستقبل بلدهم.

وبينما بقيت دعوة المعلم إلى توحيد الجهود من أجل «مكافحة الارهاب» يتيمة، بسبب تأكيد وزيري خارجية الولايات المتحدة وفرنسا بأن هدف المؤتمر إقرار المرحلة الانتقالية. وكذلك فعلت جامعة الدول العربية والاتحاد الاوروبي والسعودية وغيرها من الدول، أشار مندوب سورية الدائم لدى الامم المتحدة بشار الجعفري مساء أمس الأول إلى أن النظام سيذهب الى مفاوضات جنيف مع المعارضة بهدف تطبيق اتفاق جنيف 1 «كسلة كاملة»، لا فقط شق تشكيل الحكومة الانتقالية.

«جنيف 1»

وقال الجعفري، رداً على سؤال في مؤتمر صحافي عقده بعد انتهاء جلسة المؤتمر الثانية مؤتمر، عما إذا كانت دمشق ترفض اتفاق «جنيف 1»، «من قال إننا نرفض؟ لكن كيف نبحث في حكومة انتقالية في ظل استمرار العنف»، موضحاً أن الوفد السوري المفاوض جاء جنيف للتفاوض مع وفد المعارضة بهدف «تطبيق جنيف 1 كسلة واحدة»، مشدداً على أنه لا يمكن اختيار أمر منه دون الامور الأخرى.

وينص إعلان جنيف الأول، الذي صدر في 30 يونيو 2012، على تشكيل حكومة انتقالية من ممثلين عن النظام والمعارضة بصلاحيات كاملة تتولى المرحلة الانتقالية. كما ينص على وقف العمليات العسكرية.

استمرار المجازر

وبينما بحث رئيس وفد المعارضة في «جنيف 2» أحمد الجربا مع وزير الخارجية الصيني، الذي تعتبر بلاده حليفا مباشرا لنظام الاسد، «أفق التعاطي المستقبلي في آليات إنجاح المفاوضات، والحوار مع النظام في سورية»، شدد الائتلاف الوطني في بيان أصدره صباح أمس، على أن «استمرار نظام الأسد بحملات القتل والقصف والإجرام بالتوازي مع التمسك بالسلطة، ورفض الرضوخ لمطالب الشعب السوري في الرحيل وتسليم السلطات لهيئة انتقالية كاملة الصلاحيات، كل تلك الجرائم والمواقف تؤكد إصراره على إفشال جميع مبادرات الحل السياسي».

كما اتهم الائتلاف النظام بـ»المناورة»، مطالباً المجتمع الدولي «بتحمل مسؤولياته التي لا يمكن الوفاء بها ما لم تعمد الدول الفاعلة إلى إجبار النظام على الرضوخ». وندد البيان باستمرار القوات النظامية بـ»قصف المدن والبلدات والقرى دون اكتراث بالمؤتمر المنعقد في سويسرا».

«بلطجية النظام»

واعتبر عضو وفد الائتلاف هادي البحرة أمس أن مؤتمر جنيف الثاني «صب في صالح المعارضة» و»أظهر بلطجية النظام». وقال البحرة، لوكالة فرانس برس: «المؤتمر كان بالتأكيد لصالحنا. وصلتنا أصداء أن التأييد في الداخل السوري كان ممتازاً. وللمرة الاولى نشعر بمثل هذا الالتفاف حول الائتلاف»، مضيفاً: «النظام عاد إلى الاسطوانة القديمة نفسها. الدبلوماسية أثبتت انها ليست دبلوماسية، بل استخدمت أسلوب مبدأ البلطجية».

وأشار إلى أن «معظم الدول المشاركة في المؤتمر قالت بوضوح ان الهدف هو الوصول الى عملية انتقال سياسي وتشكيل حكومة انتقالية».

ميدفيديف لتشكيل محكمة دولية بشأن جرائم الحرب في سورية

دعا رئيس الوزراء الروسي ديميتري ميدفيديف أمس الى تشكيل محكمة دولية من قبل الأمم المتحدة متخصصة بجرائم الحرب التي ارتكبت في سورية، رافضا الاستعجال باتهام الرئيس السوري بشار الاسد بهذه الجرائم قبل التحقيق.

ودعا ميدفيديف في حديث لشبكة «سي إن إن» التلفزيونية الأميركية الى «توثيق جميع الجرائم التي تحدث في سورية وجمع الأدلة المتعلقة بها، وفي المستقبل قد يتم توجيه التهم بهذا الشأن الى السلطة أو الى معارضيها».

واعتبر ميدفيديف أنه «لا يمكن مساءلة النظام السوري وممثليه إلا بعد إثبات ارتكابهم لجرائم حرب في محكمة دولية تشكلها الأمم المتحدة».

ورداً على سؤال حول التقرير الأخير الذي تظهر فيه صور تعذيب معتقلين في السجون السورية، أجاب: «لا يمكن أن نعلن مسبقاً أن الأسد مجرم»، معتبراً أن «الأسد رئيس دولة، ولا يمكن تجاهله»، مضيفاً أن «سقوط الضحايا بحد ذاته أو وجودهم في مكان معين لا يثبت مسؤولية النظام عن سقوطهم، وقد تكون مسؤولية أعضاء العصابات التي كانت تنشط في هذا المكان أو قوة أخرى».

«البعث»: «جنيف 1» انتهى

اعتبرت صحيفة «البعث» الناطقة باسم الحزب الحاكم في سورية في افتتاحيتها أمس

أن «بيان جنيف 1» منتهي الصلاحية، إذ إنه من غير الواقعي والمنطقي إغفال كل المتغيرات التي حدثت في سورية منذ «جنيف 1» الذي انعقد في يونيو 2012 حتى اليوم، والتعامل معها كأنها لم تكن». ورأت الصحيفة أن «أعداء الدولة الوطنية السورية والشعب السوري، وعلى رأسهم الرباعي الأميركي الفرنسي السعودي التركي، فرض خلال افتتاح مؤتمر جنيف 2 رؤية محددة تقصر مهمة المؤتمر على تنفيذ بند الحكومة الانتقالية ذات الصلاحيات التنفيذية الكاملة الذي نصت عليه مقررات جنيف 1، ووفق فهم محدد أيضاً لهذه الحكومة يستبعد أي دور للرئيس السوري بشار الأسد»، معتبرة أن «روسيا تعارض ذلك التفسير وتعتبره تعسفياً وخاطئاً».