كما يحصل في أي عهد رئاسي، تأثرت أجندة باراك أوباما كثيراً بالأحداث الخارجية. كان يُفترض أن تتمحور مبادرته الأساسية في مجال السياسة الخارجية (إذا لم نحتسب إنهاء حربين في الشرق الأوسط) حول ما يسمى "المحور الآسيوي"، لكن لطالما جاءت الأحداث المحلية (مثل تعطيل الحكومة) والخارجية كي تخطف أجندة السياسة الخارجية للبيت الأبيض، لكن بدل التذمر من هذا الوضع، يجب أن يولي الرئيس الآن الأولوية لأزمة أوكرانيا من أجل إنقاذ سياسة المحور الآسيوي.

Ad

يصعب على أوباما طبعاً أن ينقل هذه الرسالة إلى حلفاء الولايات المتحدة في آسيا حين يصل إلى المنطقة هذا الأسبوع. يبدو أنّ بعض البلدان التي رحبت في البداية بسياسة المحور الآسيوي بكل إيجابية، منها اليابان وكوريا الجنوبية، بدأت تشعر بالقلق أخيراً بشأن حرص واشنطن على متابعة الخطة. هي تريد أن تشهد التزاماً أمنياً وسياسياً أقوى من جانب الولايات المتحدة.

قد يشعر هؤلاء الحلفاء الآسيويون الآن بالقلق من أن تؤدي أزمة أوكرانيا إلى تهديد الدور الأميركي بشكل متزايد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وذلك عبر استهلاك الوقت الثمين والطاقة والموارد القيّمة؛ لذا يجب أن يستعمل أوباما عدداً من مقابلاته الشخصية مع القادة الآسيويين كي يشرح لهم أنهم سيستفيدون أيضاً من تركيز واشنطن على أوروبا في الوقت الراهن. عملياً، تتعدد الأسباب الوجيهة التي تفسر صوابية هذه الخطوة بالنسبة إلى سياسة المحور الآسيوي. لنحلل ثلاثة منها:

أولاً، لنبدأ بالسبب الأوضح على الأرجح: لا يزال الوضع في أوكرانيا متوتراً جداً ويمكن أن يتحول نحو الأسوأ بسهولة. تجسد أوكرانيا أسوأ أزمة منذ الحرب الباردة وهي تثبت أن أوروبا لا تزال بعيدة عن التحول إلى كيان "شامل وحر"، قد يحين دور بلدان مثل مولدوفا وجورجيا أو دول البلقان الغربية في المرحلة اللاحقة بالنسبة إلى بوتين، ما لم تكثف الولايات المتحدة جهودها، فقد تخاطر بأن تَعْلَق في أزمات مستقبلية محتملة في المنطقة؛ لذا يجب أن يرحب الحلفاء الآسيويون بالجهود الرامية إلى إتمام المشروع الأوروبي بشكل نهائي.

ثانياً، يجب أن تتمسك واشنطن اليوم بالتزام سياسي عميق على الطرف الآخر من الأطلسي لطمأنة حلفائها في حلف الأطلسي، فضلاً عن فرض الضغوط عليهم كي يكثفوا جهودهم الدفاعية. يشعر بعض الحلفاء مثل بولندا ودول البلطيق بضعف شديد في المرحلة الراهنة. بدأت الزيارات الرفيعة المستوى من قادة أميركيين بارزين، وسبق أن انطلقت خطوات ملموسة لتعزيز الوجود العسكري الأميركي هناك، وقد تحصل خطوات إضافية، فيمكن اعتبار رد واشنطن على حلفائها في أوروبا بمنزلة اختبار حقيقي لطريقة دعمها للحلفاء الذين يحتاجون إليها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. يشعر الحلفاء الإقليميون بالقلق بشأن تمسك الولايات المتحدة بكامل التزاماتها مع حلفائها، لذا يجب أن يؤيدوا التدابير الأميركية القوية في أوروبا، لكن يجب أن يدركوا أيضاً أن تلك الجهود لن تغير على الأرجح النزعة العامة إلى تقليص حجم الجيش الأميركي في القارة الأوروبية، وقد تأكد هذا الأمر مجدداً من خلال "مراجعة الدفاع الرباعية" الجديدة.

في الوقت نفسه، من مصلحة الولايات المتحدة وحلفائها الآسيويين على المدى الطويل أن تتحمل البلدان الأوروبية القوية مسؤولية أكبر عن محيطها. ستسمح هذه "الصفقة الجديدة العابرة للأطلسي" للولايات المتحدة بتركيز انتباهها على أماكن أخرى من العالم. في المقابل، يجب أن تدعم أوروبا الدور الأميركي المتنامي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ حتى لو عنى ذلك تراجع عدد القوات الأميركية في أوروبا مستقبلاً. لا تعني سياسة المحور الآسيوي بأي شكل أن واشنطن تتراجع عن التزاماتها تجاه الأمن الأوروبي.

ثالثاً، ما يحصل في أوكرانيا له تداعيات عالمية خطيرة، وسينعكس بعضها على منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وسيعطي سلوك بوتين في أوكرانيا، إذا بقي من دون محاسبة، أثراً سلبياً في المعايير الدولية المتعلقة بسيادة الدول وسلامة أراضيها. في أسوأ الأحوال، قد يولّد الوضع سابقة خطيرة من شأنها أن تسمح لدول أخرى باللجوء إلى تبريرات مماثلة لغزو الدول المجاورة لها. تراقب بكين عن كثب تداعيات أزمة أوكرانيا. إذا استنتجت الصين أن الرد الأميركي على تجاوزات بوتين يبقى ضعيفاً جداً، فقد تسعى بدورها إلى اختبار الصبر الأميركي في آسيا، ولا شك أنه احتمال مقلق بالنسبة إلى الدول المجاورة للصين؛ لذا من الضروري أن تتعامل الولايات المتحدة بجدية مع مقاربة فرض "تكاليف" حقيقية على السلوك الروسي. يتطلب ذلك أيضاً بناء تحالف متين من الدول التي تتشارك المبادئ نفسها لتوجيه رسالة سياسية قوية مفادها أن السلوك الروسي في أوكرانيا غير مقبول.

صحيح أن التعامل مع الصين الناشئة هو أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية بالنسبة إلى الولايات المتحدة على المدى الطويل، لكنّ التكيف مع تراجع الدور الروسي يجب أن يكون على رأس أولوياتها في الوقت الراهن. لا يعني ذلك (كما يظن بعض الأوروبيين) أن الولايات المتحدة يجب أن تتوجه مجدداً نحو محور أوروبا أو أنّ واشنطن يجب أن تتخلى عن سياسة المحور الآسيوي. بما أن الحلفاء الآسيويين لا يريدون رؤية واشنطن عالقة في أزمات أخرى في أوروبا، في حال فشلت في التمسك بالتزاماتها مع حلفائها أو إذا سمحت لروسيا بفرض سابقة خطيرة يمكن أن تكررها الصين، فيجب أن يؤيدوا التزام الولايات المتحدة بقوة في أوروبا راهناً. يجب أن يكون هذا الموضوع محط نقاش بين الرئيس أوباما ونظرائه الآسيويين حين يتقابلون هذا الأسبوع.

Erik Brattberg