{هناك دائما حتة ناقصة فينا هي ما تجعلنا ننشد الاكتمال وهي سر جمالنا الحقيقي لو أدركنا ذلك فالجمال دائما يأتي من النقصان لا الاكتمال، بل في السعى إليه}.  ما أقساها تلك القلوب التي لا تحمل حنيناً إلى شيء.

Ad

وما أقساها القلوب التي لا تغفر ولا تسامح ورواية الكاتبة ناهد صلاح {الحتة الناقصة} الصادرة حديثاً عن دار {المحروسة} في القاهرة تضج بالحياة وترنو إلى الاكتمال ومعانقة المستقبل.

ترصد رواية {الحتة الناقصة} التغيرات أو بالأحرى التصاعدات في مشاعر الفتاة {راجية} المتماهية مع مشاعر الوطن في غضون عام سياسي معتم في ظل حكم {الإخوان المسلمين} حيث الإحباط واليأس المتفشيين. وتعيش راجية قصة حب مع باهر من خلال التخاطب على {الفيسبوك} من دون أن يلتقيا، ما يجعل قصة حبهما افتراضية تتصاعد المشاعر بينهما مع تصاعد الأحداث وسقوط الشهداء ويزداد الخوف على الوطن وبالتوازي أيضاً تسرد المؤلفة قصص الحب بين أشهر أساطير العشاق في تراثنا العربي لنجد سبع حكايات تراثية وتاريخية وشعبية اختارتهم الكاتبة كمفتاح لفصول الرواية: حسن ونعيمة، ألمظ وعبده الحامولي، عزيزة ويونس، ناعسة وأيوب، زبيدة ومينو، زليخة ويوسف، شهرزاد، لكنها لم تقصهم كالمعتاد، بل بالتداخل والتشابك مع الحوار اليومي مع صديقها في عالمهما الافتراضي ومع ما يمر به الوطن سياسياً واجتماعياً فتعود إلى بلدتها الغائمة كالأساطير تحن إلى تجوالها في شوارع القرية والمسجد القديم وديار العائلة وصديقاتها القدامى وقصصهن المحزنة فتعيد تأملها مع كثير من التسامح والغفران. فنقرأ عن مريم المسيحية التي ساعدتها في حفظ القرآن الكريم وتزوجت بمن اختارته لها والدتها خوفا من حياة البؤس والفقر وعسف الأيام، وعن هدى التي كانت معيناً لها في كثير من مواقفها الحياتية وانكسرت على قارعة طريق الحب، وعن ليلى الغجرية التي هربت مع حبيبها وصارت حكاية متداولة في البلد.

تتأسى الكاتبة لقصصهن وتنتصر لبنات جيلها اللاتي شهدن انكسارات عدة وكبتا لمشاعرهن الحقيقية  بعد حياة من القلق والخوف وسوء الفهم سواء من الرجل الذي لا يهمه سوى المظهر والحفاظ على الصورة  المعتادة لمجتمع مكبل بقيود ظالمة وغاشمة أو من نظام سد أفق الحياة والتطور وسلب المرأة حقوقها وأهدر مسيرة نضالها وأضاع  قيم التحرر والحرية والكرامة طيلة أكثر من ثلاثين عاماً، وتمزج في حكيها بين الوصف الواقعي واللغة المتحررة والعمق الإنساني لعملها وفي قدرتها على ابتداع حكايات مجازية قادرة على إضاءة عذابات البشر وأقدارهم المتشابهة في أزمنة القهر والشعور بالوحدة والعزلة في عالم يطحن كائناته.

حتى تأتي ثورة يناير فتتنفس المرأة الصعداء وتتطلع إلى استعادة دورها ومكانتها وقدرتها على صياغة حياتها. إلا أنها سرعان ما تعود إلى خوفها وهواجسها بعد وصول الإخوان إلى الحكم، غير أن الكاتبة  تتغلب على خوفها بالكتابة وتبشر بالأمل في الانتصار.

تحية خاصة

تقدم المؤلفة تحية خاصة للسينما كنافذة متاحة بالنسبة إلى المصريين كي يتنفسوا وينسوا واقعهم المخيب قليلاً، خصوصاً أن السينما والحياة في مصر تكادان أن تكونا شيئاً واحداً، فتذكر في مقطع بارز اختارته ليكون على الغلاف الأخير للكتاب: «الحياة حلوة أوي في السيما... السيما هي الجنة»، تقولها كأنها تضمّد كل الجروح، تنظر إلى فيلم أبيض وأسود على التلفزيون أمامها، وتقطع البصل وهي تجهز الطعام في حين تنساب دموعها، وينساب نهر الذكريات وتبدأ تتصيد حنينها عندما كان جدها يأخذها وهي صغيرة إلى السينما الوحيدة في مدينتها الصغيرة، وكيف كانت تستعد لهذا اليوم الذي تشاهد فيه شخصيات مختلفة تتحرك على الشاشة غير موجودة في حياتها وتتابع قصص وروايات تقمصتها، كنت شعرت بالاغتراب الذي عاشته أمي، لكنها كانت تضحك وتقول: «جدي كان غيرهم كلهم، كان راجل عايق يحب يلبس ويتغندر ويروح السيما، وكمان كان بيروح حفلات الست».

ناهد صلاح أديبة وكاتبة مصرية عضو جمعية نقاد السينما ولها مقالات نقدية عدة، وصدر لها سابقاً كتاب {الفتوة في السينما المصرية}، إضافة إلى عدد من القصص القصيرة المنشورة في عدد من الصحف والمجلات العربية. وأصدرت أخيراً روايتها {الحتة الناقصة... حكايات افتراضية} عن دار {المحروسة للنشر والتوزيع}.