الخلافة الإسلامية ليست ركناً من الإيمان، ولا حكماً من الشريعة كما يظن البعض، لكنها جزء من التاريخ الإسلامي، الذي كان من الممكن أن يقع بصورته التي حدثت أو يقع بصورة أخرى مغايرة، فالخلط بين الإسلام والتاريخ خطأ فادح وقصور شديد جعل البعض يعتقد أن الخلافة الإسلامية هي الإسلام.

Ad

حالة جدل أحدثها كتاب "الخلافة الإسلامية" الصادر حديثاً للكاتب محمد سعيد العشماوي، بسبب رفضه المناداة بمبدأ الخلافة الإسلامية في الوقت الحديث، بل اعتبرها ليست من الإسلام، بل هي جزء من التاريخ الإسلامي، وأن الخلافة الإسلامية شأنها في ذلك شأن أي إمبراطورية، أو قيصرية أو كسروية تمر بها فترات عزة ومجد، فتتداول الأيام وتتحول من عزة إلى هوان ويصير المجد إلى فشل. وأكد المؤلف أن الخلافة ليست هي الإسلام، ولم تخدم الإسلام بل أضرت به حين ربطت العقيدة بالسياسة، ومزجت الشريعة بنظام الحكم، ثم جعلت الحكم وراثيا وصيرته مطلقا مستبدا وضيعت حقوق الله وحقوق الناس، وأدت إلى تشويه ووقف أي نمو للفكر السياسي الإسلامي، فما دام الخليفة مختارا من الله، وما دام قوله هو قول الله وفعله فعل الله فلا مجال لأي فكر سياسي ينظم طريقة الخليفة ونظام عمله.

ويدلل المؤلف في كتابه على أن الخلافة الإسلامية لم تحقق وحدة العالم الإسلامي، وذلك برصد عدة خلافات إسلامية، فقد كانت توجد في وقت واحد خلافات ثلاث: الخلافة العباسية في بغداد والفاطمية في مصر، والأموية في الأندلس، وفي فجر الإسلام وإبان الخلافة الراشدة وجدت خلافتان إحداهما لعلي بن أبي طالب، والثانية لمعاوية بن أبي سفيان، وهذه الخلافات الإسلامية أدت إلى تقطع البلاد الإسلامية وما حدث في أوائل القرن الهجري أن كانت فارس وأصفهان والجبل في أيدي بني بويه، وكرمان في يد محمد بن إلياس، والموصل وديار ربيعة في يد ملوك الطوائف، وهذه العوامل أدت إلى صيغة عسكرية أساءت إليه وشوهته، والحمد لله أن نشر الإسلام جاء عن طريق الأفراد والجماعات، لا عن طريق السلطة كما حدث في نشر الإسلام في وسط إفريقيا وجنوب شرق آسيا، وكان هذا أفضل وأنقى للإسلام ونفيا لأي ادعاء يزعم أن الإسلام انتشر بحد السيف.

وهذا الكتاب يهدف إلى بيان أصول الخلافة وطبيعتها وحقيقتها، كما يعرض الأحداث التي انتهت بها الخلافة إلى أنها نظام سياسي لا نظام ديني. وإن البديل الواقعي للأمة الإسلامية هو نموذج الدولة الوطنية الإسلامية المشكلة من منظمات خاصة، لأنها روح العصر.