رواية بثينة العيسى الأخيرة "كبرت ونسيت أن أنسى" واحدة من أهم الروايات الكويتية والعربية في موضوعها أولا وقدرة بثينة الحادة في السرد والحفاظ على بهائه ثانيا. رهاننا على بثينة العيسى كنا نخشى أن نخسره لأن بثينة منتجة تحت وطأة الكم والتسرع بالنشر فانتاج ست روايات ومجموعة قصصية في فترة ممتدة من 2004 حتى 2013 ليس عملا سهلا وليس انتاجا يجعلنا نطمئن كثيرا الى جودة الأعمال ونضجها الفني. في العمل الأخير سنرفع أيادينا عن قلوبنا لنحيي قدرة الروائية على انتهاج خطها الخاص في الطرح الإبداعي وثيماتها الاجتماعية المهمة في البحث عن المسكوت عنه تحت سطوة القبلي والديني والعائلي.

Ad

هناك إخلاص شديد للنص والحفاظ على خطه الدرامي الأساس ورغم بعض هنات السرد والولوج للتبسيط أو التسطيح أحيانا الا أن النص ظل متماسكا متوازنا في طرحه وتصوير شخوصه الأهم في الموضوعة الروائية. للمرة الثانية في الرواية الكويتية يستعير الروائي تناصا حسنا من رواية جورج أورويل 1984- المرة الأولى كانت تناصا لإسماعيل فهد اسماعيل في العنقاء والخل الوفي- ولكن توظيف بثينة كان أكثر عمقا في إبراز دور العين المتلصصة للأخ الأكبر على تكوين البطلة اجتماعيا وشخصيا. واعتماد بثينة على التداخل النصي ليس جديدا وهذه المرة خصصت هامشا للنصوص التي تداخلت معها وربما كان السبب هو وجود بطل مهم في النص هو الشعر الذي دفعت البطلة ثمنا باهظا في الاخلاص له.

ثورة "فاطمة" بطلة النص الروائي كانت متأخرة بعض الشيء وهي تقع تحت سطوة الأخ الذي يتولى أمرها ، بكل ما تعنيه ولاية الأمر من معنى، الرجل الذي يرى الحياة من عين أحادية الرؤية "مقتنع تماماً بأن الحقيقة تقبع في جيبه الخلفي...". يحاصر الأخ جميع حركات فاطمة وهو يسكنها السرداب عالمها الخاص وليس المنزوي عن مراقبة "صقر" وحيله الدائمة التي تعرفها لكي يتلصص على حياتها الخاصة. حين يدخل الشعر طرفا ثالثا ومهما في الرواية مرتبطا بحبها الأول الشاعر عصام وبدء خروجها الى الحياة يدخل الأخ ليعيدها الى سردابها قاطعا كل اتصال لها بالعالم الخارجي.

حين تجد في الزواج خروجا الى الحياة يعاملها زوجها بلطف ويحاول أن يكون "جنتلمان" كما يقول عن نفسه. الا أنها تكتشف صقرا آخر دون لحية ومسواك كصقر الأخ. ربما العبارة المفصلية في الرواية والأكثر ألما ومرارة هي جملة فاطمة حين يبدأ زوجها بالتعرف اليها. "في هذا العالم يضاجع الرجل المرأة ثم يتعرف عليها". لم يكن فارس الزوج يختلف كثيرا عن سلوك الأخ صقر تجاهها. كان يريدها زوجة وربة منزل لا تعمل ولا تدرس وهو ما كانت عليه فاطمة قبل أن يتزوجها. لم تستطع البقاء تحت رحمة رجل آخر لا يختلف كثيرا عن أخ لا يرى فيها الا عورة يجب سترها. فتقرر الهرب حتى تتمكن من الحصول على حريتها الكاملة.

رواية بثينة هي الخطوة الأولى للتخلص من سطوة كبيرة ليس الدور فيها للرجل فقط وانما للمرأة أيضا دور أكبر فيها. نساء ترى في الحرية رعبا ومسؤولية ليس من السهل مواجهتها. تتذكر الحركة الأدبية في الغرب الدور الأكبر الذي لعبته كيت شوبان عام 1890 حين صدرت روايتها "صحوة" التي شكلت الطريق الأول نحو حياة اجتماعية وأدبية مختلفة للمرأة والرجل في العالم اليوم. و"فاطمة" بثينة العيسى ليست أبعد اجتماعيا عن "ادنا بونتلير" كيت شوبان وليست أقل جرأة منها.