ما زال "الإخوان" في مصر يرفعون شعار "رابعة"، بعدما أصبحوا غير قادرين على استخدام شعاراتهم السابقة، وما زال كل من يتعاطف معهم، أو يناهض مسار "30 يونيو" و"خريطة الطريق" يستند في ذلك إلى "المظلومية المدعاة"، أو يخضع لتأثيرات عملية منظمة للمتاجرة بدماء بعض الأبرياء، الذين سقطوا في عملية فض "الاعتصام" الشهير.

Ad

لقد نجح المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر في إنجاز تقرير فني دقيق ومنصف ومتكامل عما جرى خلال عملية فض "الاعتصام"؛ وهو التقرير الذي تم إنجازه بصورة علمية ودرجة عالية من النزاهة والحياد.

أهم ما توصل إليه التقرير أن "الاعتصام" الذي بدأ سلمياً، تحول إلى "اعتصام مسلح"، بعدما انضم إليه مسلحون بمعرفة "الإدارة"، وأن هؤلاء المسلحين بادروا بإطلاق النيران ضد قوات الأمن، حتى إن أبرز القتلى في عملية الفض كان ضابطاً يحاول إرشاد المعتصمين إلى ممر آمن للخروج عبر استخدام مكبر صوت، كما أن المسلحين استخدموا "المعتصمين السلميين" كدروع بشرية.

رصد التقرير أيضاً مخالفات وانتهاكات ارتكبتها قوات الأمن؛ ومنها عدم إعطاء مهلة مناسبة للمعتصمين السلميين لمغادرة "الاعتصام" عبر الممر الآمن، والإخفاق أحياناً في استخدام طاقة نيران متناسبة مع ما يستخدمه المسلحون. وفي ما يلي المستخلصات الكاملة لهذا التقرير، الذي سيكون له أثر كبير في إعادة قراءة ما جرى في "رابعة"، بما يقطع الطريق على المتاجرة به، وينهي "أسطورة المظلومية" المدعاة بشأنه.

أولاً: إن عملية فض وإخلاء "اعتصام رابعة العدوية"، في 14 مارس 2013، جاءت تنفيذا لقرار النيابة العامة المصرية، والصادر من نيابة مدينة نصر، الواقع بدائرتها ميدان "رابعة العدوية"، وذلك على أثر تقدم بعض المواطنين المصريين ببلاغات بتعرضهم لمعاناة شديدة جراء "الاعتصام"، الذي استمر حوالي 47 يوما، بما يمثل انتهاكاً لحقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وخاصة الحق في السلامة الجسدية، والحياة الآمنة، والحق في السكن والعمل وحرية التنقل، فضلا عن تردد معلومات عن احتجاز وتعذيب مواطنين داخل الاعتصام، ما أسفر عن مقتل بعضهم على أثر التعذيب الذي مورس بحقهم، وفقا لتقارير مصلحة الطب الشرعي المصرية في تاريخ سابق على تاريخ فض "الاعتصام".

ثانياً: إن عملية فض وإخلاء "اعتصام رابعة العدوية" قد تمت بمعرفة قوات أمن تابعة لوزارة الداخلية المصرية، في إطار خطة وضعتها الأخيرة.

ثالثاً: إن عملية الفض قد جاءت في إطار سعي الحكومة المصرية المعاصرة لتاريخ الفض، إلى تطبيق وإعمال القوانين المصرية على جزء من إقليم جمهورية مصر العربية، بعد أن أعطت مهلة للتفاوض مع المعارضين المعتصمين قدرت بـ47 يوما.

رابعاً: وضعت وزارة الداخلية المعنية بتنفيذ قرار النيابة العامة المصرية خطة، تضمنت إطلاق تحذيرات للمعتصمين بضرورة إخلاء الميدان قبل البدء في العمليات، وكذا تحديد ممر آمن عرفته بطريق "النصر"، وهو أحد أوسع الطرق المتصلة بالميدان في اتجاه طريق "الأوتوستراد". وفي سبيل ذلك دعت الوزارة المذكورة بعض وسائل الإعلام المصرية وبعض منظمات المجتمع المدني المحلية لمتابعة عملية إخلاء وفض "الاعتصام".

