رهان جون كيري على الشرق الأوسط قد يثمر
هناك طرح بديل يشير إلى أن كيري يستخدم مهاراته السياسية بذكاء في موضع يمكنه فيه أن يحقق بعض النجاح خلال عهد رئيس قوض تماماً مصداقية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
سقط المزيد من "البراميل المتفجرة" على المدن السورية خلال الأسبوع الماضي، وما زال المدنيون المحاصرون يعانون المجاعة في ضواحي دمشق، كذلك يواصل النظام العسكري في مصر محاولته لسحق جماعة الإخوان المسلمين، ومعها احتمال عودة حليف الولايات المتحدة العربي الأهم إلى الديمقراطية، أما لبنان والعراق، فيترنحان تحت وطأة الاغتيالات الجديدة والصراع الطائفي. ولكن أين هو جون كيري؟ في القدس ورام الله الهادئتين، حيث يسعى إلى تعزيز مساعيه بهدف تحقيق رهانه البعيد المنال: لعب دور الوسيط في تسوية سلام إسرائيلية-فلسطينية شاملة.كيف نفهم أولويات كيري الغريبة هذه؟ يعتبر البعض أن هذا رهان شبه وهمي هدفه تحقيق إرث يطمح إليه سيناتور سابق ومرشح رئاسي في السبعين من عمره لم ينجح في إقناع إلا نفسه بأنه يستطيع النجاح، حيث أخفق الكثير ممن أملوا أن يكونوا وسطاء سلام. لكن طرحاً بديلاً يشير إلى أن كيري يستخدم مهاراته السياسية بذكاء في موضع يمكنه فيه أن يحقق بعض النجاح خلال عهد رئيس قوض تماماً مصداقية الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ويعتبر هذا الطرح أن الإسرائيليين والفلسطينيين ما زالوا يترددون في تحدي وزير الخارجية الأميركي.
لكن تاريخ إخفاقات "عملية السلام" الطويل في الشرق الأوسط والطباع المعروفة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يرجحان كفة المشككين، إلا أن بعض الأذكياء الذين أعرفهم بدؤوا يراهنون على كيري، لأنه يتبع مساراً تكتيكياً أكثر حكمة مما اعتمده أوباما خلال ولايته الأولى.ظن أوباما أيضاً أنه سيكون وسيط السلام في الشرق الأوسط وحدد لنفسه مهلة سنتين، لكن استراتيجيته فشلت فشلاً ذريعاً لأنها لم تستند إلى أسس صحيحة، فقد جعل تجميد إسرائيل بناء المستوطنات محور الدبلوماسية الأميركية، وظن أن مواجهة علانية مع نتنياهو ستحقق ذلك، غير أنه لم ينجح إلا في تسميم علاقته بالقائد الإسرائيلي، الذي حقق انتصاراً سهلاً خلال الانتخابات السنة الماضية، مواصلاً في الوقت عينه توسيع المستوطنات. أما جهود أوباما، فلم تؤدِ إلا إلى عدد من الاجتماعات العقيمة بين المفاوضين الإسرائيليين والفلسطينيين. حقق كيري أداء أفضل نتيجة عودته إلى الأساليب الأميركية التقليدية في التعاطي مع القادة الإسرائيليين، فقد تحدث إلى نتنياهو وراء الأبواب الموصدة، ولم تصدر عن لقاءاتهما تسريبات كثيرة، وحيد مسألة المستوطنات الشائكة، معتبرا إياها بحق قضية جانبية. كذلك قبِلَ بهدوء بمطلبَي نتنياهو الأولين: أن يعترف الفلسطينيون بإسرائيل كدولة يهودية، وأن يرضوا بوجود مطول للقوات الإسرائيلية في أراضيهم. واعتمدت حساباته هذه على فكرة أن خطوة مماثلة ستعزز التنازلات الإسرائيلية التي قد تستميل عباس. اتضح أخيراً أيضاً أن كيري عدل هدفه المستحيل: التوصل إلى صفقة بحلول نهاية شهر أبريل، صحيح أن مساعديه ما زالوا يصرون على أن هذا هدفه، إلا أنه انتقل إلى محاولة الفوز بموافقة نتنياهو وعباس على "إطار عمل" يحدد المبادئ العامة للتسوية النهائية من دون التطرق إلى التفاصيل. وقد يمهد ذلك الدرب أمام اتفاق يفتح الباب على فرص جديدة، يمنح كلا الطرفين سبباً لإطالة المفاوضات لستة أشهر أو ربما سنة، ويسمح لكيري بإعلان انتصار دبلوماسي.سبق أن وقع الإسرائيليون والفلسطينيون على "أطر عمل" رعتها الولايات المتحدة، وكان آخرها "خارطة الطريق" التي وضعها جورج بوش الابن، لكن كيري يسعى إلى التوصل إلى إطار عمل يضم عدداً أكبر من القضايا، فسيشمل على الأرجح اعترافاً فلسطينياً بإسرائيل كدولة يهودية، وتمركز القوات الإسرائيلية قرب الحدود الأردنية، ولغة تستثني "عودة" كبيرة للاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل. في المقابل، يُتوقع من نتنياهو أن يقبل بمبدأي أن الأراضي الفلسطينية سترتكز على حدود إسرائيل لعام 1967 وأن عاصمتها ستكون القدس.تكمن النقطة الإيجابية المحتملة في إطار العمل هذا في أنه يمهد الطريق أمام تنازلات أساسية قد يقدمها كل طرف من دون الغوص في التفاصيل، التي تشكل عقبة كبيرة. على سبيل المثال، من الممكن أن يقبل نتنياهو بحدود عام 1967 كأساس للمفاوضات. لكن من المستبعد التوصل في اتفاق إسرائيلي-فلسطيني في نهاية شهر أبريل يحدد بدقة تلك الحدود، كذلك قد ترضى إسرائيل بمفهوم "القدس عاصمة فلسطين"، معتبرة أن هذه العاصمة ستقوم في ضاحية نائية، في حين يظن الفلسطينيون أنهم سيبسطون سيادتهم على كامل المدينة القديمة.ولكن تبقى مشكلة أن هذا يتطلب أيضا قرارات جريئة وشجاعة من رجلين بنيا مسيرتهما السياسية على الحذر والتأجيل، وبما أن ترؤس واحات من الهدوء وسط الشرق الأوسط الكثير الاضطرابات يواجه أيضاً تحديات من المتشددين المحليين والأعداء الخارجيين، يملك عباس ونتنياهو أسباباً كثيرة تدفعهما إلى تفادي عقد صفقة حقيقية مهمة، حتى لو كانت "إطار عمل"، فبخلاف جون كيري، قد يخسر هذان القائدان الكثير.* جاكسون ديهل | Jackson Diehl