"ستة أشهر": هذا هو "خط الرئيس أوباما الأحمر الأخير". فستعمل الإدارة الأميركية وإيران، خلال الأشهر الستة هذه وبموجب الاتفاق الذي وقعتاه أخيراً وحظي بضجة كبيرة، على التوصل إلى "اتفاق شامل" يضع نهاية لبرنامج إيران النووي. لا شك أنهما لن تنجحا في التوصل إلى اتفاق مماثل في غضون ستة أشهر، إلا أن نوايا إيران ستُمتحن، حسبما يُفترض. وفي حال سعت إلى التحايل على الاتفاق، فستُفرَض عليها مجدداً عقوبات أكثر قسوة.
ولكن ما هي بنود الاتفاق؟ صحيح أن البيت الأبيض حدد الكثير من التفاصيل، إلا أنه ترك عدداً كبيراً من القضايا عالقاً. على سبيل المثال، لا ينهي الاتفاق قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم، بل يحدها بنوع من التخصيب تستطيع إيران ممارسته. من الواضح، إذن، أن هذا الاتفاق يقر ضمناً "بحق" إيران في تخصيب مواد نووية، مع أن إدارة أوباما، على غرار سابقاتها، كانت تعارض بشدة في الماضي برنامج تخصيب لم يُعتبر يوماً "حقاً".على نحو مماثل، يفرض الاتفاق على إيران ألا تشغل مفاعل الماء الثقيل في آراك، أو تزوده بالوقود، أو تجري اختبارات على الوقود فيه. إلا أنه في المقابل لا يطلب من إيران أن تفكك مفاعلاً لا غاية منه سوى إعادة المعالجة التي تتيح لطهران قدرات فصل البلوتونيوم عن الوقود المستنفد.كذلك يدعو هذا الاتفاق إلى توقيف نصف أجهزة الطرد المركزي في منشأة ناتانز النووية وثلاثة أرباع الأجهزة في فوردو عن العمل، إلا أنه لا يفرض على إيران إزالتها أو تلفها.علاوة على ذلك، ستحصل إيران مقابل تعاونها والتزامها بالاتفاق على نحو 7 مليارات دولار نتيجة تخفيف العقوبات. إذن، ستفوز إيران بنحو 7 مليارات دولار من المساعدات الأجنبية غير المحدودة. ويفوق هذا المبلغ المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة لأي بلد حول العالم.دان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذه الصفقة، معتبراً إياها "خطأً تاريخياً". كذلك شدد على أن "إسرائيل غير ملزمة بهذا الاتفاق". والأسوأ من ذلك أنه أعلن أيضاً أن "النظام الإيراني مصمم على تدمير إسرائيل. ومن حق إسرائيل وواجبها الدفاع عن نفسها بنفسها (وهذا تأكيد مني)... ولن تقبل إسرائيل بأن تطور إيران قدرة نووية عسكرية".لا شك أن دول الخليج العربي، خصوصاً المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، لم تعبر عن رفضها بهذه الصراحة، لكن هذا ليس من عاداتها، ويبدو انزعاجها من هذه الصفقة جلياً.من المستبعد أن تتخذ إسرائيل أي خطوة ضد إيران خلال الأشهر الستة التالية. فستنتظر تل أبيب لترى ما إذا كانت إيران ستسعى للتحايل على هذا الاتفاق، وما إذا كانت العقوبات ستُفرض عليها مجدداً في حال قامت بذلك. كذلك سيراقب الإسرائيليون سلوك مجموعة 5+1، خصوصاُ روسيا والصين، لمعرفة ما إذا كانت هذه الدول تتراجع عن التزاماتها بموجب هذا الاتفاق. وستولي إسرائيل أهمية كبرى لخطاب إيران، الذي سبق أن اعتبر الاتفاق "هزيمة" للصهاينة.بعد الأشهر الستة هذه، التي تشكل "خط أوباما الأحمر" الجديد، سيرتفع بشكل كبير خطر توجيه إسرائيل ضربة لإيران ونشوب صراع أوسع قد تنجر إليه الولايات المتحدة رغماً عنها. تشعر تل أبيب (ودول الخليج أيضا) بأن إدارة أوباما تجاهلتها في أفضل الأحوال، وخدعتها في أسوئها. لذلك ما عادت تثق بأوباما مطلقاً.من المستبعد أن يقبل نتنياهو - على وجه التحديد- تأكيدات البيت الأبيض بأنه يدعم إسرائيل، ما لم يُحقق تقدماً إضافياً نحو إنهاء قدرة إيران النووية خلال الأشهر الستة المقبلة، أو في حال بدأت العقوبات تتهاوى مع انتهاء مرحلة الأشهر الستة هذه. أظهر استطلاع للرأي أجري أخيراً أن نحو ثلثي الشعب الإسرائيلي يتوقعون أن تقدِم إسرائيل بمفردها على خطوة ضد إيران، في حال نشأت الحاجة إلى توجيه ضربة عسكرية. ويدرك رئيس الوزراء الإسرائيلي أن الشعب سيؤيده. ولن يسمح لإيران بأن تطور سلاحا نوويا خلال عهده. ومن المرجح أن الأشهر الستة هذه هي فترة السماح الوحيدة التي قد يمنحها لباراك أوباما.لكن الرئيس الأميركي حدد لنفسه أيضاً خطا أحمر. فيبدو أنه نسي المعضلة الأخيرة التي أوقع نفسه فيها حين رسم خطا أحمر بشأن استعمال نظام الأسد أسلحة كيماوية. لذلك عليه أن يحرص هذه المرة ألا تتخطى إيران الخط الأحمر، لأنه في حال أخفق، فمن المستبعد أن يهرع "الفارس المنقذ"، فلاديمير بوتين، إلى نجدته مرة أخرى.Dov Zakheim* شغل منصب نائب وزير الدفاع وكبير المسؤوليين الماليين في وزارة الدفاع الأميركية بين عامَي 2001 و2004 ومساعد نائب وزير الدفاع (للتخطيط والموارد) بين عامَي 1985 و1987.
مقالات
خط أوباما الأحمر الجديد في الشأن الإيراني
03-12-2013