خامساً: إن "الاعتصام"، الذي دعت له جماعة "الاخوان المسلمين"، والقوى السياسية الموالية لها، قد بدأ "اعتصاما سلميا"، في إطار نزاع سياسي، إلا أنه، وفي وقت لاحق لتاريخ بدء "الاعتصام"، سمحت إدارة "الاعتصام" لعناصر مسلحة وأفراد مسلحين يعتقد أنهم تابعون لها، بالدخول لحرم "الاعتصام"، والتمركز في مناطق عديدة متفرقة، دون أن تخطر أو تعلم أو تنبه باقي المعتصمين السلميين الممثلين للأغلبية المشاركة في "الاعتصام"، وهو الأمر الذي نزع صفة السلمية عن "الاعتصام"، رغم أغلبية المعتصمين السلميين المشاركين به، الذين يعتقد أنهم أيضا يمثلون الأغلبية العظمى من ضحايا عملية الفض نتيجة الاشتباكات المسلحة واسعة النطاق التي رصدها التقرير.

سادساً: إن قوات الأمن المكلفة بتنفيذ عملية إخلاء الميدان، قد التزمت بتوجيه نداء للمعتصمين عبر مكبرات صوت (تأكدت اللجنة من أنه سمع بوضوح داخل عمق "الاعتصام")، تطالبهم  بإخلاء الميدان ووجود ممر آمن  لهم، إلا أنها قد سارعت  في بدء تنفيذ الاقتحام بعد 25 دقيقة فقط من النداء، وهو وقت غير كاف لخروج آلاف المعتصمين في الساعات الأولى من اليوم، ولا يقدح في ذلك تعرض قوات الأمن لاستفزاز من قبل المعتصمين، ولا رغبتها في إنهاء العملية في أسرع وقت، قبل انضمام آخرين لـ"الاعتصام"، لأنها أمور متوقع حدوثها وكان يجب مراعاتها في الخطة والتعامل معها، وهو ما يمثل إخلالاً جسيماً بتنفيذ خطة الفض مما تسبب في حالة فزع وارتباك أعاق خروج المعتصمين.

سابعاً: إن سياق عملية الفض في الساعات الأولى لها قد أشار إلى أن الاشتباكات كانت تسير في نطاقها المعتاد والمتكرر في الأحداث السابقة حتى قرابة الساعة الحادية عشرة تقريبا، إلى أن بادرت بعض العناصر المسلحة وبشكل مفاجئ بإطلاق النيران باتجاه أحد الضباط التابعين لقوات الأمن، الذي كان ممسكا بمكبر صوت للنداء عليهم، ومطالبتهم بضرورة إخلاء الميدان، مما أدى إلى مقتله، وعلى أثر ذلك ردت قوات الأمن بإطلاق النيران باتجاه "دار المناسبات" حيث مصدر الإطلاق على الضابط  القتيل، وعلى أثر ذلك اندلعت الاشتباكات المسلحة في محاور عديدة داخل الميدان بين قوات الأمن والعناصر المسلحة بشكل مستمر دون انقطاع حتى الساعة الواحدة ظهراً تقريبا.

ثامناً: إن قوات الأمن المنفذة لعملية الاقتحام وان توافرت لها حالة الضرورة في استخدام الأسلحة النارية وحافظت على التناسب النوعي بين الأسلحة المستخدمة، إلا أنها أخفقت في الحفاظ على التناسب في كثافة الإطلاق على مصادر النيران من قبل العناصر المسلحة.

