ندوات منتهية الصلاحية!

نشر في 12-03-2014
آخر تحديث 12-03-2014 | 00:01
 طالب الرفاعي شهدت الساحة الفكرية والعلمية والثقافية والفنية في الكويت خلال الأشهر القليلة الماضية العديد من الندوات والمهرجانات، ويبدو جلياً للمتأمل في أجواء ونتائج هذه الندوات والمهرجانات، وبلغة السوق التجارية، أنها مشاريع خاسرة، وعاجزة عن سدِّ تكلفتها. فالاتصال والإعداد والترتيب المعقّد والمُتعِب لندوات في فنادق ذات خمس نجوم، وجمع عددٍ من المفكرين والكتّاب والمثقفين من مختلف بقاع الأرض، للتحاور في قاعة مغلقة لمدة يومين أو ثلاثة، ما عاد يقدم شيئاً ذا قيمة للقضية الفكرية أو الثقافية أو الفنية المنعقد من أجلها، ولا باتت المؤسسة الثقافية الرسمية أو الأهلية تستفيد من نتائج هذه الندوات، إلا باستثناء فائدة واحدة أساسية، تتمثل في لقاء بعض الأصدقاء، وتنفيع بعضٍ آخر بسفرة قصيرة مدفوعة التكاليف للتغيير، والحصول على مبلغ مكافأة من باب انتظار ردّ التحية بأحسن منها.

مؤكد أن التباحث والتحاور حول قضية ثقافية أو فكرية أو فنية، شأن مهم ويستحق الوقوف عنده، لكن الشكل الذي تُنفذ به هذه الندوات والمهرجانات بات من مخلفات الماضي، كما أنه يستنزف مبالغ مالية طائلة، وما عاد يصلح لعصر الفضاء المفتوح، وشبكات التواصل الاجتماعي، وعصر التخصص. وحبذا لو صرِفت مبالغ هذه الندوات على أنشطة شبابية، أو راحت في دروب دعم الإبداع الشبابي المستحق. فجميع الندوات، وفي الغالب تُفتتح صباحاً، وتعقد جلساتها صباحاً، فإذا ما أخذ في الحسبان، أن جمهور الأساتذة والكتّاب والمثقفين، ينتمون الى مؤسسات عمل رسمية تحرص على تواجد الموظف فيها خلال ساعات الدوام الرسمي، فإن هذه الشريحة غير متواجدة.

وإذا ما أضيف لهذه الشريحة، شريحة طلبة الجامعة وطلبة المدارس بمختلف مراحلها، فهذه شريحة أخرى غائبة، وإذا ما زدنا على ذلك أن الندوات في معظمها تُناقش قضايا ذات طابع متخصص، وباسلوب فيه ترفع على هموم المواطن، فإن جمهور العامة عازف عنها، لذا سنصل في المحصلة، إلى قاعة مترامية، ومجموعة من المتحاورين يخاطب بعضهم بعضا، وسط غياب نصف المدعوين في لقاءات وحوارات جانبية، ووسط انصراف مجموعة أخرى جالسة في القاعة لكنها تمارس وصلها بالعالم الخارجي وعملها، عبر الإيميل وشبكات التواصل الاجتماعي.

نعم، وبكل صراحة هذه الندوات ما عادت تقدم جديداً للساحة الإبداعية والثقافية والفنية في الكويت! نعم، وبكل صراحة هذه الندوات تشكل غولاً مُتلِفاً يأكل ميزانيات المؤسسات الرسمية والأهلية! نعم، وبكل صراحة هذه الندوات باتت تنعقد كجسر من جسور التثاقف، لكنه جسر ما عاد ينتمي إلى الحظة الإنسانية الراهنة! نعم، وبكل صراحة، هذه الندوات غدت تُعقد من باب تنفيع الأصدقاء، ومن باب تدعوني اليوم لأدعوك في الغد! نعم، وبكل صراحة، نحن بحاجة لشكل جديد تنعقد هذه الندوات في ظله. شكل يؤمن بالانفتاح على الآخر، ومشاركة أكثر من جهة في أعمال الندوات، شكل يخرج من قاعات الفنادق إلى حضن المكتبات، وينتقل من حضور عجوز غائب، إلى حضور شبابي متفاعل من طلبة الجامعات والمعاهد والمدارس. شكل يتخذ من الأصوات الشبابية عنواناً لمعانقة اللحظة، وأخيراً شكل يناقش قضايا تخص حياة الناس، كي يُقبل ويتفاعل الناس معه.

هذه ليست المرة الأولى التي أكتب فيها حول هذا الموضوع، وليست الإدانة الأولى لهذا الشكل من الندوات، ولكن عدداً كبيراً من الأصوات الشبابية المخلصة في الكويت أوصل لي الفكرة تلميحاً وتصريحاً بانزعاجه وخيبته، وهمس بقلبي: متى نخرج من عباءة ندوات البؤس هذه؟ وها أنا أضمّ صوتي إلى أصواتهم، وأقول: نحن في الكويت بحاجة إلى فكر علمي إبداعي شبابي ثقافي عصري قادر على تنظيم ندوات تليق باللحظة الإنسانية الملونة التي يعيشها العالم!

back to top