روى القصة الشائكة لمهمته المستحيلة في سورية ومحطات أخرى (2-3)

نشر في 26-06-2014 | 00:04
آخر تحديث 26-06-2014 | 00:04
الإبراهيمي: حاولت مقابلة الشرع فجوبهت بالرفض... وتصريحات داود أوغلو أضرته

«فوجئت بالتدخل العسكري العلني لحزب الله... ونوري المالكي أيد الأسد قلباً وقالباً»
مبعوث الجامعة العربية والأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي الذي استقال من مهمته أخيراً كوسيط لحل الأزمة السورية، روى لرئيس تحرير «الحياة» تفاصيل تلك المهمة الشاقة، وما رافقها من اتصالات ومواقف. و«الجريدة» تنشر بالتزامن مع «الحياة» تلك الرواية.

في هذه الحلقة يتحدث المبعوث الدولي والعربي السابق إلى سورية الأخضر الإبراهيمي عن لقاءاته مع عدد من قادة دول المنطقة، في إطار سعيه إلى حل سياسي في سورية.

ويروي الإبراهيمي أنه طلب أكثر من مرة، خلال زياراته لدمشق، الاجتماع بنائب الرئيس فاروق الشرع إلا أن طلبه رفض، مضيفا أنه لا يستبعد أن تكون تصريحات وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو قد أضرت بالشرع خصوصا حين طالب الأسد بتفويض صلاحياته إلى نائبه... وهنا نص الحلقة الثانية:

• التقيت خلال مهمتك أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني؟

- نعم، ووجدته مقتنعا بأن نظام (الرئيس بشار) الأسد على طريق السقوط، وأن بشار يجب أن يتنحى. كان يعتبر ان القصة ستحسم في أسابيع أو أشهر، وأنه كلما بكر الأسد بالرحيل كان ذلك أفضل، لأن الحل يبدأ بذهابه.

• تردد ان رئيس وزراء قطر حينها، وكان رئيسا للجنة الوزارية العربية التي تتابع الوضع، حمد بن جاسم، اقترح على إيران حلا ينص على أن يفوض الأسد كل صلاحياته لنائبه فاروق الشرع، وأنهم رفضوا ذلك؟

- حكي كثيرا عن هذا الموضوع، لكنني لست مطلعا عما إذا كان عرض ذلك على الإيرانيين ورفضوه. الحقيقة ان وزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو دعا علنا إلى خطوة من هذا النوع، وأعتقد أن دعوته تلك أضرت بالشرع. الإيرانيون في تلك المرحلة كانوا يقولون نحن نعترف بوجود أزمة في سورية، وفيها طرفان: الحكومة والمعارضة، ونعترف بأن الحل يكون باتفاق بينهما، لهذا ندعو إلى مفاوضات تنتهي بانتخابات تحدد من سيحكم البلد.

• لم تؤيد إيران بيان «جنيف1»؟

- لم تكن حاضرة. لم تؤيد البيان ولم تعلن معارضتها له. لم تخف إيران أنها مع النظام قلبا وقالبا، لكنهم كانوا يقولون إن ذلك ليس معناه أننا نقبل كل ما يقوله النظام. وزير الخارجية الحالي محمد جواد ظريف يقول: نحن نؤيد دولة عضوا في الأمم المتحدة، هل تريدوننا أن نخجل بذلك، في حين تؤيد دول مجموعات إرهابية؟ طبعا الدول الأخرى لا تؤيد مجموعات إرهابية بل تؤيد معارضة مسلحة.

• والتقيت المسؤولين الاتراك؟

- نعم، التقيت الرئيس عبدالله غول، وهو رجل محترم وعاقل. والتقيت رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان مع بان كي مون في قمة العشرين في سانت بطرسبرغ. كان موقفه ضد النظام ويريد التغيير.

• هل كان داوود اوغلو متشددا ضد الاسد؟

- جدا. الحقيقة انني كنت اطرح على من التقيهم ما يمكننا عمله فكان بعضهم يسارع الى السؤال متى سيمشي الاسد؟ ولك ان تتخيل صعوبة العمل في ظل تناقض المواقف الاقليمية والدولة وعمق الشرخ بين السوريين. الشيء اللافت هو ان الشيخ حمد بن خليفة والشيخ حمد بن جاسم واردوغان واوغلو كانوا قبل الازمة من اقرب الناس الى الاسد، وصاروا الاشد عداء لبقائه. هذا الموضوع يدعو الى التفكير والتعمق فيه.

