"الحرب المفتوحة" التي أعلنها الرئيس الأميركي ليندون جونسون على الفقر في الولايات المتحدة لن تكون قصيرة ولا سهلة، كما حذر، ولن تقتصر على سلاح واحد أو استراتيجية واحدة، والعقود الخمسة الفاصلة بين ذلك القول ويومنا الراهن أثبتت أنه كان على حق، كما أظهرت أن طريقته كانت الأكثر نجاحاً.

Ad

لولا خطة الرعاية الصحية "ميديكيد"، وإعانات البطالة، وبرنامج "هيد ستارت" لإعالة الأطفال الفقراء تعليمياً وصحياً وغذائيا، وكوبونات الطعام والبرامج العديدة الأخرى التي باشر العمل بها الرئيس جونسون قبل 50 عاماً، لكان مستوى الفقر قد وصل إلى ضعفي ما هو عليه الآن- 16 في المئة من عدد السكان- مع تأثر الأطفال وكبار السن بقدر أكبر، وفي فترة الانكماش الأخيرة وحدها كان مستوى الفقر سيرتفع بواقع خمس نقاط مئوية على أقل تقدير.

ورغم هذه الجهود والبرامج لا يزال في الولايات المتحدة حوالي 50 مليون نسمة يعيشون في فقر، ويصل دخلهم إلى حوالي 12 ألف دولار للفرد و23 ألف دولار بالنسبة إلى العائلة المكونة من 4 أفراد.

صحيح أن الفقر في الولايات المتحدة لم يعد مروعاً إلى حد كبير بحيث يموت الأطفال بسبب سوء التغذية- كما كانت الحال في ستينيات القرن الماضي- إلا أن رفع مستوى المعيشة بالنسبة إلى الفقراء يظل حتمية اقتصادية، ليس فقط من أجل إغاثة الخمسين مليون نسمة من الفقراء المحتاجين، بل لمساعدتهم أيضاً لكي يتحولوا إلى عمالة أكثر إنتاجية في المجتمع. ولذلك يتعين استمرار الدفعة القوية ومواصلة استخدام استراتيجيات أسهمت إلى حد كبير في رفع مستوى العائلات الأشد فقراً في العقود الخمسة الماضية.

كان ائتمان ضريبة الدخل واحداً من أكثر الأدوات فعالية، وهو برنامج تبلغ قيمته 55 مليار دولار يكافئ العمال الفقراء من خلال إعادة تمويل جانب من دخلهم وضرائب الدخل لديهم. وهذا الائتمان الذي يصل في المتوسط إلى 3000 دولار بالنسبة إلى الأسرة التي تعول أطفالاً، ساهم في خفض دفعات الرعاية بقدر أكبر مما حققه قانون إصلاح الرعاية في سنة 1996، وهذا البرنامج الذي يوجه اليوم نحو العائلات التي يعولها شخص واحد يمكن التوسع فيه من أجل مساعدة العائلات التي يعولها الوالدان، وكذلك يستفيد منها الآباء الذين ليس لديهم أطفال.

وفي وسع الكونغرس أيضاً التخفيف من عناصر التثبيط غير المشجعة بالنسبة إلى العمل أو الزواج عبر الإبقاء على إعانات مكافحة الفقر للمستفيدين وعدم خفضها عند زواجهم أو في حال ارتفاع دخل أحد الزوجين فوق الحد المطلوب.

وتعتبر برامج التغذية أحد عناصر محاربة الفقر الفعالة، وفي عام 2012 أسهم "برنامج المساعدة الغذائية التكميلي" المعروف أيضاً باسم (كوبونات أكا للغذاء) في إبقاء خمسة ملايين شخص خارج خط الفقر، وهذا ما فعله كذلك برنامج التغذية في المدارس بالنسبة إلى 1.2 مليون طفل.

في شهر نوفمبر، وعندما أقر الكونغرس وقف مخصصات لبرنامج "كوبونات الغذاء" قدرها 11 مليار دولار من حزمة التحفيز المالي، كان ذلك يعني إجراء خفض نسبته 7 في المئة في المتوسط على الإعانات المقدمة إلى حوالي 45 مليون شخص من المعوزين. وفي إطار مشروع "قانون المزارع" الذي يجري بحثه الآن يقترح مجلس النواب إجراء خفض قيمته نحو 40 مليار دولار إضافية في خفض طوابع الطعام على مدار السنوات العشر المقبلة، وسيؤدي ذلك إلى خروج 3.8 ملايين شخص من البرنامج بصورة كاملة- وهو ما يتعارض مع متطلبات إعادة إحياء جهود محاربة الفقر.

بوسع التسهيلات الضريبية وبرامج التغذية التخفيف من مستويات الفقر الراهنة، ولكن القضاء على الفقر يتسم بقدر كبير من الأهمية، وعلى غرار ليندون جونسون، الذي كان يأمل كسر حلقة الفقر عبر "برنامج "هيد ستارت" المخصص للأطفال قبل عمر الدراسة، يدعو الرئيس أوباما إلى حملة شاملة وواسعة لمحاربة الفقر للأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة.

يجادل الخبراء في قضية المنافع، لكن عندما تتم دراسة كل الأدلة فإن من الواضح أن المساعدة الشاملة لأطفال ما قبل الحضانة تمكن الأطفال، خصوصاً الفقراء والمعوزين، من الالتحاق بالحضانة معززين بمهارات محسنة. وسوف يتكفل اقتراح أوباما الذي تبلغ تكلفته السنوية 10 مليارات دولار بالتسديد الذاتي- وتقول إحدى الدراسات إن كل دولار يستثمر يدر 11 دولاراً في ما بعد- إذا كان للولايات المتحدة أن تسد الفجوة في الإنجازات التعليمية بين الأغنياء والفقراء.

يؤيد معظم الأميركيين التوسع في مثل هذه الجهود المتعلقة بالرعاية الاجتماعية بدلاً من تقليصها، وقد مهد أوباما السبيل عبر "قانون حماية المريض والرعاية بأسعار معقولة"، وهو القانون الذي يمكن أن يجنب الأميركيين عبء الاختيار بين الرعاية الصحية والضرورات اليومية الأخرى، ويدفع أوباما أيضاً الجمهوريين نحو تمديد إعانات البطالة للعاطلين عن العمل لآجال طويلة إضافة إلى رفع الحد الأدنى للأجور.

ومن جانبهم، رد المحافظون الجمهوريون، خصوصاً النائب بول رايان من ويسكونسن والسيناتور ماركو روبيو من فلوريدا، بمبادرات خاصة لمكافحة الفقر. ويقترح روبيو رفع ائتمانات الأجور لعمال الدخل المتدني، وهو ما يداني في هدفه ائتمان ضريبة الدخل.

قبل خمسين عاماً، كان الباعث الذي دفع ليندون جونسون جزئياً إلى تلك المبادرات هو السياسة، إذ كان يأمل في اجتذاب أصوات الزنوج، فإذا كانت السياسة هي التي تدفع الحزبين نحو التوصل إلى حلول، فإن ذلك لا يقلل من قيمة الهدف المنشود، وربما يفضي هذا إلى حرب أكثر براعة ضد الفقر.