{حكاية شعب}، {وطني حبيبي}، {المصريين أهمه}، من أهم الأغاني الوطنية التي تؤرخ لفترات زمنية وأحداث مهمة ستظل محفورة في ذاكرتنا، إلا أن صانعي الإعلانات استخدموها في الترويج لسلع استهلاكية مثل {العصائر}، و{سمن} وغيرهما.

Ad

يستنكر الشاعر الكبير سيد حجاب استخدام الأغاني الوطنية والتراثية في الدعاية لمنتجات استهلاكية، نظراً إلى الذكرى الجميلة  التي  تمثلها هذه الأغاني في نفوس العرب جميعا وليس المصريين فحسب، لارتباطها بأحداث مهمة في تاريخنا المعاصر، إلا أن القيمين على الإعلانات لم يراعوا أي قيمة لهذه الأغنيات أو الأحداث التي تعبر عنها وما ارتبطت به في وجدان الجمهور، كل ما يشغلهم استخدام اللحن العالق في الأذهان للترويج لمنتجاتهم، حتى الورثة كل ما يشغلهم المقابل المادي لحق استغلال اللحن.

يطالب حجاب بميثاق شرف بين شركات الإعلانات وبين الجهات المعنية مثل وزارة الثقافة وجمعية المؤلفين والملحنين، يعطي الحق للجمعية أو الوزارة في إبداء الرأي باختيار الشركات للأغاني حتى لا تعبث بتاريخنا الفني، أو تحدد الألحان التي لا يجوز الاقتراب منها واستخدام اللحن في أي مصنف آخر.

كذلك يطالب حجاب المجتمع المدني الذي يراقب الأعمال الفنية بالتدخل ضد هذه الحملة التي تشوه التراث الفني، لا سيما أن اللحن العظيم يرتبط مع الأجيال الجديدة بالكلمات التي أضافتها شركات الدعاية.

بيع ومهزلة

 

يوضح إيمان البحر درويش أن القانون سمح للورثة ببيع حق الأداء العلني للأغنية بمقابل مادي، ولا يعترف القانون بقيمة أو تاريخ الأغنية لأن هذا الأمر بعيد عنه.

يضيف: «إذا كنا نريد حماية التراث والأغاني القومية، علينا إصدار قانون لحماية التراث، وتحديد الأعمال التي ينطبق عليها ذلك أولا، ولا يحق للجهات أو الوزارة التدخل وإلا كانوا فعلوا من البداية».

يأسف لأن ورثة المبدعين لم يحترموا هذا التاريخ، وكان الأولى بهم الحفاظ عليه بدلا من بيعه مقابل المال، ويتساءل: «إذا كانت الحملة الدعائية أنفقت كل هذه الأموال، لماذا لا تبحث عن لحن جديد خاص بهذا المنتج بدلا من العبث بتاريخنا الفني؟ للأسف، اختاروا أغاني لها جمهور وباقية في ذاكرة الناس للترويج للسلعة ولا يشغلهم أي شيء غير ذلك».

بدوره يعتبر الملحن حلمي بكر أن ما يحدث مؤسف للغاية، فتاريخنا الفني أصبح ملازماً لإعلانات استهلاكية، والسبب ورثة المبدعين الذين لم يكونوا على مستوى جيد من الثقافة واحترام تاريخ من ورثوهم، فقرروا البيع لمن يدفع، ولأن القانون وضع الأمر كله بتصرف الورثة أصبح الجميع عاجزاً عن التحرك ضد هذه المهزلة.

يضيف: «يقصد الوكيل الإعلاني الورثة ويدفع لهم مقابل استغلال الأغنية من دون النظر في كيفية استخدامها، المهم المال، ولا نندهش عندما يصبح النشيد الوطني أغنية دعائية لشامبو أو غيره».

يطالب بكر وزارة الثقافة ونقابة الموسيقيين وجمعية الملحنين والمؤلفين بالتدخل الفوري وحماية التراث والأغاني القومية من العبث والتطاول، لافتاً إلى أن البداية كانت عندما غنى اللمبي «حب أيه» لأم كلثوم، وعندما رفع الورثة دعوى قضائية ضده، تقدم المنتج ودفع لهم 50 ألف جنيه، فتجاهلوا  القيمة والتاريخ ووافقوا على ما حدث وتنازلوا عن القضية.