• هل كان هناك برنامج «اخواني» للمنطقة؟

- لا اعلم، لكن لا شك في ان الاتراك تبنوا «الاخوان» في كل مكان بما في ذلك سورية، واعتقد ان قطر اتخذت موقفا مشابها من دون ان اكون على اطلاع على التفاصيل القطرية. الاتراك تبنوا «الاخوان» وكانوا على صلة بهم في تونس ومصر وسورية. واللافت ايضا انه وفي المرحلة الاولى من «الائتلاف» حصل «الاخوان» على حصة اكبر بكثير من قوتهم الفعلية، وهذا بلا شك بفضل تأييد تركيا وقطر لهم، وقد خف هذا التأييد لاحقا.

• التقيت ايضا الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد كيف كان اللقاء؟

- كان سريعا، لانه كان يستعد للمغادرة الى اذربيجان. التقينا ليلا نحو نصف ساعة. كرر الموقف الايراني الذي اشرت اليه سابقا، وهو وجود ازمة في سورية وضرورة التفاوض بين الطرفين، وان تكون الكلمة في النهاية للانتخابات. هذا كان جوهر الموقف الايراني طوال الوقت وتغير قليلا الآن مع مجيء (الرئيس حسن) روحاني صاروا يتحدثون عن اخطاء ارتكبت، وان التغيير ضروري. لكن موقف ايران على الارض معروف تماما. في ايام روحاني صارت صياغة الموقف الايراني اكثر اتقانا وبراعة.

• احمدي نجاد لم يكن متشددا في صياغة موقفه الداعم للاسد؟

- قلت لك كيف كانوا يتولون عرض موقف بلادهم. وزير الخارجية كان يردد الكلام نفسه. جوهر الموقف هو التأييد الكامل للنظام لكن التعبير عنه اليوم يتم بطريقة جديدة نسبيا.

• وهناك الموقف العراقي؟

- العراق كما تعرف اطراف. نوري المالكي مع النظام (السوري) قلبا وقالبا.

• وقدم له مساعدات؟

- أتصور ان ذلك قد حصل. هناك عراقيون يقاتلون الى جانب النظام تماما كما يفعل «حزب الله» اللبناني. انهم افراد ميليشيات لم تأت علنا باسم الدولة لكن يصعب الاعتقاد بأن الدولة ليس لها دور في ما يقومون به.

• هل فوجئت بتدخل «حزب الله» العلني الى جانب الاسد؟

- نعم، فوجئت لان شرعية الحزب وخصوصا شرعية سلاحه تأتي من وقوفه في وجه إسرائيل، وهي شرعية زادت بفعل صمودهم في حرب 2006 في مواجهة اسرائيل. ان ينتقل هذا السلاح من الحدود الجنوبية للبنان الى سورية ويخوض الحرب هناك وهي مسألة ليست بسيطة وتشكل تغييرا كبيرا في دور الحزب. انا لا اريد الخوض في انعكاسات ذلك لدى جمهور الحزب او في لبنان.

• هل تعتقد ان مشاركة «حزب الله» والميليشيات الشيعية العراقية في القتال في سورية اعطته طابعا طائفيا؟

- يمكن القول انها اكدت هذا الطابع الذي كان موجودا. هذه المشاركة الخارجية في القتال الى جانب كل من الطرفين هي التي جعلتني احذر باكرا من خطر انتقال النزاع الى خارج الاراضي السورية وللاسف نشهد اليوم هذه المآسي في العراق. طبعا الاستقطاب الطائفي على مستوى المنطقة مؤسف وشديد الخطورة، ولا شك ان النزاع في سورية ساهم في هذا الفرز وعمقه.

• من التقيت في روسيا؟

- التقيت لافروف. حين زرتها للمرة الاولى كان بوتين مريضا.

• يقال ان لافروف مفاوض بارع؟

- مفاوض بارع ومطلع. يدافع عن رأيه بقوة وثبات ويصعب ان يغير رأيه لكن التعامل معه مريح.

