الأزمة الطائفية الأخيرة وما تبعتها من ردود فعل نجحت فقط في تغذية الاحتقان القائم أصلاً والتكسب السياسي على حساب تأجيج مشاعر الناس، ومن الطبيعي أن تبرد الأجواء تدريجياً كالعادة ولكن بعد أن تترك جرحاً جديداً ينتظر حماقة أخرى لينزف من جديد.

Ad

يقال إن النار تستعر من مستصغر الشرر، وهذا ما حدث بالفعل في الفتنة الأخيرة، حيث تم توجيه الجرافات لإزالة خيمة مؤقتة ومرخصة باسم "عبدالله الرضيع" في ذكرى عاشوراء وفي يوم عطلة رسمية وفي أجواء نحن بأمس الحاجة إليها من الهدوء لاستضافة القمة العربية الإفريقية، هذا الفعل بالتأكيد استفزاز صريح لعواطف الشيعة الجياشة في هذه المناسبة الحزينة، وأكبر مشكلة أن تعجز الحكومة وبكل مؤسساتها الأمنية والاجتماعية والإعلامية عن التنبؤ بحجم الغضب وصور التعبير عنه بالتجمعات والمسيرات وما قد ينجم عن ذلك من مواجهة وتصعيد سياسي!

ولهذا فإن التبرير المتداول بأن الحكومة تتعمد إثارة الفتن بين مكونات المجتمع الكويتي، خصوصاً في البعد الطائفي للحفاظ على مبدأ "فرّق تسدْ"، يجد نفسه مطروحاً وبقوة، خاصة أننا نفاجأ بين فترة وأخرى من ظهور مثل هذه الممارسات كلما هدأت الأمور! وهناك رأي آخر يذهب إلى تسطيح المشكلة واختصارها في اجتهاد خاطئ لموظف تنفيذي لا يملك أفق الحكمة أو الدراية في تبعات فعله وعمله، وقد يكون هذا الطرح صحيحاً، ولكن يبقى أنه يستمد جذوره من الثقافة المجتمعية العامة أو بفعل تحريض لا يمكن مقاومته، ومن دلالات ذلك ربط الحدث الأخير بتصريحات بعض المتطرفين وتهديدهم الحكومة بالتعامل مع المشاعر الحسينية انطلاقاً من مفهومهم المتحجر بأن الكويت بلدهم فقط، ويجب أن تدار بعقلية العقيدة الضيقة التي يؤمنون بها، حتى إن كانت تلك العقيدة بعيدة عن فهم الغالبية العظمى حتى من أبناء المذاهب السنّية نفسها، وهذا ما نلاحظه بل نعيشه معاً، حيث نشهد الكتابة والخطابة والتعبير عن صور الحزن والمواساة في ذكرى استشهاد الإمام الحسين (ع) من عموم الكويتيين.

هذه هي علتنا الرئيسية الكامنة في البعد الثقافي المجتمعي الذي فقد حس التسامح وقبول التعددية لمآرب سياسية، والسياسة هي أخطر وسيلة للتحكم بقواعد اللعبة، وجر العوام من الناس إلى المواجهة وإن كانت خلف شبكات التواصل الاجتماعي، فمن تابع ردود الفعل والتعليقات التي سطرها المئات من رواد الإنترنت خلال الأيام الماضية يجد فيها طغيان روح الاحتقان والتشفي وخلط الأوراق وبمستوى ضحل جداً في فهم الدين، لأن الدوافع متهيجة والفزعة عمياء.

قد تكون السيطرة على قناعات الناس ومعتقداتهم صعبة أو حتى مستحيلة، ولكن أين دور الحكومة ومؤسساتها والقوانين التي تستظل بها الدولة من فرض هيبتها على أجهزتها التنفيذية والقائمين عليها وفقاً لفلسفة حكومية موحدة قوامها أن البلد للجميع فيه المساحات الكبيرة المشتركة وهوامش من المرونة لخصوصيات كل فئة من فئات هذا المجتمع وضرورة مراعاتها واحترامها من أجل المصلحة العامة والاستقرار السياسي الاجتماعي للتعددية التي نشأت وسوف تبقى عليها الكويت!