مجازفة المشروع الجديد!

نشر في 17-01-2014
آخر تحديث 17-01-2014 | 00:01
وجود السلطات الدستورية كمجلس الأمة والحكومة رغم هشاشتها وضعفها والتذمر الشعبي الواسع تجاهها، فرض واقعاً لا يمكن التنصل منه، وأي مشروع جديد خارج إطار الدستور سيجعل من الحكومة والمجلس الحاليين أبطالا يدافعون عن الدستور والشرعية في أحسن الأحوال.
 د. حسن عبدالله جوهر    مشروع التعديلات الدستورية المزمع إعلانه خلال الأيام القادمة بحاجة إلى وقفة مهمة للتأمل ودراسة المواءمة السياسية والظروف المحلية والإقليمية المحيطة بنا كبلد، ليس طعناً في أصل هذا المشروع إنما من باب الحرص على ألا يتحول إلى مجرد فكرة تدفن سريعاً في أرشيف المستودعات التاريخية.

قد تكون الاقتراحات التي تم تسريبها في حد ذاتها جديرة بالنقاش خصوصاً في ما يتعلق بتوسيع نطاق الحريات وإنشاء الهيئات السياسية وزيادة صلاحيات البرلمان وفق مفهوم السيادة للأمة بما في ذلك الحكومة المنتخبة، فمثل هذه المطالبات ليست بجديدة كما أشرنا في العديد من المقالات السابقة، إذ إن جذورها تعود إلى بدايات القرن الماضي، وتحديداً في عام 1938، ومن المؤكد أن تختلف الآراء والمواقف السياسية إزاءها بمستويات متفاوتة وأحياناً بشكل عميق.

هذه الاختلافات مصدرها الحالة المجتمعية الهائجة في ظل الاستقطابات الحادة، وفي مقدمتها الشحن الطائفي المستمر بالإضافة إلى الطرح الفئوي وبقية الانقسامات السياسية والفكرية التي مزقت النسيج الوطني كل ممزق.

وجود السلطات الدستورية كمجلس الأمة والحكومة من جهة أخرى رغم هشاشتها وضعفها والتذمر الشعبي الواسع تجاهها، فرض واقعاً لا يمكن التنصل منه، وأي مشروع جديد خارج إطار الدستور سيجعل من الحكومة والمجلس الحاليين أبطالاً يدافعون عن الدستور والشرعية في أحسن الأحوال، بل قد تكون ردة الفعل المبنية على العناد السياسي ضد المعارضة متمثلة بالتهويش بتنقيح الدستور وفق الرؤى الكارثية لهذه التركيبة القائمة!

ولعل الأهم من ذلك كله ضعف البنية التحتية القانونية الضامنة لمشروع سياسي كبير وطموح بدءاً من النظام الانتخابي مروراً بالتنظيمات السياسية، وانتهاء بحزمة قوانين الشفافية وتعارض المصالح والذمة المالية ومعايير الاختيار في المناصب القيادية واستقلالية القضاء، فهذه البيئة الحاضنة لأي برنامج إصلاحي حقيقي غير متوافرة أو أن بعض التشريعات التي أقرت بشأنها صدرت خاوية من محتواها الجاد وطموحاتها المنشودة، ومثل هذه التشريعات صدرت في ظل غياب المعارضة عن المسرح السياسي واستفردت بها الحكومة وحلفاؤها.

إذا كانت هناك أولويات تستحق العناء والاهتمام في هذه المرحلة فهي، حسب قناعتي الشخصية، يجب أن تبدأ بإعادة النسيج المقطع إرباً إرباً وتطهير ثقافتنا السياسية من الأفكار المتعصبة والطائفية والإقصائية، ومن محاولات بث روح القتنة والتحريض لخلق نجومية مزيفة على حساب مشاعر الآخرين وخصوصياتهم، وأن تكون الفئة التي تتصدى لأي مشروع وطني محل ثقة واحترام السواد الأعظم من الكويتيين، وقد يكون الإعلان مسبقاً بأنهم لا يطمحون إلى أي مواقع سياسية في المستقبل من أجل إثبات المصداقية قيمةً مضافة إلى نجاح المشروع.

التوقيت أيضاً في غاية الأهمية، فالمعارضة التي كسبت تلك الشعبية العريضة قبل سنتين أو ثلاثة فقدت بريقها وعمقها الشعبي، ولكن اليوم الحكومة وبنهجها وفشلها المستمر وسوء التركيبة البرلمانية لدورتين متتاليتين نقلت حالة الاستياء إلى هذه الجبهة، وقد يكون من الخطأ الجسيم أن تطل المعارضة برأسها من جديد وببعض رموزها السلبيين، وبهكذا مشروع لم يتفق عليه ائتلاف المعارضة أنفسهم، فنعود إلى المربع الأول ونضيف صفراً إلى الأصفار الكثيرة التي نعانيها في هذا البلد!

back to top