• هل عانت مهمتك ذيول ما اعتبره الروس خديعة تعرضوا لها في ليبيا، وهل هذا يفسر لجوءهم المتكرر الى الفيتو في مجلس الامن؟

- هذه نقطة مهمة جدا وقد تحدث عنها لافروف اكثر من مرة. أعتقد ان الدول الغربية لم تستوعب حجم الغضب الروسي مما حصل في ليبيا ولم تحاول تبديده. يقول الروس انه كان هناك اتفاق بينهم وبين الاميركيين وصدرت تصريحات غربية رفيعة المستوى بان الموضوع في ليبيا ليس موضوع تغيير نظام بل هو موضوع حماية المدنيين. ويقول الروس ان القرار الذي وافقوا عليه كان واضحا ولا يتضمن اي دعم لتغيير النظام وان الغربيين استخدموا القرار خلافا لمضمونه. وكرر لافروف ان روسيا لن توافق لا من قريب ولا من بعيد على اي قرار يمكن ان يوظف بهذا الشكل.

قلت له لماذا لا نضمن القرار المستند الى الفصل السابع فقرة تنص صراحة على ان استخدام السلاح يحتاج الى قرار جديد من مجلس الامن فرد بالرفض قائلا ان الغربيين سيجدون الف طريقة للالتفاف على ذلك. بالنسبة اليهم اصبحت عبارة الفصل السابع حساسة وممنوعة.

• هل طلبت من لافروف ممارسة ضغوط على الاسد؟

- قال الروس: ليس من مهمتنا ان نقول للاسد ان يغادر. ثم ان نفوذنا على الرجل اقل مما يعتقد كثيرون. ذات يوم قال لافروف: نحن نفوذنا على بشار اقل من نفوذ الاميركيين على بنيامين نتنياهو. فقلت له: يا خبر اسود.

• هل فاجأك الموقف الصيني باعتماد الفيتو وكيف تفسره؟

- لا لم يفاجئني. الصين حساسة في ما يتعلق بسيادة الدول. علينا ان نتذكر ان لديهم مشكلة التيبت ويعتبرون ان الاعتراف بالسيادة الصينية يعني عدم جواز التدخل في التيبت. لا يقبلون بتأويلات لموضوع السيادة.

• هل خوف روسيا من «الربيع الاسلامي» يساعد ايضا على شرح موقفها؟

- لا شك انهم اعتبروا الوضع في ليبيا سيئا والوضع في مصر مقلقا وحتى الوضع في تونس اما سورية فهي اقرب اليهم جغرافيا. كانت قراءتهم للوضع انه في حال سقوط النظام في سورية، فان المؤهلين لتسلم السلطة ليسوا المنتمين الى المعارضة المعتدلة بل التيارات الاسلامية المتشددة. كان من السهل قراءة موقفهم هذا من طريقة تعاملهم مع الحدث.

• هل كادت اميركا تشن حربا على النظام السوري يوم اتهم باستخدام السلاح الكيماوي؟

- لا ادري حقيقة ماذا كان يدور في رأس الرئيس باراك اوباما. ارسل قطعا بحرية واطلق تهديدات. كانت القوات جاهزة فهل كان يريد شن عمل عسكري ام دفع الضغط على الاسد الى اقصى حد، لا اعرف. سئلت انا ما رأيك باستخدام القوة؟ فاجبت انني اقول دائما ان استخدام القوة يجب ان يتم بتفويض من مجلس الامن وهذا ما يقوله ميثاق الامم المتحدة. هبت عاصفة من الانتقادات. لن يستأذنني اوباما اذا كان يريد شن حرب ورأيي ليس مؤثرا لكنني اتحدث عن القانون الدولي. وقال الامين العام للامم المتحدة ذلك مرات عدة. كثيرون اعتقدوا ان الضربة آتية وستكون قاضية وينتهي الموضوع في سورية. مقالات كثيرة كتبت في هذا الاتجاه ثم جاءت الصدمة عنيفة.

