«مقالة في العبودية المختارة»... الاستبداد والوعي الزائف

نشر في 02-04-2014 | 00:01
آخر تحديث 02-04-2014 | 00:01
No Image Caption
صدر كتاب «مقالة في العبودية المختارة» لإيتيان دي لابويسيه ضمن سلسلة كتاب الدوحة، الكتاب من ترجمة مصطفى صفوان، وتوطئة الكاتب محمد الرميحي.
يناقش الكتاب الذي بين أيدينا فكرة مركزية هي: هل الحرية مطلب مركزي للإنسانية؟ وإن كانت كذلك لماذا يقبل البعض أن يكون مستعبداً بشكل طوعي. من دون أن يسعى إلى التخلص من عبوديته؟ ويحاول الإجابة عن هذا السؤال الكبير والمعقد الذي أرق الإنسانية طويلاً، بالإشارة إلى أهمية الوعي لدى الإنسان، وكيف يتكون هذا الوعي، سواء الوعي بمقاومة العبودية أو نقص الوعي بقبولها.

ولد لا بويسيه عام 1530 قرب بوردو في فرنسا، وسط عائلة مثقفة وثرية وكان والده ابن أحد نواب المتصرفين في تلك المنطقة آنذاك. التحق المؤلف بجامعة أورليان لدراسة القانون تأهباً للاشتغال لا بالآداب بل بالقضاء. حصل لا بويسيه على درجة الماجيستير عام 1553، وحصل من الملك هنري على تصريح يبيح له شراء حق العمل قاضياً في برلمان بوردو، وبدأ ممارسة عمله.

مسيرة زمن

في مقدمة الكتاب يقول محمد الرميحي إن هذه المقالة كتبت في القرن السادس عشر ميلادي، ونحن الآن في القرن الواحد والعشرين، إنها مسيرة زمن طويل مثقل بالمآسي الإنسانية. لكن الأصعق لأهل العقل، أن يكون مؤلف تم تحريره في ذلك الوقت وفي تلك الظروف الأوروربية العسيرة، له علاقة بما نحن فيه اليوم، وإن اختلفت التفاصيل. أو على الأقل بجزء كبير مما نحن فيه اليوم، (قبول العبودية) طوعاً بأشكالها المختلفة. دون أن يكون هناك وعي لما تعنيه العبودية من ضرر فادح على الإنسان وكرامته وحقه الأصيل في الحرية.

يضيف الرميحي أن العجيب والمحير في هذا الكتاب أن الأسئلة الأساس التي يطرحها المؤلف في ذلك العصر، عصر التراتب الاجتماعي الحاد، وعصر امتلاك الأرض ومن عليها، وعصر الإقطاع والسيطرة على ما فوق الأرض وما تحتها، عصر النبلاء ورعاة الكنيسة وسيطرة البابا على قلوب وعقول ملايين البشر، وانتشار الخرافة. تلك الأسئلة نفسها تطرح اليوم في كتابات معاصرة. بل من يقرأ الرسالة التي بين أيدينا، يرى أنه تقريباً يصادف القضايا نفسها التي تطرحها الكتب حالياً، كأسباب الثورات، وأشكال الحكم، وحقوق الشعب، والوعي أو نقصه، والقهر، وأهمية التسامح، وقصور حلّ الصراعات بالقوة، إلى آخر هذه المفردات والعناوين التي لا يخلو منها مؤلف اليوم في السياسة أو الاجتماع.

إضافة إلى فكرة الحرية والديمقراطية، يتناول الكتاب فكرة أخرى، هي المجتمع المدني المنظم، إلا أنه يبقى شيء آخر يسمى الوعي. يشير الكاتب إلى فكرة الوعي بقصة لها معنى، مأخوذة من تاريخ الإغريق، تقول إن شخصاً أخذ جروين من أم واحدة. أحدهما تمت تنشئته في المطبخ، وآخر أطلق في الحقول. وبعد فترة جيء بالكلبين، ووضع أرنب وغناء حساء أمامهما، فاقترب  كلب المطبخ من الحساء لشربه، أما كلب الحقول فبدأ يطارد الأرنب. هذه القصة التي تبدو رمزية، تعني أن البيئة تتحكم بتصرف المخلوق، والإنسان كذلك ابن بيئته. فمن يكون عبداً فإن أبناءه يشبون على قبول العبودية، وتبدو لهم أنها من طبيعة الاشياء لا يحتاجون إلى تغييرها.

