- هي أيام أعمارنا كأعواد الكبريت، تشتعل مرة واحدة لتسرع إلى الانطفاء، تاركة شيئاً من ذكريات خلفها. ولأن عام 2013 يلملم ساعاته المتبقية مختفياً بظهور ضياء الغد، فليس أقل من وقفة مع النفس للنظر فيما كانت أيامه.

Ad

- يُدمي القلب وضع الوطن العربي الحبيب، فأنا وجيلي رضعنا حلماً ملوّناً وزاهياً بأن يأتي يوم يكون لنا وطن عربي موحد يمتد من المحيط إلى الخليج. ويكون للعربي أن يسير فيه مرفوع الهامة ينتقل من بلدٍ إلى آخر وكأنه في بلدٍ واحد. لا نقاط تفتيش ولا جوازات سفر... بيوت مفتوحة، وصداقات بطعم المحبة، ولغة واحدة، وخير عميم. لكن 2013 عمّقت جراحنا، فالسواد الأعظم من أوطاننا العربية فاغرة الجراح تنزف دماً وخراباً ويأساَ. وما كان حلماً بوطن عربي موحد، تلاشى وصغر حتى غدا حُليماً بدولة قطرية موحدة غير مبعثرة الأجزاء. دولة قادرة على جمع أبنائها تحت خيمة العقد الاجتماعي. فيها أمان، وعيش محبة بين أبنائها، وفسحة حياة كريمة. لكن الأخ استباح قتل أخيه بأبشع الصور، ولا أظنني متشائماً لو قلت بأن حلم الوطن العربي الموحد اختفى في دخان المعارك العربية الأسود، وما عاد أحدٌ يقوى على الكذب بمجيئه. وفي هذا الوجع، تجرع المبدع والمثقف العربي الخيبة والألم، وراح يفكر ألف مرة كيف يتعايش مع واقع دامٍ وموحشٍ، وكيف يكون صادقاً مع نفسه وقلمه، وكم صمتت أقلام تسرب اليأس لأرواحها!

- في ظل الأوضاع أعلاه، تأثر الإبداع العربي والثقافة كثيراً، وأصيب الكتاب العربي في مقتل، فكيف لمواطن لا يأمن على نفسه وأبناء أسرته، ولا يجد قوت يومه أن يفكر بالقراءة والتفاعل مع الكتاب؟ وربما كان النقد العربي هو الأكثر تضرراً بين أجناس الكتابة الإبداعية، وكأن حال لسان الناقد الأدبي العربي يقول: واقع العنف الأعمى والمتوحش والمتخلف أكبر من أي كتابة نقدية!   

- الوصل المباشر بين المبدعين والكتّاب العرب، صار مرتبطا ببعض التظاهرات العربية، واكتفى الكاتب بان يتواصل مع زميله عبر الإيميل، وكأن حروبنا أكبر بكثير من فسحة اللقاء والوصل والاحتضان.

- وحدها الجوائز الأدبية العربية، التي تنطلق أصوات نتائجها بين حين وآخر، ظلت تمثل حداً أدنى من الوصل العربي، حول حدث أو كتاب عربي، حتى لو شملها لغط كبير وهمس ولمز!

- بالنسبة لي، ظل «الملتقى الثقافي» الذي يعقد أمسياته في بيتي بوجود مجموعة من الزملاء، لقاء بجديد الساحة الإبداعية والثقافية في الكويت والوطن العربي، وبنتاج الشباب تحديداً، كما بقي نافذة نتواصل من خلالها مع المبدع العربي، حين يأتي لزيارتنا. وكم كنا سعداء بلقاء محمد حسن علوان، وتركي الدخيل، وبانتظار لقاء فاروق مردم بيه، ودنى غالي، والكاتبة الدنماركية كريستين تورب، ومحمد خضير.

- إصدار «الملتقى الثقافي» لموسمه الثاني، عدد مجلة «بنيبال-Banipal» الإنكليزية رقم (47) باختيارات محررها، الذي حمل الإبداع القصصي والروائي الكويتي إلى القارئ الغربي حول العالم، كان مثار فخر واعتزاز لزملاء الملتقى وللساحة الثقافية في الكويت، لاسيما أنه للمرة الأولى في تاريخ الكويت يصدر كتاب باللغة الإنكليزية وبإبداع (18) كاتباً كويتياً من مختلف الأجيال والتوجهات.

- يبلل القلب فرحاً كم الإصدارات الشبابية الكويتية في القصة والرواية، ولو أن أغلبه تنقصه الصنعة الإبداعية المتقنة، لكن الأمل يبقى معقودا بمواهب قادرة بمثابرتها وعزيمتها على شق طريقها وإثبات حضورها الإبداعي على الساحة الكويتية والعربية.

- عام 2013 أكسبني صداقات جديدة تنعش القلب، وكشف لي عن خيبة صداقات عمرٍ، ما كنتُ أظن أن رهان عمري يخسر فيها ما حييت!