• هل تعتقد ان الروس التقطوا الفرصة وحرموا الاميركيين من مبرر شن ضربة عسكرية؟

- الله اعلم. كنا في قمة العشرين في سانت بطرسبرغ  في نهاية اغسطس 2013 وكان المشاركون يترقبون على مدى ثلاثة ايام موعد لقاء اوباما مع بوتين، وماذا سيصدر عنه. لم يحصل اي لقاء. في اليوم الاخير توجه المشاركون الى الغداء واذ باوباما وبوتين يقفان نحو 20 دقيقة ويعلن ان كيري ولافروف سيلتقيان في جنيف لبحث موضوع الكيماوي. هذا يعني انه كانت هناك اتصالات اخرى بين الفريقين على المستوى السياسي والاستخباراتي. دعي وليد المعلم الى موسكو واعلن استعداد سورية لتسليم اسلحتها الكيماوية. جاء كيري ولافروف الى جنيف واجتمعا في الانتركونتيننتال ثم جاءا الى مكتبي في مقر الامم المتحدة حيث عقدنا اجتماعا ثلاثيا.

• ماذا جرى في الاجتماع؟

- بحثنا في عقد اجتماع «جنيف 2» العتيد. طبعا، وهذا مضحك، هناك من اقحمني في موضوع الحل الكيماوي وهذه امور اكبر مني بكثير. وهناك من اتهمني بانني ساهمت في عدم حصول الضربة العسكرية. هذه مسائل تخص دولا كبرى ولا علاقة لنا بها او لنا تأثير عليها. لم تكن لي يد لا من قريب او بعيد. قالا نريد ان نلتقي لبحث الوضع في سورية، فقلت لهما غير مناسب ان يعقد اللقاء في فندق ومبنى الامم المتحدة على بعد مئة متر، فقبلا وكان اللقاء. قالا فلنحاول البحث عن حل سياسي. اعتقد انه كان لديهما حسن نية. لكن كان لكل منهما حسابات وحلفاء ومصالح دول، وقد فشلنا في مساعدتهما على التوصل الى حل.

• هل ورد موضوع نائب الرئيس السوري فاروق الشرع في بالك؟

- نعم طلبت أن أقابل الشرع فقالوا لي لا.

• في أي رحلة؟

- في كل رحلة باستثناء الأخيرة. في الرحلة الأخيرة تحدثت مع الأسد. قلت له ان الرجل لايزال نائبا للرئيس لديكم وأنا أعرفه منذ ثلاثين سنة، ماذا سيقول الناس عني إذا لم أسلم عليه؟ فرد: لا رجاء أنت ضيف عندنا ولا داع لذلك.

• هل فكرت في أن يلعب الشرع دوراً في المرحلة الانتقالية؟

- بكل تأكيد. يقول لافروف وأظن أن ذلك كان في فبراير 2012 حين ذهب إلى الأسد وشدد على ضرورة ان تجرى مفاوضات ان الأسد رد أن فاروق الشرع يقود المفاوضات باسمي. ويقول لافروف انه في تلك المرحلة كانت المعارضة تعتبر نفسها منتصرة ولم تكن مهتمة بالتفاوض لا مع الشرع ولا مع غيره.

• لكنك تحدثت هاتفياً مع الشرع؟

- هو كلمني أو انهم قالوا له ان يكلمني. انا احتججت بشدة وقلت لهم أنا سأتصل به. كلمني قبل أن أتصل به. افهمت الشرع بوجود معارضة للقائنا، وقلت له هل تحب أن آتي إليك فأنا مستعد واذا كنت تحب أن تأتي إليّ فأهلا بك، يمكن ايضا ان نلتقي لدى صديق. لم يعاود الاتصال ولم أحاول أن احرجه.

• ما معلوماتك عن استخدام السلاح الكيماوي في سورية؟

- شكلت الأمم المتحدة لجنة للتحقيق في ما جرى في خان العسل، وهذا كان قبل أغسطس. الحكومة السورية طلبت من الامين العام اجراء تحقيق وتجاوب. طلب من اللجنة أن تتأكد مما اذا كان السلاح الكيماوي قد استخدم من دون ان يطلب منها التحقيق في هوية الجهة التي استخدمته. البريطانيون والفرنسيون دعوا إلى التحقيق في حالات أخرى. النظام رفض وقال نحن دعوناكم من اجل خان العسل. لم يحصل اتفاق على زيارة اللجنة الا قبيل 21 اغسطس حين تسارعت الانباء عن استخدام السلاح الكيماوي في الغوطة. وصلت اللجنة قبل أيام إلى دمشق استعداداً لزيارة خان العسل وربما زيارة مكانين آخرين. في 21 أغسطس 2013 استخدم السلاح الكيماوي على بعد كيلومترات من الفندق الذي يقيم فيه أعضاء اللجنة. حصل أخذ وعطاء، وفي النهاية وافقت الحكومة وذهبت اللجنة وأكدت ان السلاح الكيماوي قد استخدم في الغوطة. جمعت اللجنة عينات واكدت استخدام السلاح، واعتقد أنهم قالوا أيضاً إن الكيماوي استخدم في خان العسل.

