• نظام الأسد نجا من «الضربة» وخسر «الكيماوي» بعد استخدامه... ونجح في «الصمود»

Ad

•«الثورة» دخلت نفق الصراعات والتسويات الدولية... والمعارضة عاشت أزمات سياسية وميدانية

لم يختلف عام 2013 عن العامين السابقين بالنسبة الى السوريين، فالقتل استمر بوتيرة جنونية وبات واقعاً يومياً عادياً، وتوسع النزوح ليبلغ مستويات قياسية، حيث أصبح أكثر من 6 ملايين سوري خارج منازلهم، وتوزعوا على دول الجوار والدول الأوروبية التي وافقت على إيوائهم أو تسللوا إليها، ومنهم من تشتت داخل سورية إلى مناطق تشهد نسبة أقل من العنف، أو تتوافر فيها الحدود الدنيا لمقومات الحياة.  

وفي وقت نجح نظام بشار الأسد في الصمود والنجاة من ضربة عسكرية، شهد العام أحداثاً بارزة عدة على مستوى الأزمة التي تعقدت ودخلت في نفق الصراعات الدولية والإقليمية، واضعة الثورة على نظام آل الأسد التي انطلقت في مارس 2011 رافعة شعار الحرية والديمقراطية والكرامة أمام استحقاقات كبيرة.

«الكيماوي»

ولعل الحدث الأبرز في هذا السياق، هو استخدام نظام الأسد للسلاح الكيماوي ضد منطقة الغوطة قرب دمشق في 21 أغسطس، مما أسفر عن مقتل أكثر من ألف شخص. وعقب هذا الهجوم، صعدت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، التي جعلت من «الكيماوي» خطاً أحمر، من موقفها، وحشدت أساطيلها في البحر المتوسط، مظهرة نيتها في توجيه ضربة عسكرية عقابية للنظام، وأيدها في هذا التصعيد فرنسا، في حين نأت بريطانيا بنفسها بعد رفض برلمانها المشاركة في الحرب.

إدارة أوباما المترددة أصلاً، عادت وتراجعت عن «الضربة»، بعد اتفاق أميركي- روسي توصل اليه وزيرا خارجية البلدين جون كيري وسيرغي لافروف في شهر سبتمبر، وقد نص على تراجع واشنطن عن «الضربة» مقابل موافقة الأسد على تدمير ترسانته الكيماوية بالتعاون مع المجتمع الدولي.

وهكذا خسر النظام السوري ما كان يسميه «سلاحاً رادعاً» بمواجهة السلاح النووي الإسرائيلي. ولكن النظام اعتبر «الاتفاق الكيماوي» انتصاراً تكتيكياً، حيث نجا بشكل نهائي من ضربة عسكرية غربية تقتلعه، كما انفكت العزلة الدبلوماسية الدولية التي كانت مفروضة عليه بسبب متطلبات تنفيذ هذا الاتفاق.    

المعارضة

في المقابل، مرت المعارضة السورية خلال عام 2013 بنكسات قوية، واستحقاقات متعددة كان أهمها تزايد نفوذ الجماعات الإسلامية المتشددة، خصوصاً تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) الذي فرض نفسه كلاعب قوي على الساحة السورية بسيطرته على مناطق في شرق سورية وشمالها، وذلك رغم رفض زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، الذي اعتبر أكثر من مرة أن «جبهة النصرة» هي ممثل تنظيم «القاعدة» في سورية لا «داعش».

كما شهدت المعارضة المسلحة عدة انشقاقات عن «الجيش الحر»، الذراع العسكرية لـ»الائتلاف الوطني السوري» كان آخرها تشكيل «الجبهة الإسلامية» التي ضمت مجموعات مقاتلة بارزة منها «لواء التوحيد»، و»حركة أحرار الشام الإسلامية»، و»ألوية صقور الشام»، و»كتائب أنصار الشام»، و»جيش الإسلام».

وتخلل عام 2013 انقسامات سياسية داخل «الائتلاف الوطني» وبعض مؤساساته، الى جانب محاولات روسية لتقوية ما يسمى بـ»معارضة الداخل» التي انقسمت بين فريقين، الأول قرر المشاركة في حكومة الأسد مثل قدري جميل الذي عاد وانشق لاحقاً عن النظام، وعلي حيدر زعيم الحزب القومي الذي لايزال يشغل منصب وزير المصالحة الوطنية، والثاني مثل «هيئة التنسيق» يتبنى موقفاً يرفض أي تدخل خارجي في الأزمة ويعادي الائتلاف الوطني ويتخذ في بعض الأحيان مواقف مهادنة للنظام.

«جنيف 2»

وعلى هامش الاتفاق الروسي- الأميركي بشأن تدمير الكيماوي السوري، الذي ادخل سورية عملياً في نفق الصراعات والتسويات الدولية، اعادت واشنطن وموسكو إحياء الحديث عن مؤتمر سلام يجد حلاً سياسياً للأزمة التي تعيشها البلاد، وبات المؤتمر المرتقب يعرف في الإعلام باسم «جنيف 2»، لأنه سيرتكر إلى بيان جنيف الذي اتفقت عليه الدول المعنية بالأزمة لسورية بما فيها موسكو حليف النظام، والذي وضع سقفاً لأي حل سياسي يتضمن تشكيل هيئة انتقالية بصلاحيات كاملة. الا أن بيان جنيف لم يتطرق الى مصير الأسد في المرحلة الانتقالية، الأمر الذي فتح الباب واسعاً أمام قراءته بطرق مختلفة ومتناقضة. ومع تحديد موعد مؤتمر «جنيف 2» في 22 يناير 2014، أي قبل أشهر من الانتخابات الرئاسية المقررة في سورية، بات الحديث يتزايد عن رغبة الأسد في الترشح الى الانتخابات أو حتى أن يقود بنفسه المرحلة الانتقالية، الأمر الذي ترفضه المعارضة وحلفاؤها الإقليميون والدوليون.   

