هدأة العارف
![فوزي كريم](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1498033753948674500/1498033754000/1280x960.jpg)
اليزابيث جيننغز (1926 ـ2001) أميركية المولد. بدأت بمدرسة كاثوليكية، ثم انتقلت الى اكسفورد، وهناك تعرفت على حبها الشعر الكلاسيكي، فنمت قدراتها باتجاه اللغة البسيطة، والاهتمام بالشكل، والميل الى استعمال الوزن والقافية. وهناك تعرفت أيضاً على بعض أبناء جيلها، من امثال أيمز، ومعهم شكلت مجموعة "الحركة" المعروفة، ولقد تفردت بينهم بالكاثوليكية وبكونها امرأة. عملت بعد التخرج في مكتبة اكسفورد العامة، وكانت قد باشرت بنشر عدد من قصائدها. وعلى مجموعتها الشعرية الصغيرة الأولى "قصائد" فازت بجائزة الادارة المحلية، ولكن جائزة "سومرت موم" التي حصلت عليها عام 1956 عن مجموعتها "طريقة في النظر"، وهي الثانية، مكنتها، بالمبلغ 400 جنيه استرليني، من تحقيق حلمها بالسفر ثلاثة أشهر الى ايطاليا، مركز كاثوليكيتها وعالمها الكلاسيكي الأثير.شعرها، بعد هذه الرحلة، أصبح أقل اعترافية، وبدأ ينتخب موضوعه من المحيط: أطفال، مسنون، أفكار دينية، وفيض الزمن العابر. وهي كثيراً ما تنعي على الحياة الحديثة تلاشي المقدس.على امتداد سنوات الستينات عانت جيننغز من سلسلة انهيارات عصبية واضطرابات عقلية، أصبحت أحد أهم ينابيعها الشعرية حتى اليوم. والرائع في هذه التجربة أن صوت الشاعرة فيها غير ندّاب ومُشفق على النفس، بل ايجابي وقاطفُ ثمار. انها تستثمر فنها في طرد شياطين انهيارها العقلي عن طريق تحويل فوضى أحلامها السوداء الى ضرب من الصفاء. في قصيدة "فان كوخ" (الذي يملك تجربتها ذاتها) ترى أن الجنون عنصر مهم في صفاء الفن: "فأنا أعرف فقط بأن فنك المندفع البري، يأخذ بك الى الأسى، ولكنه يجعلنا نُقبلُ، بغرابة على الرقة واللطف، وعلى معنى السلام".بين يدي مجموعتها "عواقب موقوتة"، صدرت قبل أكثر من عشرة سنوات،وهي المجموعة الواحدة بعد الثلاثين، صوتها فيها أشبه بتدفق ابتهالات من فم شاعرة بلغت منتهى النضج والسيطرة على اللغة والشكل. ولكن المعنى لصيق اللغة والشكل، يذهب بنا بعيداً:"ثمّةَ أماكن غامضة لم احتفظْ الا بأصدائها في الرأس،وبعبيرها أيضا. إنني لم أرَ قطّ كألوانها من قبلُ ومن بعد والآن أجدُ مشقّةً في الحديث عن هذه الأرض الغريبةالتي ما زالتْ تلاحقني.لا استطيع ان أفهم/ لم جاء بي المرضُ/ الى غابات وأراض كهذه..."ابتهالٌ وشُكرانٌ داخل عالم أرضي ولكن مضاء من مصدر قديم وأكيد. والشاعرةُ في هدأة العارف، تفتحُ الذراعين للاحتضان:"حكمةٌ تُقبلُ أم موسيقى في هذه الساعات الوجيزة،صفاؤهما موحّدٌ ولقوتيهما الخيرتين أُسلمُ النفسولكنها استراحة حية هذه التي أعرفها الآنقوى الإكراه تتوقف، وكل شيء هنا/ مماثل لمعناه بصورة عصية على مدركاتيكلُّ الذي أعرفه هدفٌ غنيٌّ بصوت السكينةيعرض نفسه، وأنا أصغي للفكرة وللمناظرة".