حصل انقسام. قال الروس انهم على ثقة كاملة ان النظام لم يستخدم السلاح الكيماوي في اي مكان، وحملوا أطرافا في المعارضة مسؤولية استخدام هذا السلاح.

• لماذا وافق الروس على تدمير أسلحة سورية الكيماوية؟

- هذا مبدأ عام. على الأميركيين والروس تدمير كل اسلحتهم الكيماوية لكنهم تأخروا. اعتبر أن سورية انضمت الى هذه الجهود. وهذا يفرح إسرائيل إلى أقصى حد أن تتنازل سورية عن هذا السلاح الاستراتيجي.

• خلال مهمتك هل طلبت من الأسد إطلاق المعتقلين؟

- طبعاً قلت له لدي قائمة اعدتها منظمات سورية لحقوق الإنسان وتضم 29 ألف اسم وسأسلمها لمكتبك. أرجو أن تتدخل فبينهم من اعتقلوا خلال مشاركتهم في تظاهرات. قلت للمعلم لاحقا لماذا لا يطلق سراح النساء والأطفال والمسنين. الآن يتحدثون عن عفو واطلاق بعض الفئات، ويبدو أن عددا لا بأس به قد خرج.

• سمعتك تقول إنه لم يكن لديك أمل أن يحقق «جنيف 2» شيئا لماذا عقدته؟

- مجرد قبول الفريقين بفكرة اللقاء ومبدأ الحل السياسي كان مهماً. الوضع في سورية كان مأسوياً، فالمشكلة ان كلا من الطرفين لم يأت متطلعا الى حل. النظام يحلم بانتصارات ميدانية أوسع، والمعارضة غير مرحبة بالتفاوض في ظل ميزان القوى الحالي. الحقيقة ان المعارضة جاءت بفعل الضغوط التي مارسها الأميركيون، والنظام جاء بفعل ضغوط الروس. وتصرف كل فريق بأسلوب من اجبر على المجيء. قلت هذا الكلام للاميركيين والروس، وقلت إنني لن استطيع الحصول منهم على شيء إلا إذا أقنعتوهم جدياً بضرورة البحث عن حل، وهذا يعني تنازلات وقرارات، وهذا لم يحصل. قرار المعارضة بالمجيء اتخذ قبل يوم واحد من الاجتماع. قلت للمعلم وبشار الجعفري مندوب سورية في الأمم المتحدة كأنني كنت معكم لدى تلقيكم التعليمات. اخواننا الروس يريدون منا ان نذهب. المطلوب ليس فقط الا تتنازلوا بل الا تفاوضوا. احتج المعلم والجعفري فأجبتهما ان كل كلمة قلتماها أو لم تقولاها تؤكد ما قلته لكم. في أية حال الأسد تحدث لاحقاً عن استحالة التفاوض مع معارضة الخارج.

المعلم نفسه حمل إلى مونترو خطابا قاسيا وعنيفا ولم يترك تهمة الا الصقها بالمعارضة بدءاً من الخيانة ووصولا إلى ما هو أبعد. كان جوهر الخطاب: من انتم لنتفاوض معكم؟ قلت له مرة اذا كنتم تعتبرونهم خونة وعملاء كان الأفضل ألا تأتوا.

• هل كان إجلاس الوفدين تحت سقف واحد صعباً؟

- هذه لم تكن شديدة الصعوبة المشكلة كانت في غياب النية. الحقيقة ان المعارضة بدأت بعد ايام تتكلم لغة من يريد أن يحاور بحثاً عن حل، لكن النظام استمر على موقفه ولهذا اوقفت الاجتماعات.

• متى اتخذت قرار إنهاء مهمتك؟

- منذ سنة. قلت للناس باكراً إنني أفكر كل صباح في الاستقالة. قبل «جنيف 2» قلت للامين العام إنني سأنظم هذا الاجتماع وأغادر بعده. الحقيقة انك تتعذب حين ترى هذه الخسائر البشرية الفادحة والدمار الكبير ولا ترى نفسك قادراً على وقف القتل أو تخفيف الالام. حاول الامين العام اقناعي بالبقاء فقلت له المثل العربي «تبديل السروج راحة»، ونصحت الأمين العام بالبحث عن شخص آخر ربما تكون لديه افكار جديدة أو مقاربات أخرى.

