فجر يوم جديد: ديمقراطية {ساندرا}!

نشر في 15-11-2013
آخر تحديث 15-11-2013 | 00:01
 مجدي الطيب  لدى البعض تصور خاطئ أن صنع الفيلم التسجيلي مهمة سهلة لا تحتاج إلى مجهود من أي نوع؛ إذ يكفي المرء أن يحمل كاميرا ويصوّر ما يجري أمامه على أرض الواقع، أو ينتقي شخصية ما ليتخذ منها موضوعاً لفيلمه. بينما الحقيقة، كما ذهبت إليها المراجع العلمية، أن الفيلم التسجيلي يقتضي من المخرج معايشة للموضوع الذي يود طرحه، ويحتاج منه إلى كثير من المعرفة العميقة، وإلمام شامل بجوانب القضية التي يتصدى لها، فضلاً عن تمتعه بحساسية عالية، وذوق سليم، وإلهام فني!

أغلب الظن أن شيئاً من هذا لم يتوافر للفيلم التسجيلي الذي أخرجته ساندرا نشأت عن «الديموقراطية»، وبدأته بصوت «أم كلثوم»، وهي تقول بنبرة حماسية: «عاشت مصر... عاش الأحرار»، وأنهته وهي تردد عنوان أغنيتها الشهيرة «مصر التي في خاطري»، وتضيف: «نتجه إلى الله أن يجعل ليلتنا بداية موفقة كريمة... حرة كريمة تليق بهذا الشعب الأمين النبيل... شعب وادي النيل».

 وبين الاستهلال والخاتمة راحت تستطلع آراء شرائح مختلفة من المواطنين حول معنى «الديموقراطية»، وبقدر ما جاءت الإجابات كاشفة فقد كانت صادمة أيضاً؛ ثمة من يرفض الرد لأنه «ما لوش في السياسة»، وآخر لا يرى للكلمة مدلولاً على أرض الواقع، وثالث يرى أنها تتحقق عندما يتركه البائع ينتقي فاكهته بنفسه، ورابع تجاهل الكاميرا وانصرف غاضباً لأن لديه أولويات أهم من «الديموقراطية»!

 عندئذ تنتقل ساندرا من التسجيلي إلى الوثائقي فتشير إلى أن أول دستور عرفته مصر ظهر عام 1923، ونص على «الديموقراطية» والانتخابات، ثم تعود مجدداً إلى التسجيلي فتلتقي د. عمرو السمرة، أستاذ طب وجراحة العيون (لا تسأل لماذا هو تحديداً وما علاقته بالأمر!) فيُعرّف كلمة «الديموقراطية»، وبعده يؤكد د. سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن في كلية الشريعة والقانون في جامعة الأزهر (لاحظ أستاذ في الفقه وليس في العلوم السياسية!) أن «مسيرة الديموقراطية تعثرت لكنها لم تتوقف». ومن جديد تعود ساندرا إلى الشارع لتسأل عن معنى «الديموقراطية» وتتعدد التعليقات فهي: «الحرية»، «الصدق»، «الحق»، «العدالة»، «الرأي والرأي الآخر»،  «المساواة»، «احترام حرية الأديان»، وكالمرة السابقة ينفعل أحد المواطنين: «إزاي تكلمونا عن الحرية والديموقراطية والشاب من دول مش لاقي جنيه في جيبه؟»، ويقول آخر بسخرية: «لما آخذ حقي زي حقوق الحيوان!».

هنا، أيضاً، تلتقي المخرجة الأب رفيق جريس، راعي كنيسة القديس كيرلس للروم الكاثوليك والمتحدث الإعلامي للكنيسة الكاثوليكية في مصر، فيعرف «الديموقراطية» بأنها: «الانتقال السلمي للسلطة عبر آليات على رأسها الصندوق الانتخابي الذي لا يكون معبراً في الغالب إذا كان الحاكم غير عادل»،  بينما يرى د. عمرو السمرة أنها «السلم الذي تعتليه كي تصل إلى ما تريد ثم تُلقي به بعيداً كي لا يستخدمه غيرك»؛ أي «ديموقراطية المرة الواحدة»، حسب تعبيره. فجأة تُدلي أم كلثوم بدلوها، وكأنها تقدم تعريفها الخاص للكلمة فتقول: «اللحظة التي نستنشق فيها عبير الحرية والكرامة... اللحظة التي نرفع فيها الرؤوس ونتطلع إلى النور المبين». وعلى النهج العقيم نفسه و»المونتاج» البليد، تعود الكاميرا إلى مراكبي يقول بمرجعية دينية: «الله هو الذي يختار»، ثم يضيف بعنجهية: «رأيي لن يؤخر أو يُقدم». لكن د. الهلالي يتدخل مُصححاً: «الاختيار بيد البشر كي يحاسبهم يوم القيامة»، بينما يرى الأب رفيق جريس أن «التعليم هو الحل»، ويؤكد سائح آسيوي أن «مصر لن تتغير بين يوم وليلة». وتنهمر الإجابات العجيبة التي تصب خارج السياق، فيطالب كهل بـ «الأمان» وشاب بـ «القضاء على البطالة» وامرأة محجبة بـ «أن يولي الله من يصلح» وأخرى منتقبة بـ «التخلص من الإرهاب» وسيدة مسيحية بـ «السلام»، بعدها لا نجد صعوبة في إدراك المُشار إليهم في قول د. الهلالي: «الذين حاربوا الديموقراطية مطلع القرن العشرين هم الذين استفادوا منها اليوم للوصول إلى الحكم، فلماذا إذاً صوروا لشعب مصر البريء عشرات السنين أن الديموقراطية حرام؟».

ارتجال وعشوائية، نتيجة إهمال الإعداد المسبق وحضور الصنعة، في ظل غياب واضح للحرفية والتلقائية، ووقوع في فخ الرتابة والتقليدية، ومن ثم افتقد الفيلم الروح الوثابة والحس الفني، ولولا الوجوه التي تضحك، رغم تعاسة الواقع اليومي للمصريين وبؤسه، لما ترك الفيلم أي تأثير عاطفي، فالمخرجة لم تُدرك أن الإلهام الفني يقتضي مزيداً من الجهد الخلاق، وآثرت (بعد هذه الثرثرة كلها) أن تُلقن المشاهد بأسلوب مدرسي فج أن {الديموقراطية هي حكم الشعب}!

back to top