وعي غير ناضج

الوعي لا يزال في حدود غير ناضجة لدى كثر من البشر، فثمة من يقبل الضيم أو يساعد عليه بأسماء مختلفة منها: الديني والقومي والخرافي وغير العقلاني. والسؤال كيف يمكن تطوير الوعي؟  هنا نجد أن وسائل تطوير الوعي المستخدمة اليوم بعضها يزيف الوعي.

يمكن أن تكون المدارس وسيلة لتزييف الوعي، وكذلك وسائل الاتصال الحديثة، والتنشئة الأسرية والتضليل السياسي، خدمة لمصالح فئات اجتماعية تملك النفوذ وتزيف وعي المواطن لدرجة قبوله بالضيم، أو حتى بأحد أشكال العبودية الحديثة، كعبودية العادة أو التقليد أو المحاكاة. ولا يزال البعض منا يعتبر أن غاية الحكومة الحديثة هي تعزيز الفضيلة، ولا يريد أن يعترف بأن الفضيلة نسبية ومتغيرة. وأن من واجب الحكومة الحفاظ على الحرية من أجل ازدهار المجتمع. تزيد وسائل الاتصال الحديثة من تغييب الوعي بنشر الخرافات والأفكار غير العلمية، فيقع الفرد عبداً لهذه الأفكار.

يلفت الرميحي إلى أن العالم مع بدايات القرن الواحد والعشرين دخل مفهوماً جديداً، بدأ في الصعود منذ نهاية القرن الثامن عشر وهو الحرية الاقتصادية، وعلى الرغم من خفوت هذا العنصر في بعض مناحي التاريخ كصعود الاشتراكية الماركسية في بعض البلدان، إلا أن سقوطها السريع نسبياً وفشلها وجمودها، كلها أمور شكلت ضربة للبشرية، مثلاً الحرية الاقتصادية جزء لا يتجزأ من الحرية، وهي كالحريات الأخرى لا تكون مطلقة، بل مقيدة بما يفرضه العقل من عدم جور على حقوق الآخرين.

عرفت البشرية أن الاقتصاد الحر يرفع من مرتبات العمال، ويصون حقوقهم، ويساعد في المسيرتين الاقتصادية والاجتماعية، بل تقول  بعض الدراسات لنا إن الاقتصاد الاميركي لم ينتعش إلا بعد تحرير العبيد. فهم كقوة عمل وقوة شرائية أفضل للاقتصاد من استرقاقهم، بل الحرية الاقتصادية هي أفضل من الاستعمار، وقد ثبت أخيراً أن استفادة بلد مثل بريطانيا من علاقة متوازنة اقتصادية مع بلاد مثل الهند، أفضل مما كانت تستفيد منه بريطانيا عندما كانت محتلة للهند على مدى أكثر من قرنين من الزمان.

صرخة ايتيان دي لابويسيه قبل خمسة قرون التي قال فيها {حتى لو عدت إلى الحرية تبدو اليوم كأنها شيء لا يمت إلى الطبيعة} هي صرخة ما زالت تتردد في أرجاء مختلفة من المعمورة، فالحرية تلك التي يبحث عنها الإنسان ما زال متنازل عنها في كل مكان، ومزيفة في مكان آخر، وما زال قوله {إن الحيوان لا يتنازل عن حريته إلا بعد دفاع ضروس. ولكن الإنسان يفعل ذلك بسبب الحاجة أو غياب الوعي» باقياً. هذه المقالة التي بين أيدينا قد تقدم ضوءاً نستنير به في طريق البحث عن الحرية.

back to top