تاسعاً: إن العناصر المسلحة داخل "الاعتصام" كانت تتحرك وتطلق النيران من وسط المعتصمين بما يمكن وصفه باستخدامهم المعتصمين كدروع بشرية، جعلتهم في مرمى نيران قوات الأمن طول فترات الاشتباكات، وقد عظم من هذا الخطر على المعتصمين السلميين كون العناصر المسلحة التابعة لـ"الاعتصام" لم ترتد زياً معلوماً أو تحمل شارة تميزها عن المعتصمين غير المسلحين.

عاشراً: حددت قوات الأمن وفق خطتها ممراً آمنا للخروج وأعلنت عنه للمعتصمين، وهو طريق "النصر"، إلا أنها قد فشلت في تأمينه حتى الساعة الثالثة والنصف عصراً، بسبب الاشتباكات التي اندلعت في محاور عديدة حول الميدان ومنها الممر الآمن، بين قوات الأمن وبعض المسيرات التي جاءت لتنضم الى "الاعتصام" من أعلى "كوبرى 6 أكتوبر"، وهو ما حدا بالمعتصمين الراغبين في الخروج إلى البحث عن ممرات آمنة في الشوارع الجانبية، التي تعرض بعضهم فيها للإمساك به من قبل "اللجان الشعبية"، التي كونها سكان منطقة "رابعة"، ومن ثم تسليمه لقوات الأمن، وهو الأمر الذي استخدمته إدارة "الاعتصام" في تخويف المعتصمين الراغبين في الخروج من الميدان، لإبقائهم دون انصراف حتى لا ينفض "الاعتصام"، وهو ما عظم من حالات الارتباك والفزع  لدى الراغبين في الخروج. ولم تنجح القوات في تأمين الممر الآمن إلا من الساعة الثالثة والنصف حتى السادسة، وهو ما نقلته قناة ONTV المصرية على الشاشات التلفزيونية.

حادي عشر: حال اتساع محيط منطقة "رابعة العدوية"، واندلاع الاشتباكات المسلحة في محاور عديدة منه، دون دخول سيارات الإسعاف التابعة لهيئة الإسعاف، وذلك بعد مقتل أحد المسعفين، وهو الأمر الذي أدى الى عدم حصول العديد من المصابين على الإسعافات اللازمة أو النقل إلى المستشفى لإنقاذ حياتهم. ولم تتمكن سيارات الإسعاف من الدخول إلى الميدان إلا بعد انتهاء عملية الفض والإخلاء في الساعة السادسة مساء.

ثاني عشر: خلفت عملية فض "اعتصام" ميدان "رابعة العدوية" وما شابها من اشتباكات مسلحة بين قوات الأمن والعناصر المسلحة داخل "الاعتصام"، حتى الساعة السابعة مساء يوم الفض، عدد 632 قتيلاً؛ بينهم 624 مدنيا، و8 من رجال الشرطة، تم تشريح 377 جثة فقط والباقي صدرت لهم تصاريح دفن بمعرفة مفتش الصحة التابع لوزارة الصحة المصرية بناء على طلب ذوي الضحايا وتصريح النيابة العامة. ويعتقد أن معظم الضحايا المدنيين من المعتصمين الذين لم يتمكنوا من الخروج من دائرة الاشتباك المسلح.

ثالث عشر: في رد فعل مباشر على عملية فض وإخلاء ميدان "رابعة العدوية"، اندلعت أحداث عنف مسلح في حوالي 22 محافظة، أحرقت بها العديد من الكنائس والمنشآت العامة وهوجمت فيها بعض أقسام ومراكز الشرطة، واستمرت لمدة أربعة أيام من صباح يوم 14/ 8/ 2013 حتى مساء يوم 17/ 8/ 2013، مما خلف 686 قتيلا؛ منهم 622 مدنيا، و64 من رجال الشرطة، ويعتقد أن معظم الضحايا المدنيين من المواطنين الأبرياء، الذين تصادف وجودهم إبان إطلاق النيران العشوائي الذي قامت به بعض العناصر المسلحة أو خلال الاشتباكات مع قوات الأمن.

* كاتب مصري