الأوضاع الميدانية

فيما يخص الوضع الميداني، كان عام 2013 عام المراوحة، فلا النظام نجح في القضاء على الثورة عسكرياً، ولا الثورة تمكنت من تحقيق انتصارات تغير المعادلة. ولكن كان هناك معارك كبيرة ومفصلية، منها معركة القصير في مايو 2013.

لقد شكلت معركة القصير نقطة مفصلية وذلك من ناحيتن: الناحية الأولى انها كرست تدخل «حزب الله» اللبناني في الحرب السورية بشكل علني، مما ساهم في تصاعد التوتر المذهبي في سورية والمنطقة بشكل قياسي، الناحية الثانية انها مكنت النظام من القضاء على الوجود القوي للثوار في محافظة حمص، والحد من التواصل بين حمص والحدود اللبنانية.

وبشكل عام توزعت خريطة السيطرة الميدانية بين النظام والمعارضة على الشكل التالي: في الشمال والشرق هيمنة للمعارضة مع جيوب للنظام، في الغرب والوسط هيمنة للنظام مع جيوب للمعارضة، بينما بقي الجنوب خصوصاً محافظة درعا مسرحاً لمعارك طاحنة وسط توازن للقوى بين الطرفين.   

وقد قتل خلال عام 2013 عشرات آلاف السوريين، وتخلل العام الدموي مجازر وحشية في عدة مناطق، كما تشرد السوريون في دول العالم بين لاجئ ومتسلل في ظروف مأساوية عجز المجتمع الدولي ومعه الأمم المتحدة عن معالجتها بالحد الأدنى.

وقد عاش اللاجئون في لبنان والأردن خصوصاً ظروفاً أليمة، بسبب الضغوط السياسية والطائفية والأمنية والاقتصادية التي يعيشها هذان البلدان، في حين قللت تركيا بشكل حاد من وتيرة استقبالها للسوريين الهاربين من العنف، وتمكنت من ضبط اللاجئين في مخيمات مانحة إياهم خدمات مقبولة.

ووسط هذه الظروف، تزايدت الانتهاكات بحق السوريين سواء في الداخل أو في الخارج، وسواء كانوا موالين للنظام أو معارضين له. وقامت مجموعات متشددة بإعدامات ميدانية وفرضت أحكاما متشددة على المناطق التي تتواجد فيها، في حين واصل النظام القتل كأنه حاصل على «ضوء أخضر» دولي بعد تفانيه في التعاون من أجل تدمير ترسانته الكيماوية، وبعد أن تزايد الحديث بشكل واسع في الدول الغربية عن خطر الجماعات الإرهابية المتشددة.

الطائفية... القومية وغيرها

ونتج عن كل هذه الأحداث أن دخلت سورية خلال عام 2013 في أتون من الصراعات والانقسامات القديمة- الجديدة، وذلك على ضفاف الانقسام الأفقي بين مؤيدي النظام ومؤيدي المعارضة.

فقد برز الخلاف الطائفي والمذهبي بين مكونات المجتمع السوري، خصوصاً مع تزايد نفوذ المجموعات المتشددة ومطالبة بعض فصائل المعارضة بإقامة دولة إسلامية بعد سقوط الأسد.

وحاول النظام إعادة طرح نفسه كمخلص للأقليات، بعد أن تعرض المسيحيون والعلويون لحوادث مؤسفة. وبرزت مطالب الأكراد بالانفصال أو بالحكم الذاتي، كما اشتبكت بعض فصائلهم مع فصائل معارضة متشددة. وعاد السجال بشأن سورية المستقبل، وما إذا كانت عربية او متعددة الأعراق إلى الساحة، إلى جانب غيرها من التناقضات والانقسامات التي تجد في هذه الأجواء مرتعاً خصباً.  

خلاصة

وسط كل هذه الظروف والأحداث، وبعد مقتل أكثر من 150 الف سوري منذ 11 مارس 2011، لايزال الشعب السوري متمسكاً بمطالبه المحقة والعادلة التي خرج إلى الشارع من أجلها، وهي الحرية والديمقراطية والكرامة، والتي أضيف إليها مطالب جديدة مثل محاسبة المرتكبين والمنتهكين. وبالرغم من هذا الإصرار، لا تلوح في الأفق أي بارقة أمل، وسيطوي عام 2013 صفحته الأخيرة فيما تعيش سورية في دوامة العنف بانتظار مؤتمر «جنيف 2»، الذي وإن تمخض عن حل سياسي، وهذا ما يبدو مستبعداً حتى الآن، فإنه سيكون عاجزاً عن إعادة الاستقرار والأمن ووقف المعارك. وبكل تشاؤم يمكن القول إن السوريين يودعون عاماً أسود هو عام 2013، ويستقبلون عاماً جديداً هو عام 2014 متوقعين الأسوأ.