من المواقع التاريخية التي تستحق الزيارة بالمملكة العربية السعودية الشقيقة مدينة القصيباء، وهي بلدة صغيرة تقع شمال القصيم وتبعد عن مدينة بريدة حوالي 65 كم. وقد وفقني الله تعالى مؤخراً لزيارتها مع مجموعة من الأصدقاء، وكان معنا صديق من بريدة اسمه عبدالمحسن السيف. عندما وصلنا إلى مشارف القصيباء، لم نكن نعرف أين نذهب، ولحسن حظنا ولطف الله بنا شاهدنا سيارة واقفة وبها شخص كأنه ينتظرنا، فسأله الأخ عبدالمحسن أين قرية عنتر؟ فلم يجب عن السؤال بل قال لعبدالمحسن إنه يعرف هذا الوجه وسبق له أن التقى به، فرد عليه عبدالمحسن بالقول إنه أيضاً يتذكر الوجه الذي أمامه، وبعد أن تذكر الاثنان أين التقيا، طلب منا الرجل القصيبائي واسمه «سعيد بن سرور» أن نلحق به، وفعلاً فعلنا، وبعد مدة قصيرة توقفنا عند قصر قديم رائع المنظر يبدو أن مَن سكنه كان يتمتع بنفوذ وسلطة بين قومه.
قال لنا الأخ سعيد إن هذا القصر يسمى قصر «المشقوق». وبعد أن تجولنا به واستمتعنا بتصميمه، انتقلنا بالسيارة إلى موقع آخر قريب من القصر يعتقد أنه موطن عنتر بن شداد الفارس الأسطوري، والأديب العاشق، والشاعر الذي سطر بقصائده وبطولاته ملاحم تاريخية خالدة. وهناك بدأت أستذكر سيرة هذا البطل المغوار الذي ظل طيلة حياته مغرماً بابنة عمه عبلة ابنة مالك العبسي، وفعل المستحيل ليتزوجها، فلم يُكتَب له ذلك بسبب سواد لونه. يقول في إحدى قصائده:لئن أك أسوداً فالمسك لونيوما لسواد جلدي من دواءِولكن تبعد الفحشاء عنيكبعْدِ الأرض عن جوّ السماءِويشكو في قصيدة أخرى الظلم الذي وقع عليه والبعد عن حبيبته، فيقول:حسناتي عند الزمان ذنوبوفعالي مذمة وعيوبونصيبي من الحبيب بعادولغيري الدنو منه نصيبكل يوم يبري السقام محباًمن حبيب وما لسقمي طبيبفكأن الزمان يهوي حبيباًوكأني على الزمان رقيبعاش عنتر حزيناً طيلة الأعوام التسعين التي عاشها، وعبر عن حزنه في قصائد عديدة، يقول في إحداها:ألا يا عبل قد زاد التصابيولجّ اليوم قومك في عذابيوظلّ هواك ينمو كل يومكما ينمو مشيبي في شبابيعتبت صروف دهري فيك حتىفني ــ وأبيك ــ عُمري في العتابولاقيت العدا وحفظت قوماًأضاعوني ولم يرعوا جنابيرأينا قرية عنتر التي يحيط بها جبل عنتر ورأينا البساتين المهملة فيها وشاهدنا أطلال منازل عديدة لا يعرف أحد إن كانت لقوم عنتر أم لأقوام آخرين من بعدهم. وقبل أن نغادر هذا الموقع التاريخي تذكرت بطولة عنتر واعتزازه بشجاعته، إذ يقول:أنا في الحرب العوانِغير مجهول المكانِأينما نادى المناديفي دجى النقع يرانيوحسامي مع قناتيلفعالي شاهدانِإنني أطعن خصميوهو يقظان الجفانِأُسقيه كأس المناياوقِراها منه دانِأُشعل النار ببأسيوأطاها بجنانيإنني ليثٌ عبوسٌليس لي في الخلق ثانِخُلِق الرمحُ لِكفّيوالحسام الهندوانيغادرنا بعد ذلك إلى خيمة كبيرة استقبلنا فيها السيد علي وصالح ابنا سليمان الراضي، وهما أحفاد راضي بن علي السليمان الذي حفر والده بئر «ابنينة» قبل حوالي 270 سنة، ثم بنى قصراً حوله ووضع قناة «مشقوق»، لتصل المياه تلقائياً إلى الأماكن المنخفضة، وغرس أكثر من 500 نخلة. أما ابنه راضي الذي سمي القصر باسمه «قصر الراضي» أو قصر المشقوق، فقد قام بحفر آبار أخرى في القصر، واستقر فيه وأسرته، وقام بتوسعته وترميمه، كما غرس أكثر من 1500 نخلة، وكان ذلك قرابة عام 1250 هجري. في ختام هذا المقال أقول إن زيارة موطن عنتر زيارة واجبة لكل عاشق ولهان ولكل محب للتاريخ العربي القديم.
أخر كلام
وثيقة لها تاريخ: زيارة إلى قرية عنتر بن شداد
07-03-2014