جاءت فتوى الشيخ علي السيستاني، التي دعا فيها إلى "الجهاد الكفائي"، بمنزلة رَشْق الزيت وصبِّه على نارٍ مشتعلة، فالتوتر الطائفي في ذروته و"الهيستيريا" المذهبية أصبحت تأخذ البلاد إلى حرب أهلية كانت قد بدأت في حقيقة الأمر عندما فرض "المنتصرون" بقيادة بول بريمر على الشعب العراقي، وخاصة العرب السنة، معادلة سياسية جائرة أقصت هؤلاء، أي العرب السنة، وحملتهم مسؤولية كل ما جرى خلال فترة حكم حزب البعث بوصلته الأولى، عندما كان أحمد حسن البكر رئيساً، وبوصلته الثانية وهي الوصلة "الصدَّامية" التي امتدت منذ عام 1979 حتى الغزو الأميركي عام 2003.
جاءت هذه الفتوى المستغربة من هذا المرجع الكبير كدعوة تحريضية طائفية ومذهبية، وللأسف ولعل ما كان أكثر استغراباً أن يرتدي عمار الحكيم، هذا الشاب المنفتح وسليل البيت القيادي العريق، ثياب الحرب المُرقَّطة، ويدعو، مثله مثل السيستاني، إلى الدفاع عن الأماكن المقدسة، والمقصود هو الأماكن الشيعية، مع أنه قبل ساعات فقط، مثله مثل السيد مقتدى الصدر، يحمل نوري المالكي مسؤولية كل ما جرى في العراق، ويطالبه بالتنحي وإفساح المجال لتشكيل حكومة وحدة وطنية (متوازنة) تنصف العرب السنة الذين تفنن رئيس وزراء العراق (الحالي) في التنكيل بهم وإهانتهم واحتلال مناطقهم بحجة أنها أصبحت قواعد عسكرية للإرهابيين و"داعش"!ما كان على الشيخ السيستاني أن يستعجل الأمور، ويتسرع في إصدار هذه الفتوى التي فُسِّرت على أنها دعوة لاصطفاف الشيعة وراء نوري المالكي، وما كان على السيد عمار الحكيم أن يبادر لخلع جُبته واستبدالها بـ"بدلة" عسكرية مرقطة، الأمر الذي فُهم على أنه دعوة لـ"التطوع" للقتال، على اعتبار أن هذا الصراع المحتدم الآن في العراق هو حرب شيعية-سنية، والذي هو صراع سياسي استغله نوري المالكي للتحشيد الطائفي والمذهبي، وكل هذا مع أن الشيعة في حقيقة الأمر غير مستهدفين، ويجب ألا يكونوا مستهدفين، لأنهم بغالبيتهم لا يوافقون على هذه المعادلة السياسية الحالية، ولا يوافقون على جرِّ العراق إلى حروب مذهبية ستكون مدمرة وقذرة في كل الأحوال.وحقيقة ورغم "الالتباسات" الكثيرة في هذا المجال فإن المرفوض والذي يجب أن يُواجَه ويقاوم حتى بالسلاح هو هذا التدخل الإيراني السافر والبشع، سواء في العراق أو في سورية أو في لبنان واليمن والبحرين والسودان، هذا التدخل الذي يرتدي عمامة شيعية، وحيث أدلى رئيس إيران حسن روحاني قبل يومين بتصريح نشرته وبثته وسائل الإعلام كلها قال فيه: "إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن تألو جهداً في الدفاع عن الأماكن المقدسة في النجف الأشرف وكربلاء والكاظمية وسامراء".ما دخْل إيران بهذه المسألة...؟ ولماذا تتذرع بحماية مقام السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب لإرسال قوات نظامية من الحرس الثوري وميليشيات طائفية من العراق وباكستان وأفغانستان، للقتال في الحرب التي يشنها بشار الأسد على الشعب السوي...؟! ألا يعني هذا إعطاء مصداقية لـ"الفرنجة" وحلفائهم الغربيين الذين ادعوا بأنهم يريدون تخليص "القبر المقدس" عندما قاموا بتلك الحروب التي سموها حروباً صليبية، بينما هي حروب استعمارية واحتلالية بدوافع اقتصادية، ولهذا سماها المؤرخون المسلمون والعرب: "حروب الفرنجة"؟!إنها مجرد ذريعة لإخفاء الدوافع الحقيقية لاحتلال إيران للعراق وسورية... ولبنان أيضاً، والدوافع الحقيقية هي دوافع سياسية هدفها التمدد في هذه المنطقة كلها، فالمعروف أن من يحتل بلاد الرافدين لابد أن يتطلع لاحتلال بلاد الشام، وأن من يحتل بلاد الشام والهلال الخصيب لابد أن يتطلع لاحتلال، إن ليس كل شبه الجزيرة العربية فبعضها، وأن من يقوم بكل هذه الاحتلالات لابد أن يتطلع إلى مصر، التي هي نقطة الارتكاز ومدخل الشمال الإفريقي إلى المشرق العربي كله... وبهذا فإنه ليس مجافاة للواقع أن نقول: إنه تحت هذه العمائم البيض والسود شياطين سياسية.
أخر كلام
... عمائم تحتها شياطين!
19-06-2014