• هل طلبت من روسيا ممارسة ضغوط على سورية لعدم إجراء الانتخابات الرئاسية؟

- قال الروس أكثر من مرة ليست مهمتنا ان نقول للاسد ان يغادر. من يرد أن يطلب منه ذلك فليذهب اليه. ثم ان نفوذنا على الرجل اقل مما يعتقد كثيرون. ذات يوم قال لافروف: نحن نفوذنا على بشار اقل من نفوذ الأميركيين على بنيامين نتنياهو. فقلت له: يا خبر أسود.

• هل تتوقع أن تستمر المواجهات في سورية لسنوات؟

- عندما يقول النظام إن وضعه العسكري يتحسن يمكن القول إن ذلك صحيح. حين يستنتج النظام أن الحسم قريب والنصر وشيك، هذا الموضوع أشك فيه. موضوع الحسم ليس في يد النظام. إنه في يد جيرانه والمجتمع الدولي. سورية تعيش حربا اهلية وحربا اقليمية عبر الازمة السورية. الحسم العسكري متعذر في رأيي ما دام باستطاعة المعارضة في الداخل تلقي مزيد من الرجال والسلاح والمال عبر الحدود. احتمال ان تطول الحرب سنوات وارد. يبقى دائما وجود احتمال بان تتوقف. الامين العام للامم المتحدة يدعو الى توقف التسليح والتمويل من كل الاطراف والى كل الاطراف اي ليس فقط للمعارضة. تتوقف الحرب بالاتفاق على قيام سورية الجديدة اي سورية المختلفة عما كانت عليه في ظل حافظ الاسد وبشار الاسد. الاتفاق على سورية الجديدة يعيد اللحمة بين الناس وبين سورية وجيرانها.

• هناك من يقول إن مهمتك تضررت بفعل الأزمة الأوكرانية والانتخابات الرئاسية في سورية واستمرار الخلاف الإيراني-السعودي فهل هذا صحيح؟

- لا شك ان هذا الكلام صحيح. انا افضل الكلام على العوائق التي تحول دون رفع هذا الظلم الكبير الذي يتعرض له الشعب السوري. هناك حالت النكران لدى النظام. ينكر النظام وجود انتفاضة او ثورة او تمرد ويتمسك باعتباره المسألة مؤامرة خارجية وهذا غير صحيح. المشكلة في الطرف الآخر استسهال الوضع في سورية واعتبار ان النظام انتهى. وهذا يصدق على المعارضة وكثيرين من مؤيديها دوليا واقليميا.

كنا اسسنا مسارا ثلاثيا يضم اميركا وروسيا والامم المتحدة. الازمة الاوكرانية اوقفت هذا المسار الذي كان يعاني اصلا اختلاف القراءات والحسابات بين واشنطن وموسكو. الانتخابات الرئاسية السورية اكدت عمليا ان المفاوضات التي بدأناها في جنيف انتهت. الحقيقة انها كانت منتهية عمليا لكن الانتخابات عززت هذا الاستنتاج.

• ما خطورة أن نشهد تلازم حربين أهليتين، واحدة في سورية وأخرى في العراق؟

- هذا الامر شديد الخطورة. حرب واحدة يمكن ان تؤثر على الدول القريبة والبعيدة. انظر الى اللاجئين السوريين في لبنان والاردن وتركيا. مآس انسانية واعباء اقتصادية ومخاوف امنية. انظر ايضا الى قلق الدول الاوروبية والغربية من ابنائها الذين يقاتلون في سورية. حرب اهلية وذات طابع طائفي وبتورط اقليمي، هذا شديد الخطورة. لم اكن ابالغ حين حذرت باكرا من الصوملة في سورية. ثم هناك ما يجري في العراق وهو يهدد بلدا مهما في المنطقة وتوازناتها.

• تعاملت مع الأسد الأب ثم تعاملت مع الأسد الابن، ما الفارق في الأسلوب؟

- كل واحد منهما ابن جيله. الاسد الاب كان يعرف المنطقة معرفة جيدة وكان طويل البال. كان يعقد جلسات تمتد احيانا سبع ساعات.