تشويه متعمد

تؤكد  الناقدة ماجدة خير الله أن ما يحدث هو تشويه متعمد لتراثنا وتاريخنا الفني، بسبب سيطرة المادة على تفكيرنا، ومن أجلها أهدرنا كل ذي قيمة ومعنى.

تضيف أن جمعية المؤلفين والملحنين كانت لها وقفة مشهورة عندما حول محمد ثروت وجمال سلامة الأغنية الوطنية «مصر يا أول نور في الدنيا» إلى أغنية مناسبة، وتم تغيير الكلمات باسم إحدى الأميرات العرب، ورغم أن الملحن هو من قام بهذا التحريف إلا أن الجمعية ونقابة الموسيقيين وقفتا له بالمرصاد، وهاجمتا الملحن والمطرب لأنهما أهانا أغنية وطنية من أجل المال.

توضح أن الجمعية اعترضت على اسم فيلم «أول مرة تحب يا قلبي» واعتبرته استغلالا لأغنية من تأليف فتحي قورة وطالبت باستئذان الورثة، رغم أنه لم تُستغل الأغنية وإنما مجرد الاسم فقط اضطر صناع الفيلم لتغيير اسمه ليصبح «أول مرة تحب».

تضيف: «اليوم، يصمت الجميع عند تحريف أغاني التراث وأغانٍ قومية لها تاريخ وذكرى في وجدان الجمهور ومرتبطة بمناسبة عظيمة، وعندما تتحول إلى أغنية دعائية عن سمن أو زيت أو ما شابه من دون الاهتمام بقيمة أو تاريخ، لذا أطالب بوقفة من الجهات المعنية وأولها وزارة الثقافة ضد هذا التشوية المتعمد لتاريخنا الفني».

بدوره يشير الموسيقار حسن إش إش إلى أن للأغنية الوطنية مصداقيتها، لذلك من غير المقبول على الإطلاق استخدامها لترويج سلعة ما، لكن من الممكن توظيفها في حملة توعية تفيد المجتمع.

يضيف: {كان على  الشركة التي استخدمت لحن أغنية {المصريين أهمة} أو {حكاية شعب} الحصول على موافقة الملحن أو ورثته لأنهم أصحاب التصرف في الأغنية ولا يحق لأي شخص آخر أن يتدخل، وأي تشويه للأغنية يقع على عاتقهم هم وليس الجمعية أو الوزارة}.

حق التصرف   

يرى نقيب الموسيقيين  مصطفى كامل أن القانون حدد هذا الأمر وجعله بتصرف الورثة وجمعية المؤلفين والملحنين فحسب، ولا يجوز إصدار أي قانون آخر يتعارض مع القانون الحالي.

يضيف أن ورثة الفنان أصحاب حق في التصرف بالأغنية بغض النظر عن قيمتها وقد يوافقون على هذا العبث مقابل المال، وبالتالي لا يحق لأي جهة أو فرد الاعتراض،

يتابع: {يفترض أن يكون الورثة على مستوى كبير من الوعي ويدركوا حجم وقيمة ما يملكون وألا يفرطوا فيه لأي شخص، مهما كان حجم المغريات}.

 يشير إلى أنه بعد نجاح أغنية {تسلم الأيادي} تلقى عرضاً من إحدى شركات الإعلانات لاستغلال لحن الأغنية في حملة دعائية ولكنه رفض رغم المبلغ الخيالي الذي عرض عليه، {لأن الأغنية للجيش ولمصر ويتم تغيير الكلمات فتصبح لمنتج استهلاكي وهو ما اعتبره إهانة للجيش ولا يجوز}.

من جهته، يعتبر رئيس اتحاد النقابات الفنية هاني مهنى أن استغلال أغاني التراث في الإعلانات أمر سيئ ويدعو إلى الحزن على تاريخ لم يحترمه أحد حتى أقرب الناس إلى المبدعين، ومن بيدهم الأمر باعوا هذا التاريخ من أجل المال.

يضيف أن الأمر بيد ورثة الفنان الذين يحق لهم السماح لأي جهة أو شركة باستغلال العمل الفني الذي يمتلكونه ولا يحق لأي جهة التدخل، سواء كانت وزارة أو نقابة، مؤكداً أن جمعية المؤلفين والملحنين لها حق التصرف في بعض الأغاني التراثية، وبناء عليه ترفض استغلالها بشكل يسيء إليها، أما دون ذلك فليس من اختصاصها التدخل فيه.