• لم يكن هناك ود بينك وبين الأسد؟

- لا مع الاب ولا مع الابن، لكن كان هناك الاحترام. يمكن ان الاب كان يعرفني بصورة افضل. وانا كنت اعرفه بصورة افضل. سافرنا، الاسد الاب وانا في طائرة واحدة للمشاركة في تشييع جمال عبدالناصر. كنت في دمشق التي ارسلني اليها الرئيس هواري بومدين في اطار جهود تتعلق بما سمي آنذاك «ايلول الاسود»، اي الاشتباكات بين الجيش الاردني والمنظمات الفلسطينية. عرفنا بنبأ وفاة عبدالناصر خلال وجودنا على العشاء في منزل نور الدين الاتاسي رحمه الله. في اليوم الثاني سافرنا معا. كان حافظ الاسد كما عرفت اتخذ قرار السيطرة على الوضع لكنه ينتظر التوقيت المناسب لاصدار البيان الرقم واحد. كان الناس يعرفون ذلك والاتاسي كان يعرف. وعلم انه ارجأ الاعلان عن حركته بسبب وفاة عبدالناصر.

• التقيت صدام حسين والتقيت المالكي، ما الفارق بين أسلوب الرجلين؟

- لم اعرف ايا منهما عن قرب. قابلت صدام بشأن لبنان وكذلك بشأن الحرب العراقية-الايرانية لكن علاقتي به لم تكن عميقة مثل علاقتي مع عبدالناصر مثلا. وقابلت المالكي واللقاء الاخير معه كان يتعلق بسورية. معرفتي بالرجلين لا تسمح بعقد مقارنة بينهما.

• بماذا كنت تشعر وأنت تنام في دمشق بينما ترزح سورية تحت القتل والدمار؟

- حاولت باكرا ان اعبر عن هذا الشعور. الامر مؤلم. هناك كنيسة في حمص بنيت في سنة 57 ميلادية هدمت. مسجد خالد بن الوليد ضرب. المسجد العمري في درعا ضرب ايضا. المسجد الاموي في حلب حصل قتال داخله. الاسواق الشهيرة في حلب احترقت. لهذا قلت انهم يدمرون حاضرهم ويهددون مستقبلهم ويدمرون ماضيهم. الحقيقة انهم يدمرون ماضينا جميعا فهذا التراث يخص الانسانية في النهاية وليس سورية وحدها. حين يذهب المرء الى دمشق التي تغنى بها شعراؤنا ووصفت بانها قلب العروبة النابض وللمرء فيها ذكريات يشعر بالاسى والكارثة. انا زرت دمشق للمرة الاولى عام 1958. الآن تسمع فيها دوي المدافع ليلا ونهارا. هذا فظيع. يشعر المرء بحزن شديد وغضب شديد.

• لا النظام أحبك ولا المعارضة؟

- هذا صحيح، وكل فريق انطلاقا من حساباته. انا لم اكن في رحلة علاقات عامة. انا كنت في مهمة لها قواعد وضوابط. ليس المهم المشاعر تجاه المبعوث، المهم المواقف من المسائل المطروحة. انا قلت منذ اليوم الاول ان ولائي هو للشعب السوري وحده وقبل الجامعة العربية والامم المتحدة اللتين لا مصالح لهما منفصلة عن مصالح الشعب السوري.

• تتحدث كأنك ظلمت في الإعلام؟

- ظلمت جدا خصوصا في العالم العربي، ومما اسميه الاقلام المأجورة وهي موجودة في دمشق وخارجها. كل واحد يريد ان يفرض عليك تصوره وحين تكون مستقلا يعتبرك ضد سورية. بالنسبة الى النظام هناك مؤامرة امبريالية استعمارية اسرائيلية واذا كنت ضد موقف النظام فانت إذاً جزء من هذه المؤامرة ومؤيد للارهاب ومن حيث دريت ام لم تدر فانت متواطئ مع اسرائيل. بالنسبة الى المعارضة النظام ساقط وانت تقول لا يوجد حسم عسكري ويجب اجراء مفاوضات وهذا يعني انك تحمي النظام وبالتالي انت عدو وقد عبر جورج صبرا عن هذا الموقف ببلاغة شديدة.

(غداً الحلقة الأخيرة)

back to top